خبر ذهب الى غزة.. يديعوت احرونوت

الساعة 09:33 ص|25 ابريل 2014

ذهب الى غزة بقلم: ناحومبرنياع

 

          (المضمون: كان نتنياهو أكثر مرونة من أبو مازن في جولة المفاوضات الاخيرة وأظهر سخاءً لأنه آمن بأنه لا احتمال لاتفاق مع الفلسطينيين، أما أبو مازن الذي لم يؤمن باحتمال اتفاق فقد سد مسامعه ولم يُبدِ أي تحول عن موقفه - المصدر).

           إنتهى الامر مثل خيط غير معقود أو مثل شعيرية علقت في الحنجرة أو مثل إبعاد في برنامج يحاكي الواقع. ستنتهي في يوم الاثنين الاشهر التسعة التي حددها جون كيري لرسالته السلمية في الشرق الاوسط. ويريد الكليشيه أن يقول إنها كانت تسعة اشهر نشوة حواس لكن لا حاسة انتشت في هذه الفترة ولو يوما واحدا لا في القدس ولا في رام الله. إن حفل الختام أقيم أول أمس يوم الاربعاء في غزة على الخصوص من جميع الاماكن. واحتاروا في اسرائيل هل يُمكنون اعضاء وفد المصالحة الذي أرسله أبو مازن من أن يمروا من الضفة الى القطاع. فما زالت المفاتيح الى غزة في أيدينا وكذلك المفاتيح الى الضفة ايضا. وقالوا آخر الامر فليكن، ليدخلوا وليتصالحوا وليستكينوا فان هذا جيد لدعايتنا في امريكا.

           إنتهت حملة كيري السلمية الى فشل ولا جدل في ذلك. لكن كل طرف يفسر الحفل الختامي في غزة تفسيرا مختلفا. فأبو مازن يراه اجراءً تكتيكيا، ومحطة واحدة من محطات كثيرة في الطريق الى الهدف؛ وهو لا يرى تناقضا بين محادثة حماس ومحادثة اسرائيل. بالعكس إنه يرى أن محادثة حماس تعززه في مواجهة اوباما ونتنياهو.

           ويراها اليمين في اسرائيل اجراءً استراتيجيا، فالمطلوب الى أبو مازن أن يبت أمره بين مفاوضة اسرائيل ومفاوضة حماس فاختار حماس. وهذا الاختيار يجعله مرفوضا نهائيا أن يكون شريكا؛ وقد أعفى حكومة اسرائيل من ضرورة الجلوس معه، وأعفاها من خطر التنازلات. وصاغ نتنياهو رده على نحو مشابه لكنه حرص على إبقاء شق لتجديد المفاوضات. وإن ربحه المباشر يرجع كله الى الميدان السياسي الداخلي، فقد اتحد الائتلاف الحكومي كله من لفني ولبيد الى بينيت في لحظة خلفه – أما اليمين فبتنفس الصعداء وصيحة الابتهاج: قلنا لكم، وأما لفني فبخيبة رجاء مُرة وبغضب. قال اليمين إن أبو مازن ارهابي؛ وقال الوسط إنه جبان وفرّار. وقد كان التوقع في حكومة اسرائيل أن يسلك الامريكيون سلوك كلينتون في سنة 2000 بعد فشل كامب ديفيد حينما ألقوا ثقل التهمة كله على أبو مازن وأن يقلبوا صفحة. 

          لم يحدث ذلك الى الآن فقد عزى الامريكيون أنفسهم بتجربة الماضي: فقد وقع أبو مازن ثلاث مرات على اتفاقات مصالحة مع حماس – في 2007 في مكة، وفي 2011 في القاهرة وفي 2012 في الدوحة – ثم رفضها جميعا. وهو عنده نوع عادة أن يجري الى حماس في كل مرة يحتاج فيها الى بت قرار في التفاوض وأن يعود بعد ذلك. حُددت خمسة اسابيع للمحادثات بين فتح وحماس ويجب أن ننتظر لنرى كيف تنتهي. نشرت متحدثة وزارة الخارجية الامريكية في مساء يوم الاربعاء اعلان تنديد لمراسم المصالحة في غزة. وتجهمت وجوههم في القدس فقد توقعوا شيئا أكثر اثارة وشيئا نهائيا.

           من الصحيح الى يوم الاربعاء أنه لم يُتخذ قرار على طي فريق السلام الامريكي أو الاستمرار على الابقاء عليه على نار هادئة، في واشنطن وفي القدس، ولا يحزم أحد أمتعته الى الآن، كان يفترض أن يقيم كيري عشاءً احتفاليا لمجموعة من رجال الاعمال الاسرائيليين والفلسطينيين اجتمعوا كي يدفعوا الاتفاق الى الأمام. وتمت مكالمات هاتفية بسرعة أول أمس بين رجال المجموعة والمكاتب في البلاد. هل هناك داع الى العشاء أم يحسن التخلي عنه؟ وكان الفرض أنه لا داعي لكن التخلي عنه أصبح متأخرا.

           خطب يئير لبيد في مساء يوم الاربعاء خطبة مصوغة صياغة جيدة علم الفلسطينيين فيها ما هو الخير لهم. هل يريدون دولة حقا؟ قال لبيد مُشككا. وقد كان هذا التشكيك في محله بيقين على خلفية أحداث الاسبوع الاخير.

           لو أنه عمق البحث لتبين له أن الشعبين غربي الاردن توأمان سياميان ينموان معا واحدا الى داخل الآخر. فاستصعاب انفصال الفلسطينيين هو استصعابنا. والطرفان يشد بعضهما على عنق الآخر الى درجة الاختناق، في نفور أخذ يقوى لكنهما يخشيان ترك ذلك.

           إن فرقا عميقا يفصل بين موقفي حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية. ويصفه أحد المشاركين في التفاوض بعبارات جيولوجية فيقول: حتى في اللحظات الطيبة حينما كان يبدو أن موقفي الطرفين يقترب بعضهما من بعض، بقيت الهاوية عميقة كما كانت. وقد زاد فقط عدم الثقة بين الرئيسين الذي أثقل على المحادثات منذ اليوم الاول، في خلالها. وقد اقتنع أبو مازن بأن كل اجراء من نتنياهو حتى لو كان اجراء مصالحة لا يرمي إلا الى إفشاله وإذلاله وجعله قزما في نظر شعبه. يوجد ألف طريقة لبناء ثقة عند شريك، من تفضلات صغيرة انسانية الى أحلاف سرية تشمل العالم كله. ولم يبذل نتنياهو جهدا فيها إما لأنه لم يشأ وإما لأنه محصور جدا في مخاوفه الذاتية.

           والحقيقة أنه يوجد غير قليل من التشابه بين الاثنين فكلاهما يُصر على الرقص في جميع الأعراس – وعلى المفاوضة دون اعطاء، وعلى الوفاء بمطالب اليمين المتطرف، وكل واحد ويمينه المتطرف – دون أن يخسر تأييد العالم، والتمدح برؤياه، مع التمسك بالوضع الراهن. وقد يفاجيء هذا منتقدي نتنياهو من اليسار، لكن نتنياهو أظهر في الجولة الحالية قدرا أكبر من المرونة والجرأة مما أظهر أبو مازن. ويمكن أن نقول إن نتنياهو لم يؤمن بأنه يوجد احتمال لاتفاق ولهذا أباح لنفسه أن يظهر السخاء؛ أما أبو مازن فلم يؤمن بوجود احتمال لاتفاق ولهذا سد مسامعه.

 

        الشخص الذي لا يوقع

           كان أبو مازن المؤيد الأكبر في الجانب الفلسطيني لحل الصراع سلميا. وقد حارب بشجاعة استعمال الارهاب وسيلة في النضال الفلسطيني. وقد جعله موقفه يقف في مواجهة عرفات وتراثه وفي مواجهة المنظمات الارهابية وفي مواجهة عدد من رفاقه، وفي مواجهة الشارع الفلسطيني، وليست هذه أمورا يستهان بها.

           لكنه يخشى التوقيع، فعنده رهاب التوقيع زمن التوقيع. فبعد أن توصل هو ويوسي بيلين في 1995 الى سلسلة تفاهمات حظيت باسم وثيقة بيلين – أبو مازن، امتنع عن التوقيع وأنكر مجرد وجود الوثيقة. وتهرب من التوقيع بالأحرف الاولى بدءً للتفاوض على الاقتراح الذي قدمه اليه اهود اولمرت قبيل انتهاء مدة ولايته وامتنع عن الاجابة عن الاسئلة التي عرضها عليه الرئيس اوباما حينما التقيا في واشنطن في الشهر الماضي. كان اللقاء فظيعا – بل كان أفظع من اللقاء بين نتنياهو واوباما قبل ذلك باسبوعين. وقد انقضت مستشارة الامن القومي سوزان رايس خلاله على صائب عريقات الذي حاول أن يُسوغ بلغة انجليزية فصيحة، تهرب المسؤول عنه. "لا أوقع قبل أن أرى سجنائي يُحررون"، قال عباس ومضى. واستنتج أحد الاسرائيليين الاستنتاج فقال: "إنه مهتم بالسجناء لا بالدولة".

           كانت اسرائيل والامريكيون يوشكون أن يتفقوا في مطلع نيسان على صفقة رزمة توافق حكومة اسرائيل في اطارها على الدفعة الرابعة من الافراج عن السجناء وفيهم عرب اسرائيليون، ويفرج الامريكيون عوض ذلك عن جونثانبولارد. وأُدخل الفلسطينيون في الصورة، وحينها وثب أبو مازن فجأة مع قرار من طرف واحد على ضم السلطة الفلسطينية الى منظمات الامم المتحدة الـ 15. ولو أنه كان ضاءل اظهار هذا الاجراء فلربما مر لأن الامريكيين تحدثوا الى عريقات، وتحدثت لفني ايضا اليه، وبينوا له الصعوبة – لكن عباس أصر على أن يدعو المصورين.

           إن لكل رفض ولكل حيلة خلفية تخصها، لكنها معا تنشيء صورة مقلقة. قد لا يكون أبو مازن قادرا على أن يلتزم بأي اتفاق، فمنذ أن وقع في 1993 على اتفاق اوسلو مع شمعون بيرس، على اعشاب البيت الابيض، جف الحبر في قلمه وتجمدت يده وربما لا يريد ذلك. فثمة ساسة يكونون مستعدين لاجراء تفاوض لكنهم يهربون فرارا بأنفسهم قبل التوقيع بلحظة، كذاك العريس الذي أراد في ليلة عرسه أن يجرد العروس من ثيابها وبعد أن رآها عارية قال: "أنفها لا يعجبني".

           أكد أبو مازن خلال محادثاته كلها مع الامريكيين أنه لا يُصدق نتنياهو. وردت تسيبي لفني هذه الدعوى بكلتا يديها وقالت: هل يغير شيئا من الامر أن تُصدقوا شخصا ما أو لا تصدقوه. إن السؤال هو ماذا يُعرض عليكم في التفاوض، وماذا ترون.

 

          لكن أبو مازن لم ير شيئا.

          وُجد في الطرف الاسرائيلي في مرحلة ما من اعتقد أن القرارات المطلوبة قد تكون أكبر من أبو مازن، فيحسن أن نعود الى العمل على تسوية مرحلية. ولم تُنقل الفكرة قط الى الفلسطينيين فهم ارتابوا في اسرائيل منذ أول يوم واعتقدوا أنها تسعى الى تسوية مرحلية، فلم يكن داع الى تقوية ارتيابهم.

           ثم تحليل آخر أكثر تسامحا مع عباس، يعود الى الكلام الذي قاله نتنياهو في شباط من هذه السنة. فقد زعم نتنياهو أن عباس مستعد للتسليم باستمرار البناء في المستوطنات. وقد جعل تصريح نتنياهو هذا عباس خائنا في نظر شعبه، فسد مسامعه وفقد منذ تلك اللحظة الاهتمام بتفاصيل التفاوض، فقد تذكر عمره الكبير – 79. وشغله التراث الذي يريد أن يُخلفه، ومكانه في التاريخ القومي الفلسطيني. وعلم أن مكانته الآن قوية جدا ولا منافس له في الجهاز السياسي الفلسطيني وبدأ يفكر في انتخابات.

           وزاد الافراج عن السجناء أهمية عنده وذلك أولا لأنه دفع عن الافراج عن السجناء بموافقته عن الامتناع عن التوجه الى الامم المتحدة، ويجب على اسرائيل أن تدفع الحساب كاملا؛ وثانيا لأن هذا هو ما يُقدره الشارع. واذا أمكن أن يُضم البرغوثي الى المفرج عنهم وكأنه بولارد محلي فسيُضم اليهم.

           في يوم الخميس الماضي تم اللقاء المأمول بين الطرفين. ورعاه مارتن اينديك المبعوث الامريكي، وكان موعد انتهاء بعثة كيري حاضرا.

           قال عريقات إن أبو مازن سيحل السلطة الفلسطينية وتكتفي القيادة الفلسطينية بمؤسسات م.ت.ف. وتفقد اسرائيل درعها الواقي والغطاء الذي يغطي الاحتلال. وتلقى نتنياهو تقريرا فأدرك أن السكين على عنقه. وأنه يجب عليه أن يفعل شيئا، فأجاز للفريق الاسرائيلي أن يلتزم بأن يكون البناء في المناطق "منضبطا"، وأن يُجمد البناء الخاص الجديد، وأن يتم الوفاء بالشرط الثاني الذي يشترطه أبو مازن وهو التباحث في الحدود فورا بشرط أن يُبحث في الموضوعات الجوهرية الاخرى. ويمكن ايضا حل مشكلة السجناء بمصالحة.

           يجب أن نتذكر أن التغيير في الجانب الاسرائيلي لم يمس الجوهر – لا الحدود ولا شرقي القدس، فقد تحدث الاسرائيليون في هذه المواضيع تسعة اشهر مع الامريكيين لا مع الفلسطينيين. واحتفظ نتنياهو لنفسه بالحق في التحفظ من كل ما اقترحه الامريكيون في المواضيع الجوهرية.

           في يوم الثلاثاء تم اللقاء الذي كان يفترض أن ينتهي الى تمهيد طريق واستمر خمس ساعات في جو مصالحة. وقد عرّفه الاطراف جميعا بأنه جيد جدا. وعلم الاسرائيليون أن وفدا يوشك أن يخرج في الغد الى غزة ليلتقي مع قادة حماس ولم يعلموا أن الوفد سيوقع على اتفاق مصالحة في مؤتمر صحفي احتفالي تذيعه وسائل الاعلام.

 

       العرّاب 3

 صعب عليهم في رام الله أن يفهموا سبب الجلبة: فنتنياهو يرقص طول الوقت مع متطرفين؛ وأبو مازن يرقص من آن لآخر مع متطرفينا. ولا تتصل خصومته مع حماس باسرائيل بل ذاك شأن فلسطيني داخلي، ولن تشمل الحكومة التي ستنشأ اذا نشأت ناسا من حماس يرفضون اتفاقات اوسلو وحق اسرائيل في الوجود، بالعكس ستحصل على تفويض أوسع للتوصل الى اتفا.

           ونظروا في القدس الى ذلك نظرة مختلفة فقد فقد نتنياهو مجال حيلته وهو محتاج الى زمبيشيين وأوري اريئيليين للالتفاف على بينيت. وسيجب عليه أن يوافق على عقوبات شديدة للسلطة الفلسطينية التي سترد بعقوبات منها وسيرفع العنف رأسه وربما الارهاب ايضا.

           وسيتجه الفلسطينيون الى النظام الدولي مع فرض عدم تجديد التفاوض. وسيضطر الامريكيون الى عقابهم لكن الاوروبيين سيذوبون رقة. لأن أبو مازن سيُحدثهم لا باسم الضفة وحدها بل باسم فلسطين كلها. وسيسافر في الشارع السريع في الطريق الى الدولة وستتسع المقاطعة مع اسرائيل ويتجدد خطر اعتقال ضباط اسرائيليين في عواصم العالم.

           خرج عباس أقوى بحسب معايير فلسطينية داخلية. ويجب أن يشكر على ذلك لا اسرائيل بل الجيش المصري الذي عزل الرئيس مرسي راعي حماس وأحل السيسي العدو محله. إن حماس في ازمة وقد أصبحت أكثر مرونة مما كانت من قبل.

           يجب تقوية أبو مازن، يقول زعماء اوروبيون في لقاءاتهم المتكررة مع وزراء اسرائيليين. وقال أحد الاسرائيليين: يشبه ذلك سلسلة أفلام امريكية: العراب 1، والعراب 2 والعراب 3 الآن. قف، قال له دبلوماسي اجنبي. يوجد أمل. فقد كان العراب 3 الفيلم الأنجح.