خبر تحصيناً للمصالحة الفلسطينية .. نزار السهلي

الساعة 06:45 ص|26 ابريل 2014

أخيراً، صعد الدخان الأبيض من منزل رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة، إسماعيل هنية، وتم الإعلان عن إنهاء فصل الانقسام بين حركتي فتح وحماس، والذي أدخل الفلسطينيين وقضيتهم عنق الزجاجة. ارتفعت الهامات تراقب سحابة المصالحة، بالاتفاق على تشكيل حكومةٍ بكفاءاتٍ وطنيةٍ، تمهد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية. 
ليست طائرات الاحتلال الإسرائيلي المغيرة على بيت لاهيا في قطاع غزة، وحدها، اخترقت دخان المصالحة، فهناك من بقوا مشككين في نيات الطرفين، ولا يستبعدون استمرار دوران مدحلة الانقسام في تفاصيل وجود السلطتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد سبقت التوقيع الجديد على الاتفاق الجديد تواقيع على اتفاقات سابقة، في مكة المكرمة والقاهرة والدوحة. وإن كنّا لم نألف، في السنوات السابقة، حماسة رئاسة السلطة و"فتح" للمصالحة، والتي فرضتها عنجهية الطرف الإسرائيلي، وانسداد الآفاق التفاوضية معه أمام رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، وكذلك ثمة المأزق الذي وُضعت به حركة حماس جراء الحصار على قطاع غزة والانقلاب في مصر، دفعها بالاستقواء داخلياً للاتفاق على إنجاز المصالحة وقبول بنودها.


المصالحة مطلب ومن الطبيعي أن تكون محاطة برعاية الشعب الفلسطيني، لحماية قضيته الوطنية. ومؤكد أن هناك استحالة لقول كل شيء على طاولة المصالحة المتواضعة، والمثقلة بملفات كثيرة. وهي بحاجة لجهودٍ جبارةٍ، لتحويلها إلى قوةٍ بنيويةٍ في مواجهة ملفاتها المعقدة والمتشابكة. وللأسباب الموضوعية والذاتية التي دفعت إلى الإعلان عن إنهاء الانقسام، يعبر الإعلان عن نفسه " كتكتيك"، لتلمس خطواته المتثاقلة بعقم التفاوض، لإعادة ترتيب بيت السلطتين من جديد، على الرغم من أن وقت الانقسام والتفاوض كان من دم واستيطان، فإن المصالحة، للأسف، وقتها، من محاصصة وتكتيك وامتيازات بعيدة عن جوهر الهدف المرجو.
منذ تمّ التوقيع على اتفاق مكة المكرمة، كانت في معدته قرحة الانقسام تتهيج طولاً وعرضاً، والعوامل كثيرة ما زالت متراكمة، توحي بمستقبل العلاقة بين الطرفين اللذين اختزلا كل القضية بوئام بينهما أو خصومة. واستطابة طرف المفاوضات المديدة مع المحتل على حساب القضايا الجوهرية. ومن دون الرجوع والاستقواء بالشعب الفلسطيني، ستبقي المصالحة في خندق التجاذب، وخصوصا إذا اعتبرنا "ناسفها " التنسيق الأمني الذي ينسف، بحد ذاته، كل الملفات المطروحة، ناهيك عن الاستراتيجية المتبعة لإدارة الصراع مع المحتل.
في الأثناء، توالت التصريحات الأميركية والإسرائيلية، المنددة بالمصالحة، باعتبارها تهديداً لعملية المفاوضات و"السلام"، فكيف لو كانت الوحدة قائمة بين كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني على استراتيجية نضالية واحدة، كيف ستكون أحوال الفلسطينيين؟
عند كل مفترق طرق، يتوقف مصير كل اتجاه على الحل والبديل الذي يقدمه للشعب، ومدى التفاف الشعب حول البديل الجديد. وخصوصاً بعد تجربة المفاوضات والانقسام. أما الدوران حول الذات والتلحف بالشعارات العامة وتبويس اللحى، وأخذ الصور التذكارية،  فلن يترك لصاحب المصالحة مكاناً في الميدان، إن كان هناك إدراك للمراجعة التاريخية،  وأخذ العبر من تجربتي المفاوضات والانقسام، لبناء حصن وطني، ينطلق منه الفلسطينيون في مواصلة مسيرتهم النضالية، وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، بما ينسجم مع واقعهم.  من دون ذلك، تبقى التقرحات تقلب ما في جوفها. وحتى لا تكون المصالحة توظيفاً لسياسات خرقاء وجوفاء، يجب الالتفاف حول كل القوى الوطنية في الشارع الفلسطيني، صدوراً عن فهم صحيح لإرادة الشعب الفلسطيني واتجاهاته، خلافاً لمسيرة رسم سبيلها الطرف المفاوض، كقدر لا بديل له، ولا سبيل للتراجع عنه، كإيمان مطلق ينتهجه أحد طرفي المصالحة.