خبر وفد الرئيس للمصالحة والأمل المنشود.. ما زال الوطن يسكن فينا .. أحمد يوسف

الساعة 01:52 م|20 ابريل 2014

 

غزة تترقب بمشاعر مختلطة وصول وفد المصالحة الفلسطينية القادم من الضفة الغربية، والموكل من الرئيس أبو مازن بالجلوس مع الإخوة في حركة حماس، لفتح ملفات سبق أن تمَّ التوافق عليها في القاهرة والدوحة، والنظر في كيفية تطبيقها للمضي قدماً في اتجاه تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام.

وبالرغم من الكلمات الطيبة ونبرة التفاؤل التي تطلقها جهات طرفي الأزمة؛ فتح وحماس، إلا أن الشارع الفلسطيني بنخبه الفكرية والحركية لا يبدو أنه يحمل نفس القدر من الحماسة والأمل، وهو أقرب إلى وضعية الحائر المضطرب؛ والتي تحدث عنها الأديب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي في روايته الساخرة "الوقائع الغريبة في حياة سعيد أبي النحس المتشائل".. فالفلسطيني اليوم هو أشبه بحالة "المتشائل" الذي تتخبط أعصابه في دائرة انعدام الوزن بين خطين متعارضين من التفاؤل والتشاؤم، ليعيش حالة سريالية لا تمنحه الأمن والاستقرار والتعلق - بقوة - بأوهام الفرج القريب.

أكثر من شخصٍ التقيته في جلسات مفتوحة أو على هامش أنشطة فكرية خلال الأيام الماضية، وقد بادرني السؤال حول توقعاتي من وراء هذه الزيارة لوفد المصالحة، وهل الفرصة صارت مواتية لطي صفحة الماضي، والعمل باستراتيجية جديدة يجتمع حولها الجميع، لتعزيز قدرات مشروعنا الوطني في التحرير والعودة، أم أن الأمر لن يعدو أكثر من تكرار لجولات مكوكية سابقة.؟ ويتساءل بأملٍ وحسرة: هل مناخات السياسة المتقلبة الآن، وضغوطات الواقع المأزوم في رام الله وغزة، وانحسار التأييد والتفاعل الدوليين للقضية الفلسطينية، هي أسباب كافية لإجبار الطرفين للاعتراف بأخطائهما، والنزول عن الشجرة، وتقديم كل جهة منهما طوق نجاة للآخر، وتشكيل رافعة إنقاذ له.؟

وهل حماس اليوم لديها الجاهزية والاستعداد للتخلي عن الحكومة في غزة، والذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية تجدد فيها شرعيتها كحركة تحرر وطني برؤية إسلامية، وتأكيد إثبات حضورها السياسي والجماهيري، باعتبار ما تمثله من كونها حركة إسلامية وطنية تحمل مشروعاً ريادياً في مقاومة الاحتلال، أم أن "كرسي الحكم" له جاذبيته وسحره، وأن الحركة ستظل تدفع بالشروط والأعذار التي تجعل من المصالحة مجرد سراب يتراءى، وحلماً من الماضي، ووهماً يعتاش عليه من لا يدركون ما يعنيه واقع أن تكون على رأس الأمر وفي سدَّة الحكم.؟!!

أسئلة لا تنتهي من هل وماذا ومتى وإلى أين، مصحوبة بحالة من القلق والخوف والتوتر مما ينتظرنا جميعاً من مستقبل مجهول.. قلت لكل من سألني: إن المشكلة بكل تعقيداتها مسئول عنها الطرفان، وكل طرف – للأسف - يحاول التذاكي على الآخر وتحميله مسئولية التراجع والفشل.!! إن الذي يتوجب أن يتفهمه الناس جميعاً أنه لا عذر لأي طرف منهما، وأن التاريخ لن يرحم أحداً منهما مهما كانت ذرائعه وأسبابه، لأن قصير النظر لا حجة لتبريراته وكثرة عثراته، إذ بإمكانه أن يستعين بمن يأخذ بيده ويجنبه مهاوي الردى، حيث إن جميع هؤلاء السياسيين لا تغيب عنهم حسابات ما هو قائم، فالوطن تتباعد حدوده وتنتقص أطرافه يوماً بعد يوم، ونحن بما هو متواجد من تيارات دينية وتجمعات حركية وأحزاب سياسية أشبه بالعاجز الذي يمشي مكباً على وجهه، فلا بصر ولا بصيرة، ولكن حناجر تضخ بعنترياتها وعداً ووعيد، والشعب – وا أسفاه - مطحون مطحون مطحون.

قد لا يكفي أن نعاتب أنفسنا لعدم إدراكنا لحجم المخاطر التي تعترض مستقبل مشروعنا الوطني، حيث إن كل المؤشرات تحمل دلالات سلبية تشي بعقابيل ما هو آت، إذ أن غطرسة المستوطنين والحكومات اليمينية المتطرفة في إسرائيل سوف تعمل على وأد الحلم الفلسطيني، وانتزاعنا من جذورنا، إذا ما استمر واقع الانقسام قائماً، وحالة الاستقطاب والاصطفاف الحزبي هي المحرك لفعلنا النضالي.. لقد تعلمنا في السياسية أن هناك أربعة ركائز لنجاح أي حركة تحرر وطني، وهي كالتالي:

1- الكفاح المسلح (Military Struggle)

2- التعبئة الجماهيرية (Mass Mobilization)

3- التضامن الدولي (International Solidarity)

4- الخطاب السياسي (Political Discourse)

إن أية اختلالات تقع في أركان هذه المعادلة النضالية سوف تؤثر سلباً على مشروعنا الوطني في التحرير والعودة.. من هنا، يتوجب علينا الوعي بأن كل ما سبق ذكره من تلك الأركان قد أدركه العطب، ولحق به الخلل، وإذا لم نستدرك اليوم - وقبل فوات الأوان - فلن ينفع ولات حين مندم.

قطاع غزة: الفقر والبطالة وقسوة الحصار

إن الذي يشاهد أحوال الناس، ويتفرس في وجوههم وما يعتريها من حزن وألم، يدرك أن الانفجار قادم لا محالة، وأن الذي يقترب من مرجل أحلام الشباب وطموحاتهم سيجد حراكاً يتفلت من عقاله شهراً بعد شهر، وسيسمع أصوات الغليان الهادرة، وسيدرك معنى أن ليل الطموح والأمل قد أرخى سدوله، وأن أحلامه أصبحت هشيماً تذروه الرياح، وأن ليس هناك ما يخسره حيث تستوي عنده معاني الحياة بالموت، بل ربما يرى البعض من هؤلاء الشباب أن الموت أعز وأكرم من كل أشكال المذلة التي تحاصره وتجرح هيبته.

لقد أفزعتني التقارير الصادرة - مؤخراً - عن المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزة، والتصريحات التي أشارت إلى واقعنا البئيس وغدنا التعيس، والتي جاءت على لسان بعض المسئولين في تلك المنظمات والهيئات.. لقد ذكر السيد كريستيان كاردون؛ مدير البعثة الفرعية للجنة الدولية للصليب الأحمر (IRCC) في قطاع غزة، أن معدل البطالة في القطاع ظل ضمن أعلى المعدلات على مستوى العالم في عام 2013م، بينما ارتفع بأكثر من 10% خلال النصف الثاني من نفس العام، وذلك بعد فقدان حوالي ستين ألف شخص لوظائفهم.

ووصف السيد كاردون الأوضاع الإنسانية والخدماتية في قطاع غزة بأنها تحت ضغط شديد، داعياً إلى التوصل لحلول مستدامة تمس حياة أهل القطاع.. وقال إن الخدمات الأساسية في القطاع يتهددها خطر الانهيار الوشيك، وأن حالة الإفقار تراكمية، معتبراً أن الوضع المحلى والإقليمي الحالي ساعد في التعجيل بحدوث هذه الظواهر.. وأضاف: "إن البطالة والفقر والنقص المتكرر في الوقود وعدم توفر المواد والمعدات تُعدُّ من معالم الحياة اليومية لسكان قطاع غزة، وينجم عن ذلك آثار سلبية على الصحة والبنية الأساسية للمياه والمرافق الصحية والكهرباء. كما أن هناك - أيضاً - نقصاً في المواد الطبية، وعدم القدرة – أحياناً - على توفير الإمكانيات لشرائها، في حين يوجد عجز شديد في إمدادات مواد البناء الأساسية اللازمة للصناعات المحلية"، وأشار إلى أنه "في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار السلع الأساسية بصورة كبيرة، فقد تضاعف سعر الوقود خلال النصف الثاني من عام 2013م، ويستطيع اقتصاد غزة بالكاد - الآن - تلبية نحو 15% من الطلب على وقود الديزل، و40% من الطلب على البنزين، كما أن مواد البناء المتوفرة حالياً لا تلبى أكثر من 10% من المتطلبات اليومية في غزة، وأن تدهور قطاع البناء سيؤدي للمزيد من البطالة.

وأشار إلى أن القيود المفروضة على القطاع وضعت المزيد من الأعباء المتوسطة على النظام الصحي الهش أصلاً، حيث تضاعف العجز في العديد من المواد الطبية والأدوية، ووصلت نسبته إلى 35% منذ منتصف عام 2013م.

ومن الجدير ذكره، أن استمرار الحصار الإسرائيلي منذ أكثر من سبع سنوات، وحملة إغلاق الأنفاق؛ شريان الحياة التجاري لقطاع غزة، والتي قامت بها مصر قبل عشرة أشهر، قد تسببت في خلق أزمات خانقة في القطاع، حيث تبخر النمو الاقتصادي في القطاع، وقفزت معدلات البطالة إلى نحو 40% مع نهاية العام 2013م، وذلك بحسب تقرير أوردته وكالة (رويترز) للأنباء الأسبوع الماضي. وقد أشار السيد سكوت آندرسون؛ نائب مدير العمليات في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، إلى أن مستوى الاعتماد على المساعدات في قطاع غزة ليس له مثيل يذكر في العالم، حيث يبدو القطاع وكأنه في حالة انحدار متواصل في وهدة الفقر وتدهور الاقتصاد. وأضاف السيد آندرسون، قائلاً: من حيث الصدمة الاقتصادية للسكان، ربما كانت سيراليون هي المكان الوحيد الذي يمر فيه الناس بما يمر به سكان قطاع غزة على أساس يومي.. ومن الحقائق المعروفة عن واقع الحياة في قطاع غزة، أن أكثر من نصف سكان القطاع يحصل على الغذاء من الأمم المتحدة، كما أن الأعداد هي في ازدياد مستمر..

هذا وقد أشارت تقارير وكالة (الأونروا)، التي تتولى تزويد اللاجئين الفلسطينيين بالغذاء والمسكن، إنها - الآن - تتولى تغذية نحو 820 ألفاً؛ أي بزيادة 40 ألفاً عن العام الماضي، فيما يقدم برنامج الغذاء العالمي (WFP) مساعدات غذائية - أيضاً - لنحو 180 ألفاً آخرين من سكان القطاع. هذا وقد حذر الأخ علاء البطة؛ مسئول لجنة كسر الحصار بوزارة الخارجية، أن الوضع الصحي في القطاع ينذر بالخطر الشديد؛ لأن نسبة العجز في الأدوية والمستهلكات الطبية وصلت نحو 50% ... أما المفوض العام الجديد لوكالة (الأونروا) بيير كرينبول، فقد قال: إن كافة تقارير الامم المتحدة الانسانية أو مؤسسات حقوق الإنسان أو الإعلام لا تستطيع أن تعبر بدقة عن حجم المعاناة التي يحياها اللاجئون الفلسطينيون في قطاع غزة، والإحساس بالاستبعاد والعزل المتواصل.. وأوضح أن غزة تتعرض لعقاب جماعي، وطالب قادة العالم والأمم المتحدة بإنهاء هذا الحصار غير الشرعي.

إذا كانت هذه هي أحوال قطاع غزة، وأهلها بهذا الحالة من المسغبة والبؤس والشقاء، فعلى ماذا يراهن بعض من يريدون للوضع الراهن أن يستمر؟!! وهل قدرة الناس على التحمل والصبر يمكن الركون إليها والاطمئنان لها طويلاً، خاصة وهم يرون – سنة بعد أخرى – أن نسبة من هم تحت خط الفقر (Poverty Line) هي في ارتفاع مستمر؟!!

سؤال برسم الانفجار: الشارع الفلسطيني ومقولة "لقاء الفرصة الأخيرة"

إن هناك خمسة عوامل تجعلنا بحاجة لسرعة التحرك، وتقديم كل ما يُعجّل بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وهي كالتالي:

أولاً) مخاطر سياسية ومخاوف أمنية، حيث إن هناك من بدأ يتحدث عن فشل أو موت "حل الدولتين"، وهذا الطرح له من يروج له عن قناعة، مثل: السيد هنري سيجمان؛ رئيس مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وكذلك السيد إيان لاستيك، بروفيسور العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، والذي تحدث عن وهم شعار حل الدولتين ( (Two-State Illusion، قائلاً: لم تعد الدبلوماسية تحت هذا الشعار طريقاً للحل، حيث إن شعار حل الدولتين - الآن - هو بمثابة عصبة عين مريحة من كل الأوهام المتضاربة.. إن الترجمة الإسرائيلية لرؤية "حل الدولتين" هي أنَّ اللاجئين الفلسطينيين يتخلون عن "حق العودة" المقدس، والسيطرة الإسرائيلية على القدس، وتكتل هائل من المستوطنات الإسرائيلية يتخللها شوارع لا يسمح إلا للإسرائيليين بدخولها.!! أمَّا الترجمة الفلسطينية لتلك الرؤية، فهي تتصور حق العودة للاجئين، وإجلاء كافة المستوطنات، والقدس الشرقية كعاصمة فلسطين. وهذا – من وجهة نظر لاستيك – في النهاية هو الوهم بعينه.

قبل سنة تقريباً، كان لي لقاء مع أحد السفراء الأوروبيين، وكان النقاش حول فشل اتفاق أوسلو - بعد عشرين سنة من توقيعه في واشنطن في سبتمبر 1993م - من تحقيق ما جرى التفاهم حوله؛ وهو مشروع "حل الدولتين"، فقال بطريقة لا تخلو من الدعابة: "من قال لك أن ذلك لم يتحقق.؟ نحن اليوم دولتان؛ واحدة في الضفة الغربية تديرها السلطة في رام الله، والثانية في غزة تحت سيطرة حكومة حماس.!!

للأسف هذا هو واقع الحال، حيث تخطط إسرائيل لتكريس واقع الدولة في قطاع غزة، والعمل على التهام الضفة الغربية قطعة قطعة، وتهويد القدس والمقدسات وإضفاء الصبغة اليهودية على كل أحيائها القديمة، وطمس معالم تراثنا الإسلامي والمسيحي الممتد على كافة أرجائها، وكل هذا يتم بتغطية توفرها إسرائيل بما تمارسه - بمكر وخداع - من "لعبة التفاوض"، والتي ولجناها بدون رؤية واضحة أو تفاهمات متفق عليها حول الأهداف والآليات والاستراتيجية التفاوضية، فقط اندفعنا تحت ضغط الحاجة للدعم المالي، وتطلعاً لمظلة الحماية التي قد تؤمنها الدول الغربية للسلطة في رام الله من سطوة الاحتلال الإسرائيلي وغلاة المستوطنين، وذلك عبر الانصياع لرغبات الراعي الأمريكي، الذي لم يكن يوماً وسيطاً نزيهاً يمكن الاعتماد عليه أو الاحتكام إليه.

إن هناك من بين الإسرائيليين من يعمل على وأد مشروع "دولتين لشعبين"، وجعله من سابع المستحيلات، ويراهن على عامل الزمن وسياسة التوسع الاستيطاني، وما تفرضه من حقائق على الأرض في الضفة الغربية سنة بعد أخرى. كما أن هناك من ينادي بتبني مشروع يعتمد على إنشاء ثلاث كيانات سياسية ( The Three - State Solution)؛ دولة إسرائيل ودولة في الضفة الغربية ودولة قطاع غزة.!!

وقد شاهدنا أن هذه الفكرة بدأت تطرحها شخصيات سياسية وأكاديمية إسرائيلية، يُبيّن تل أبيب، مثل "غيورا آيلاند"؛ أحد المفاوضين الإسرائيليين المقربين من صنَّاع القرار في بحث عنوانه (خيارات إقليمية لفكرة دولتين للشعبين) في مذكرة صادرة عن مركز بيغن – السادات للأبحاث الاستراتيجية، حيث أشار إلى أن "حل دولتين للشعبين - الذي كثر الحديث عنه - غير قابل للتحقيق في الواقعين الإسرائيلي والفلسطيني".

ويحاول آيلاند أن "يعرض حلولا اخرى إقليمية تشارك فيها مصر والاردن، وترمي الى ربط الضفة الغربية - في نهاية الأمر - بالأردن وربط غزة بمصر"، ويرى أن هذا الحل أوفق وأصلح من حل الدولتين.

ويعرض حلين إقليميين بديلين، أولاهما؛ تتخلى إسرائيل فيهما عن غزة وعن أكثر الضفة الغربية، وهو تخلٍّ يُعبر عن المطلب الدولي، ويحظى بتأييد الأكثرية في اسرائيل أيضاً. وثانيهما؛ ليست المسؤولية فيهما عن احراز الحل هي مسؤولية إسرائيل والفلسطينيين فقط، لأنه يُطلب الى دولة أو دول اخرى أن تكون مشاركة على نحو نشيط. فهذا هو منطق التصور الاقليمي".

وتابع أن تلك "الخطتين، التي تتحدث إحداهما عن اتحاد فيديرالي أردني - فلسطيني، والأخرى التي تتناول الحل بتبادل الاراضي لا يناقض بعضهما بعضاً. فهما تُعرضان كل واحدة على حدة؛ لأن لكل واحدة منهما مخططاً مختلفاً، لكن طريقتي التفكير هاتين يمكن أن تأتلفا في حل واحد يشتمل على مزاياهما كلتيهما".

ويقترح آيلاند "سيناريو الحل الأول؛ وهو انشاء مملكة أردنية فيديرالية لها ثلاث دول: الضفة الشرقية والضفة الغربية وغزة. ستكون هذه الدول ولايات بالمعنى الاميركي، مثل بنسلفانيا أو نيوجرسي. ويكون لها استقلال كامل في الشؤون الداخلية".

وهناك أيضاً د. أوري زولتس؛ الأستاذ بجامعة جورج تاون الأمريكية بالعاصمة واشنطن، والذي قدَّم مقترحاً يشير فيه إلى أن حل الدولتين غير عملي وتواجهه مشكلات لوجستية وأمنية صعبة، وأن الأفضل هو تبني خيار "الدول الثلاث؛ أي إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، كما حدث في السابق عندما انفصلت عدة مقاطعات هندية وشكلت دولة الباكستان؛ الشرقية والغربية، ثم انتهت بعد مواجهات مسلحة إلى دولتين، لينتهي الصراع داخل شبه القارة الهندية بقيام دول ثلاث، وهي الهند وباكستان وبنجلاديش، وتستقر أمور المنطقة بعد ذلك سياسياً وأمنياً.

ويرى زولتس أن دولة غزة يمكن مع الزمن خنقها وحصارها، وإخراجها من تحت سيطرة حماس، وإيجاد حالة سياسية قادرة على التعايش مع جيرانها.!!

ثانياً) تأبيد الانقسام، وتشجيع إسرائيل والمجتمع الدولي للبحث عن حلول للقضية خارج أرض فلسطين التاريخية، وهذه بالنسبة للإسرائيليين المتطرفين هي فقط مسألة وقت، وهم ماضون في مخططاتهم في ابتلاع الأرض الفلسطينية وتهويد مقدساتها الإسلامية والمسيحية.

ثالثاً) استمرار الحصار الظالم على قطاع غزة وخنق ساكنيه اقتصادياً، كما أشرنا سابقاً، لكسر إرادة المقاومة، والتسليم بالقابلية الاستعمارية (Colonialismablity) تحت كنف الاحتلال.

رابعاً) الرهان على سياسة "الضغط يولد الانفجار"، والدفع باتجاه نداءات "الشعب يريد تغيير النظام"، وتحويل قطاع غزة إلى كيانية هزيلة تعتاش على فتات المحتلين.

خامساً) تردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية، وذلك في ظل غياب الموارد الطبيعية، والاعتماد شبه الكلي على ما تقدمه المنظمات الدولية من مساعدات، والتي قد يأتي الوقت الذي تنقطع فيه، إضافة لغياب أي إطلالة أمل قريب للجيل الذي أنهكته سنوات الاستنكاف والبطالة، وأحالت الكثيرين منهم للشعور بأن حياته لا تساوي شيء، وهي أقرب إلى "سقط المتاع" والعياذ بالله.

وبشر الصابرين..!!

إن هناك من كان يبشرنا ليل نهار بأن الحصار على وشك أن ينكسر، وأننا نعيش في الربع ساعة الأخيرة منه، ويطالبنا بالصبر والمصابرة، وقد أثبتنا جدارتنا - فعلاً - في التحمل والصمود، وأظهرنا من المواقف البطولية والتضحيات الكثير، وذلك من خلال تصدينا لكافة أشكال الاجتياحات والعدوان الذي تعرضنا له في ديسمبر 2008م وكذلك في نوفمبر 2012م.. ولكن نحن ننتظر أن نرى حراكاً جاداً باتجاه المصالحة وإنهاء الانقسام، إذ ليس من العقل والمنطق أن نستمر على ما نحن فيه من فرقة وتناحر وتنابز بالألقاب، ونحن مدركون لكل أبعاد الخطر الداهم الذي يتهددنا جميعاً كشعب، ونعي بإحساسنا الوطني العميق ما تبيته إسرائيل لتفريغ قضيتنا من مضمونها، وذلك بتغييب حقوقنا ومطالبنا المشروعة في التحرير والعودة، ثم نظل – مع كل ذلك - نواصل مسلسل المناكفات ووضع العراقيل أمام أية تحركات جادة لإنجاز مصالحتنا الوطنية.!! إن الخروج من نفق الاحتلال والحصار والقطيعة مع دول الجوار، يستوجب منا سرعة الذهاب للانتخابات وتجديد ما نسميه بقضية الشرعيات، حيث انتهت - بالفعل - صلاحيات الجميع، بأمل أن نتمكن بعدها من تأسيس شراكة سياسية بتوافق وطني يجتمع عليه شمل العائلة الفلسطينية الواحدة ويلتئم الجرح، ونصبح مؤهلين لاستعادة عمقنا العربي والإسلامي، وكسب مواقف التضامن الغربي، وقادرين بما أعددناه من ممكنات الاستطاعة على مواجهة العدو الإسرائيلي الغاصب، وأيضاً القيام بما تمليه المسئولية الوطنية والأخلاقية والدينية تجاه إخواننا الأسرى في سجون الاحتلال ومعتقلاته، وكذلك أهلنا المشردين في المخيمات الفلسطينية في كل من سوريا ولبنان.

ما هو المطلوب لنجاح المصالحة.؟ وهل المطلوب هو عند فتح أم عند حماس، أم عند كليهما معاً.؟

أعتقد أن كل طرف مطلوب منه أن يقدم أفضل ما عنده، وأن يبذل جهده للاقتراب من الآخر.. نحن بحاجة لتنازلات لبعضنا البعض حتى يتحقق النجاح لتلك المساعي والخطوات.. إن من أبجديات علم التفاوض، وأدبيات عمل لجان الإصلاح، أن نبدأ بالأسهل والذي يمكن أن نراكم عليه المصداقية و"بناء الثقة"، حيث إن هذه المسألة وبمعاير "علم الجرح والتعديل"، تذكرنا بضرورة أن يتحسس كل منا "البطحة التي على رأسه"، ومفيش رأس – للأسف - تخلو من أثرٍ لفأس.

أنا هنا أنصح إخواني في قيادة حركة حماس ألا يتشددوا في مطالبهم بتطبيق اتفاق "الرزمة الواحدة"، حيث أن الأمور بخواتيمها، وأن ليس هناك ما يقلقهم إذا اختلت آليات التطبيق، وتبين أن إخواننا على الشاطئ الآخر لهم حسابات مغايرة.. فلنمض في موضوع الاتفاق على موعد الانتخابات، والتفاهم حول الشخصيات التي ستشكل الحكومة الانتقالية التي سيتولاها الأخ الرئيس أبو مازن، ثم نعمل على تعزيز إجراءات بناء الثقة، وذلك من خلال سدِّ باب الذرائع، الذي كانت تفتحه علينا الأجهزة الأمنية بممارساتها القمعية من كبت للحريات وانتهاك للحقوق والحرمات، وذلك عبر اللجوء إلى سياسات الاعتقال والاستدعاءات.

إننا نطمح من وراء هذا للقاء لوفد المصالحة هو بناء رأس جسر من التفاهمات يصلنا بإخواننا في رام الله، لترتيب خارطة طريق بمواقيت محددة نستكمل فيها مشوارنا في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام. إن التشدد في حوار "الرزمة الواحدة" معناه أننا نحفر خندقاً ولا نبني جسراً، إن علينا التوافق بأن هناك رزمة من الإصلاحات والمواقف والبنود المطلوب من الجميع العمل على إنجازها، والزمن هو جزءٌ من العلاج، لتخطي كل ما يضعه العدو المحتل من عقبات أمام إمكانية التحرك للأمام.

إن على الأخ الرئيس أبو مازن وإخواننا في حركة فتح مراعاة ما يتداوله البعض من مفردات سياسية لا تبعث على الاطمئنان، جميل أن نسمع من إخواننا الفتحاويين أن حماس فصيل وطني من الشعب الفلسطيني، ولكن التشهير والغمز واللمز بالإخوان المسلمين مسألة بالنسبة لنا حساسة وتوجب المراجعة والنظر.

لقد أحببنا مصر تاريخياً بعمقها القومي والإسلامي؛ لقد تعلقنا بالزعيم الخالد جمال عبد الناصر لأنه كان أملنا في تحرير فلسطين وعودة اللاجئين، كما أننا التزمنا بالإخوان المسلمين؛ لأن الإمام حسن البنا اعتبر فلسطين السليبة هي في قلب اهتمامات الحركة، وجيَّش الأمة لأجل قضيتها؛ وكانت ولا تزال في أدبيات الإسلاميين في كل مكان هي قضيتهم المركزية.

إننا نحترم خيارات الآخرين وأيدولوجياتهم، حيث إن مساحة المشترك بيننا وبينهم كبيرة، ويمكننا أن نعمل معاً يداً بيد، بغض النظر عن تلك الاختلافات، التي نراها "لا تفسد للود قضية".

لقد آمنا بالتعددية والشراكة السياسية، ونحن اليوم أكثر قناعة بالتداول السلمي للسلطة، ولدينا الجاهزية لإثبات ذلك، وثقتنا بشعبنا العظيم كبيرة، فنحن لن نحمل المصباح في رائعة النهار لنبحث عن "الإنسان" أو "الحقيقة" كما كان يفعل الفيلسوف اليوناني ديوجين، الذي عاش زمن الإسكندر المقدوني، لأن الإنسان الفلسطيني صاحب أسطورة المجد يمتلك الحقيقة ويعلم أن بوصلته نحو القدس لن تضل طريقها ما توفر الاستقرار ووحدة الصف والكلمة.

أما الطارئين على شعبنا وأصحاب الأجندات الخاصة وطلاب الامتيازات فسوف نتخطاهم، برغم حلكة ما نحن فيه من ظروف اختلت فيها موازين القوى لصالح أعداء قضيتنا.

وللمشككين بأن المصالحة مجرد وهم يتعلق به البسطاء، أقول لهم إننا سنملأ المصابيح زيتاً، ونستعد لكل عادية، لأن كل خياراتنا تبدأ وتنتهي مع المصالحة الوطنية.

ختاماً: من يحمل القنديل.؟

بصراحة، إن ما نفتقده من رجالات فتح وحماس ليس إظهار حُسن النية وصدقية الرغبة؛ لأن الجميع سبق - والحمد لله - أن أكدَّ بأن المصالحة هي "فريضة شرعية، وضرورة وطنية، وحاجة إنسانية واجتماعية ملحة"، ولكن - وهذا هو حجر الزاوية وبيت القصيد – أن الذي نفتقده هو الافتقار لقدرة الفعل، والعجز عن امتلاك الإرادة السياسية، وغياب الثقة في الآخر، إن ما نحتاجه بحق هو القرار؛ لأن الخيارات الأخرى غير إنجاز المصالحة ستأخذنا بعيداً عن الحلم الذي عشنا عمرنا من أجله نعاني وندفع الثمن، إن من نحن بانتظاره هو القائد و"الرجل الرشيد" الذي يُحسن تقليب الأمور والتشاور حولها، ثم يقطع حبل الشك والهواجس بعزيمة التوكل على الله، وقديماً قالوا: "من أكثر النظر في العواقب لم ينل خيراً".

إننا نتطلع - بأمل ورجاء - إلى من يتمتع بالحكمة، ويمتلك البصيرة (Insightfulness) والفطنة السياسية (Political Judgment)، ويعمل بطاقة صاحب الزمان، الذي ستحفظ له صفحات التاريخ سجلاً ناصعاً من المآثر والأمجاد، وخطوات واثقة على طريق النهج والأثر.