خبر أنباء وأنباء .. والعيس في البيداء.. علي عقلة عرسان

الساعة 03:14 م|25 ابريل 2014

سيل من الأنباء كل يوم نبقى بعده ظماء..

كالعيس في البيداءِ يقتلها الظما       والماءُ فوق ظهورها محمولُ

أنباء عن استئناف جنيف ، وأنباء عن حوار سوري خفي فيه خير لما تبقى من طير، وأنباء استقالة الأخضر الإبراهيمي من مهمته السورية مصدرها سفير فرنسا في الأمم المتحدة، وأنباء عن تفاهم وتعاون قطري ـ سعودي فيما يتعلق بالموقف من الجماعات المسلحة والإخوان المسلمين والجماعات السلفية والجبهة العشائرية يعززان المضي في الحرب الدائرة في سورية بإشراف وتشجيع أميركيين، وأنباء عن تحليق طائرات إسرائيلية بدون طيار فوق الحدود السورية الأردنية بمعرفة الأردن وموافقته وعن شكوى أردنية للأميركيين والروس تحمل متضادات تنم عن ضياع وارتياع بسبب الاتباع، وأنباء عن تحرك تركي بالتنسيق مع الإخوان المسلمين بشأن مصر والسعودية لا يرضي البلدين، وأنباء عن ازدياد عدد السوريين والسوريات المشردين والمشردات ومنها ما يقول إن مئة وخمسين عائلة سورية تقريباً تفترش أرض أحد الميادين الكبرى في باريس طلباً للجوء.. وأنباء عن مرشحين يتقاطرون على شغل منصب الرئاسة السورية، وأخرى عن استمرار العمليات العسكرية بكثافة في عدة جبهات، وعن انتصارات هنا وانكسارات هناك.. وأنباء وأنباء وأنباء.. مما يتعلق بأزمتنا السورية أو حربنا المهلكة ذات الأرزاء التي يأبى عرب ومسلمون على الخصوص، في الجانبين المتقاتلين اللذين يلونان المشهد بالأبعاد السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية، وعن أطراف دولية تقف خلف كل من الفريقين تأبى إلا أن تستمر الحرب لتنهي اشتباكات دولية استراتيجية وغير استراتيجية وتنهي بها ومعها بلداً ثقُلت على كاهله الكوارث الكبرى التي سببتها الحرب/الجنون.. ومع ذلك الإصرار بألوانه وأنغامه يردد كل منخرط في الحرب أو مراقب لها، إما من باب العقلانية وإما من باب النفاق والازدواجية، أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة/الحرب في سورية وإنما توجد حلول سياسية فقط.. بينما يستمر التسليح والتدريب والاقتتال.. ويدخل على الخط الدول تسليح وشبه اقتتال في أوكرايينا التي لا معدى للمراقب إلا أن يرى خيط ارتباط بينها وبين الأزمة السورية يصنعه الغرب أو يصطنعه.. فالبعد الدولي ـ الاستراتيجي للأزمة في سورية لم يعد توقعاً ولم يعد خافياً.؟!

كثيرة هي الدعوات والمبادرات التي أطلقت للخروج بسورية من المستنقع الدموي الذي هي فيه، وكثيرة هي الإخفاقات في هذا المجال.. وسواء أكانت تلك الدعوات داخلية من صنع سوريين أو خارجية "عربية أو إسلامية أو دولية" فإنها لم تفلح في أن تغزو العقل وتستقر في الوجدان وتقنع من يركبون رؤوسهم بالعودة إلى الصواب، ورؤية الناس وما يجره عليهم من يركبون رؤوسهم في هذه الحرب/ الكارثة، ومن يبيعونهم في السوق لمن يدفع أكثر.. ومن غير المتوقع أن تحسم الأمور إلا بالسيف، مع ما يعنيه سيف العصر من خصوصية كارثية في الحسم، وما تعنيه الأزمة السورية بأبعادها وألوانها والعناصر الداخلة فيها من كل الأطياف والمشارب، والأهداف المرسومة لها، والعوامل التي تحرك الفاعلين في أرضها المنفعلين بما يُصب في رؤوسهم ويُستَنْبَت في أنفسهم لتستمر، إن هي لم تحسم إلا بالقوة، من ارتدادات وتفاعلات داخلية وخارجية، وما تخلقه من بؤر التوتر المتفجرة والموقوتة، وما تصنعه من إمارات الحرب وأمرائها، وما تثيره من أشكال الاقتتال مما قد يمتد في مكانياً وزمانياً.

لا يعرف وربما لا يعرف أحد بالضبط ما الذي يمكن أن يكون عليه حكم التاريخ على هذه الأفعال والمواقف وعلى الأشخاص والفئات والدول المنخرطة في الأزمة، وإنما أعرف أن حكم التاريخ لا قيمة له عند هؤلاء ولا يشكل رادعاً لدى من يدخل معترك موت أو حياة يستبيح فيه الأرواح والقيم وأملاك الناس ومصائرهم، ويبيح لنفسه ولمن معه استخدام كل الوسائل والأدوات والأساليب وسلوك كل السبل لتحقيق ما يراه هدفاً مشروعاً شريفاً لا يتوانى عن ربطه بالعدالة الإلهية والمشيئة الربانية، أو يستند إليهما في اختياره أو يستمد منهما نوراً في سعيه الدامي لبلوغ ما يراه الخير والعدل والحرية!؟.. والكل في المعترك/المستنقع، بنظر كل من هم فيه من والغين في الدم أو محرضين على الولوغ فيه، الكل يرى في من تسحقهم رحى الحرب "قتلى أو شهداء حسب العائدية والانتماء، "قتلى ذاك الطرف وشهداء هذا الطرف" والكل يأخذ الإرادة الإلهية ـ جل الله عن ذلك ـ ويصدر حكم الله بلسانه وبنانه، والكل في المعترَك: "أعداء ومعتدى عليهم، أو فُتَّاك وضحايا.؟! ولا يقبل أحد منهم قولاً على قول فيه نقض أو إرجاء للحكم أو تبصر بالنتائج.

عبثاً يطلب الناس تحكيم المصلحة العليا للبلد والشعب، في سورية الوطن وسورية الشعب"، وعبثاً يستجيرون بالله وقيم الدين.. ذلك لأن الكثرة الكاثرة، لا سيما في أوساط القيادات الآمرة، ترى الله إلى جانبها، وتطلب إليه من دون تردد أن يقاتل إلى جانبها، وكأنها اسخارته فاختارها، فعل اليهود شعباً مختاراً من " الرب ـ جل الرب عن أن يفرق بين خلقه إلا بالعمل الصالح والتقوى ـ وفعل الوثنية وعهود اقتتال الأهة بالناس وفق الملاحم والأساطير والميثيولوجيا اليونانية مثلاً.. وعبثاً ينتخي الناس في أرضنا ويزأرون وينتحبون ويموتون ولا يَدفنون موتاهم أو يُدفنون.. فهم سادرون في غيهم، والحرب المجنونة كارثة وغي، من دون رادع من داخل الذات أو من خارجها.. فالوالغ في الدم لا يستطيب إلا الدم حيث يخرجه ذلك الفعل الشنيع من إنسانيته إلى وحشية من نوع ما بذريعة ما.. ولا يُرهَقُ أحدٌ رَهَقَ من يتابع من داخل الصورة/ المشهد، مع شيء من القدرة على الرؤية والتبصر بشيء من الموضوعية " أو ما يحب البعض أن يطلق عليه الحيادية"، إذ أن من يكون ذلك وضعه لا يكون إلا أنموذجاً حياً لانطباق القول الدارج: "من راقب الناس مات هماً"، لا يكنه لا يموت بل يُنقَع في الهم والغم نقعاً قد يكون أهون منه الموت.. ذاك أنه يرى ما لا يرون، ويتحسر على العقل والحكمة كيف يغيبان، وعلى الروح التي حرك الله قتلها إلا بالحق كيف تزهق بالباطل وشبيهه، وعلى الحياة كيف يُستهان بها وبقيمها وما يقيمها ويبقيها، وبكل ما أنجزه الإنسان في الحياة ومن أجلها كيف يدمر ويداس، وبالدين/الشرع والقانون الوضع.. كيف يمُجُّهما الناس مجاً كريهاً مع كل كلمة يتشدقون بها تذكيراً ودعوة للاتزام بهما، وكلاماً فاجراً في الدفاع عنهما.؟!

الأنباء تترى وتتلوا الأنباء عن السيء والأسوأ وعن أشكال المعاناة والاستياء، ولكن ذلك لا يغير في المشهد أو لا يكاد يغير فيه شيئاً، فالحرب وتدور، والقتل يستمر، والنزوح يتصاعد ونذر الموت والدمار والشؤم تتجدد بعد كل لمعة ضوء أمل.. وكأنما كتب علينا ألا نرى لهذا الشر فترة أو نهاية، والكلام عن الأمن والسلم وعن مسؤولية الحرب ومحاطرها يتطاير في فضاء المواجهات والمجابهات واللقاءات كأنما رؤوس أهله تلك الرؤوس التي تكلم عنها الكاتب الصيني "لوشيون أو لوشين"، حيث ذكر ذكر في قصة له عن الحرب القدر التي كان يغلي فيها رجلٌ رؤوس البشر، فتتقافز منها بعض الرؤوس مع فوران الماء لتتكلم بحدة وشدة فتدين وتشتم وتتهم وتقول وتقول، ثم ترسب في قعر القدرة المشتعلة تحته النار ليثور ثائر رؤوس سواها في الماء المغلي فتتكلم..!! وستبقى القدر تغلي فوق نارنا وتتقافز منها الرؤوس لتتكلم وتتكلم، وستبقى صورتها في الذاكرة تغذيها مثيلات لها في التاريخ وفي أرض الواقع السوري المعيش يومياً المتجدد المعاناة مأساوياً، حيث يأكل البشر لحم البشر بصورة ما، ويتكلمون عن الإنسانية والعدالة والمزاج الطيب والمستقبل الواعد، ويضحكون بصور شتى.. وينطبق عليهم تماماً قول بطل "لوشيون أو لوشين" في قصته التي عنوانها "ناهان" أو "دعوة للسلاح"، حيث قال:"إن الناس تبادلوا أبناءهم كي يؤكَلوا". وتبادلوا الأقوال " حول شخص سيء يستحق القتل، ويستحق أن "يؤكل لحمه ويُفتَرش جِلده."؟! وكأنما كل من في الحرب على الجالين هو ذلك الرجل.؟! إن في كل ذلك مثار عجب وسورات من غضب، ولك أن تعجب، فأعجب أعجب وأعجب ممن يجر على شعبه ووطنه الموت طلباً لما يدعوه حياة، وممن لا يرى في فعله ذاك إماتة لكل حياة ولكل لون مبهج في الحياة، هذا إذا ما بقي هناك ثمة ما يسميه حياة..   

يا الله كم يعز على المرء أن يرى وطنه، مدينته، حارته، بيته، مستقبله.. أن يرى كل ذلك تطحنه المحنة، وأن يرى شعبه العزيز المتعلق بالكرامة تفتنه الفتنة أو من يتعلق بها، ويُذل ويُهان ويُشرد جزء كبير منه في أصقاع الأرض، يستجدي حتى ليستجدي المستعمر الفرنسي وغيره مأوى، ويغدو كمن لا وطن ولا قيمة ولا كرامة ولا تاريخ له، وليس له حتى من يسأل عنه أو عن صغاره الذين يشبهون في منافيهم وفي مفاوز التيه التي تحتويهم أفراخ السنونو في عش تقتحمه أفعى لتبتلع من فيه، وهم في الروع في زقزقة استغاثة لا قوة ولا منقذ ولا جناح ولا طعام.. والأم ترى وتسمع ولا تملك إلا رفرفة جنح وروح وانهمال دمع في جسد من قَمع، والأب قد لا يرى ولا يسمع فقد ابتلعته الدروب والمصاعب أو ذهبت به الذاهبات والمذهبيات إلى البلد المَجْهَل حيث لا رؤية ولا رجعة ولا سمع ولا.. ولا..؟! ألا يا من يتكلمون باسم سورية وشعبها بحق أو من دون حيق، بشرعية أو بازدراء لكل شرعية.. ألا تذكروا أن هناك شعباً سورياً يموت من أبنائه من يموت، ويعرى ويجوع، ويتلطى في الزوايا بين جريح ومعوق وفاقد الرغبة والأمل، يرفع صوته بوجه الجنون والسلاح والعنف والإرهاب فلا يسمع له صوت ولا تُهاب له سطوة، ولا يُرفع عنه سيف الظلم والقتل، ولم يعد يأمن في أرضه ولا يشبع من تعبه، وقد تشرد منه في أصقاع الأرض من تشرد، حيث يُهان هناك ويلحق به ما لم يتصوره فرد سوري أبداً في يوم من الأيام من ذل وإهانة، وحيث يستهان بحياته وشرفه وعرضه ممن لا شرف ولا مروء لهم..!! ألا قولوا بحق الله إن كنتم تؤمنون بالله، وبحق الشيطان إن كنتم من أتباعه.. إلا قولوا: إذا لم تحقنوا دم شعبكم، وتحفظوا كرامته، وتعيدوا إليه أمنه وداره وتعيدوه إلى ما استطاب من عيشه في مستقره وما يحق له من قراره.. فمن تكونون بحق الله أو بحق الشيطان غير بُغاة عليه وسفاحين له ومتاجرين بدمه وراحته وخيراته.. يجمعكم مع أعدائه في نهاية المطاف، شئتم أم أبيتم، فعل وسلوك وحصاد جهل بغيض وبغض قائم تسمونه " حُباً"؟!.. أه.. ومن الحب ما قتل؟! وعلام تتقاتلون وترفعون الصوت هنا وهناك إذا لم يكن الشعب غياية وكلامه بداية ونهاية؟! الأحرى بكم، مما بان واستتب حتى الآن، أن تسكتوا وتدفنوا ما ظهر منكم وما بطن في وحل المأساة التي خلقتموها لهذا الشعب الكريم وهذا الوطن الأبي سورية.؟! ألا قولوا لكي نسمع ونعي: من تحكمون وبمن تتحكّمون غداً، بغياب شعب أو تغييبه وبذله أو إذلاله، وأنتم لا دوافع عميقة لكم سوى أن تتسلطوا أو أن تنفذوا إرادة من يتسلط على السوريين، بما يمثلونه عبر تاريخهم العربي المجيد وخياراتهم الوطنية والقومية والإنسانية، ويريد أن يبقيهم شعباً بلا أرض ولا سماء، بلا زرع ولا ماء، بلا فراش ولا غطاء، بلا قوة تحمي وقدرة تبني.؟! وقولوا بالله عليكم: على أي مذهب إسلامي، أو أي دين إلهي، أو أي انتماء عرقي ستكونون غداً يوم لا يكون الشعب " لا قدر الله " إلا جثة بين أيديكم وأيدي من تحالفون، أو متمرداً عليكم وعليهم وعلى المذاهب والأديان والقوميات والأعراق بسببكم وكرهاً فيكم، لما ألحقتموه به من دمار وعار؟! ألا إنكم ستحكمون سيقان الذرو المقطوفة الأكواز، أو حقداً ورصاصاً ينهال عليكم.. ولن يبقى لكم ممن تطمعون في ابتزازهم والتسيّد عليهم إلا أعاود الفزَّاعات التي تتحرك فتخيف الطير بسبب رفيف خرقة عليها إن هي بقيت، ثم يعود الطير بلا قعود حيث لا حب ولا ماء ولا زرع ولا نماء، وحيث تبقون مع الرايات " الفزاعات" أو مع " خيال المآتة" كما يسميه أخوتنا المصريون.. بوصفكم نواطير لما لا يُنْطَر؟!

 ألا أفيقوا وابصروا وتبصروا، وأبقوا لهذا الشعب السوري بعض وطنه وقيمه وبعض مقومات عيشه ووجوده بين الشعوب، واتقوا منه غضبة الكريم إذا غضب إذا لم تتقوا الله فيه.. والله فعال لما يريد.

دمشق في 25:14/2014

علي عقلة عرسان