تحليل هل بدأ الرئيس عباس الإعداد لمغادرة المشهد السياسي..؟

الساعة 06:17 ص|26 ابريل 2014

غزة

كتب محمد يونس

يجتمع اليوم السبت المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، البرلمان المصغر للمنظمة، لبحث الخيارات السياسية المقبلة على ضوء فشل المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية.

ويأتي عقد المجلس بعد أيام من التوقيع على اتفاق لإنهاء الانقسام بين منظمة التحرير وحركة "حماس" يقود إلى تشكيل حكومة مشتركة للسلطة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، تتوج بإجراء انتخابات عامة للسلطة ولمنظمة التحرير في فترة لا تقل عن ستة شهور من تشكيل الحكومة.

ويقول بعض المقربين من الرئيس محمود عباس انه سعى من وراء المصالحة "العاجلة" مع حركة "حماس" إلى الاتفاق على اجراء انتخابات عامة تؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بعد فشل مشروع التسوية الفلسطيني "الاسرائيلي" الذي بدأ في اتفاق اوسلو عام 1993.

لكن الكثيرين لا يخفون شكوكهم العميقة من هذه الخطوة ويرون فيها ليس سوى مناورة لتحسين شروط التفاوض.

ويستند المتشككون الى تجارب سابقة جرى فيها التوصل الى خمس اتفاقات للمصالحة دون أن يجري تطبيق اي منها على الأرض.

وتأتي هذه التطورات المتسارعة بعد فشل تسعة شهور من المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، برعاية أمريكية، في التوصل الى اية ارضية لمواصلة المفاوضات مستقبلا.

ويبدو ان الرئيس محمود عباس الذي تقوم عقيدته السياسية على البحث عن حل سياسي عبر المفاوضات وعلى الحفاظ على علاقة وثيقة مع الادارة الامريكية، وصل الى مرحلة اليأس التام من امكانية حدوث تقدم في هذه المفاوضات وامكانية ممارسة الادارة الامريكية اي ضغط على اسرائيل لتحقيق مثل هذا التقدم.

وبينت المحاولة الاخيرة التي قام بها وزير الخارجية الامريكي جون كيري للتوصل الى اتفاق، وقبلها سلسلة طويلة من اللقاءات الثنائية غير المعلنة بين الجانبين الفسطيني والاسرائيلي أثناء فترة تجميد المفاوضات، ان الحكومة الاسرائيلية لا تسعى حتى لبحث القضايا الرئيسية مثل الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين وغيرها، وانما تريد بحث القضايا المعيشية اليومية".

والمشكلة الاكبر هنا ان المجتمع الاسرائيلي يتجه نحو اليمين. والمتوقع ان يعزز اليمين المتطرف مواقعة في الانتخابات الاسرائيلية المستقبلية ما يجعل فرص الحل السياسي مستحيلة.

وكان الرئيس محمود عباس اجرى مفاوضات مثمرة مع رئيس الوزراء الاسرائيلية السابق ايهود اولمرت في العام 2008، لكنها سرعان ما تبددت بعد فوز اليمين برئاسة بنيامين نتانياهو في انتخابات العام 2009، ثم فوزه ثانية في الانتخابات التالية عام 2013 . وتشير اتجاهات الرأي العام في اسرائيل الى ان اليمين المتطرف المتمثل في احزاب مثل "اسرائيل بيتنا" برئاسة افيغدور ليبرلمان و"البيت اليهودي" برئاسة نفتالي بينيت سيعزز مواقعه، وربما يحل ليبرمان محل نتانياهو في الانتخابات التي ستجري في العام 2017.

وقال الرئيس محمود عباس في لقاءات أخيرة معلنه انه يتجه الى بدائل للمفاوضات مثل الانضمام الى المؤسسات الدولية، ونقل الملف الفلسطيني الى الامم المتحدة، واتمام المصالحة مع حركة "حماس". ووصل حد التهديد بتسليم مفاتيح السلطة لاسرائيل كي تتحمل المسؤولية عن احتلالها. وقال الرئيس قبل ايام في لقاء مع عدد من الصحافيين الاسرائيليين: "لا يمكن أن يستمر الوضع الحالي كما هو إلى الأبد، فلم يعد للسلطة الفلسطينية اي سلطة على الأرض، واذا استمر الوضع على هذا النحو فليأت ضابط إسرائيلي صغير إلى هنا ويستلم المفاتيح".

واعطى عباس اكثر من اشارة الى امكانية مغادرته المشهد السياسي في حال انسداد الافق السياسي، بعد ان تجرى انتخابات عامة للفلسطينيين يختارون فيها قيادتهم السياسية للمرحلة القادمة.

وفيما يرى البعض في تلميحات الرئيس عباس هذه تكتيكا يستخدمه للضغط على الجانبين الاسرائيلي والامريكي لتحقيق تقدم في المفاوضات، يرى آخرون انه وصل الى مرحلة اليأس المطبق من العملية السياسية برمتها.

ويرى اصحاب الاتجاه الاول من المسؤولين والمراقبين ان الرئيس محمود عباس سيعود بعد انتهاء فترة المفاوضات الحالية الى مرحلة "اللا مفاوضات"، وانه سيظل في موقعه في رئاسة السلطة والمنظمة، وسيواصل اجراء اتصالات سياسية مع الجانب الاسرائيلي من اجل تسيير الشؤون الحياتية للسلطة الفلسطينية، وفي ذات الوقت سيحاول اتمام المصالحة والانضمام الى ما هو ممكن من المنظمات الدولية.

لكن اصحاب الاتجاه الثاني يرون ان الرئيس، الذي شارف على الثمانين من عمره، يعد لمغادرة المشهد عبر انتخابات عامة لمنظمة التحرير والسلطة تحفظ له مكانه في التاريخ الفلسطيني بعد فشل حلمه في التوصل الى اتفاق لاقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ويرى هؤلاء ان الحقائق الاستيطانية المتسارعة التي تفرضها اسرائيل على الارض لا تترك اية اوهام لدى الرئيس محمود عباس في امكانية اقامة دولة فلسطينية في عهده، لذلك فان الافضل له الاهتمام بمكانته في التاريخ على مكانته في سلطة تتراجع قدراتها يوميا، وتتحول الى هيئة اقرب الى السلطة البلدية منها السياسية.

ويبدو السيناريو الافضل للرئيس محمود عباس في هذه الحالة اعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، واجراء انتخابات عامة للسلطة والمنظمة، ونقل مقر اقامة المنظمة الى خارج الوطن لمواصلة الكفاح الوطني الطويل من اجل الاستقلال، وترك السلطة تتحول تدريجيا الى سلطة محلية.

ويمكن للرئيس عباس، وفق هذا السيناريو ،ان يظل على رأس منظمة التحرير، او ان يغادر المشهد كليا.

ويشير تقديرات اولية الى ان الرئيس عباس يأس من وجود شريك سلام اسرائيلي، ويأس من الدور الامريكي، لذلك يبدو ان الافضل له العمل اعادة بناء منظمة التحرير، واعادة تأهيلها لمواصلة تمثيل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وترك السلطة الفلسطينية تنهار او تتقلص الى سلطة خدمات بلدية، بينما تتحرر منظمة التحرير من القيود ومن الضغوط الاسرائيلية، وتواصل من الخارج قيادة الكفاح الفلسطيني من اجل الدولة المستقلة، عبر الامم المتحدة وغيرها من الوسائل النضالية.

ويعزز الرئيس عباس هذا السيناريو بتلميحاته المتواصلة عن حل السلطة وتسليم مفاتيحها للجانب الاسرائيلي...