تحليل جيش الاحتلال يستعد لما بعد انقشاع الضباب

الساعة 06:40 ص|14 ابريل 2014

أطلس للدراسات

أطلس للدراسات

فيما مضى كانت اسرائيل تتحدث عن أربعة جبهات عسكرية، وكان جيشها يبني تشكيلاته ويجهز استعداداته بناءً عليها، لبنان وسوريا ومصر والأردن، وكانت جبهتي مصر والأردن جبهتي سلام وهدوء عكس نفسه على تشكيلات الجيش الخاصة بهما وميزانيته لها، اليوم ورغم الارتياح الأمني الذي تبثه دراسات أبحاث الأمن القومي عن حال اسرائيل الأمني وحال أعدائها وعن التهديدات التي تواجهها وباتت أقل تهديداً حسب دراساتها، إلا أن الجيش الاسرائيلي بات يتحدث اليوم عن ما لا يقل عن ثماني جبهات، وكل واحدة منها تستلزم استعداداً وتجهيزاً مختلف عن الأخرى.

حيث أضاف إلى جبهاته الكلاسيكية جبهتي غزة والضفة، والجبهة الإيرانية، وجبهة السايبر الالكترونية، وحول جبهة مصر "سيناء" من جبهة سلام إلى جبهة تهديد، وجبهة الأردن إلى جبهة تهديد كامن ومحتمل في ظل ما تشهده الدول العربية، ولأن بعض هذه الجبهات جاء أو تؤثر أو ربما سيتأثر بالتغيرات العميقة التي تشهدها الدول العربية وبالصراع العربي الإسرائيلي، والصراع الإقليمي، وربما الطائفي أيضاً، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنها جميعها لا زالت في مرحلة التشكيل والبناء ومفتوحة على كل احتمال، ومصيرها ومستقبلها وتوجهاتها وارتباطاتها مرتبط ومرهون إلى حد بعيد بالكثير من المتغيرات والتحالفات، وفي مقدمة ذلك ما ستسفر عنه الحرب الطاحنة في سوريا، والمشهد اللبناني، والمشهد المصري، ومفاوضات الملف النووي الإيراني، والمشهد الفلسطيني الداخلي، والفلسطيني الاسرائيلي بشقيه في الضفة وغزة، وبطبيعة الحال المشهد الأردني، هذا بالإضافة إلى أدوار لاعبين عرب وإقليميين ودوليين، علاوة على كيف تنظر إسرائيل إلى مصالحها الأمنية والسياسية في ظل حكومة متطرفة.

فكل جبهة من هذه الجبهات ستكون عرضه للتغير والتأثر بأكثر من متغير، وطالما أن المتغيرات التي تتحكم بها لا زالت في حالة تشكل أو حراك دائم أو حتى مراوحة في المكان، فإن أحداً لا يستطيع أن يتوقع أو يستشرف مستقبل هذه الجبهات أو وتحولاتها، وما قد تشكله من تهديدات، أو العكس جبهات استقرار وبشكل واضح إلى حد معقول قبل أن يستقر الحراك المواتي لها والمتحكم بسيرورتها.

وهذا ما أفصح عنه رئيس أركان الجيش الاسرائيلي بيني غانتس، الذي كان يقوم بجولة تفقدية للجبهات المختلفة من الشمال وحتى الجنوب برفقة كاميرا تلفزيون القناة الثانية، عندما قال أن الجيش الاسرائيلي

يستعد لما بعد انقشاع الضباب، فحسب غانتس فإن الضباب يغطي على كل المشهد ويستحيل معه رؤية وجهته والوقوف على مؤشراته، ويقول أن كل شيء يتغير باستثناء الورود والصخور وبقاء سكان المستوطنات المحاذية للجبهات، ويضيف أنهم في الجيش يتمرنون ويتجهزون لكل سيناريوهات ما بعد انقشاع الضباب، ويحاولون أن يلائموا الجيش للرد على كل سيناريو وتهديد محتمل، وهو ما يجعل التدريبات والمناورات ووضع الخطط المختلفة بمثابة أمر يومي لا بد منه.

تحاول اسرائيل أن تحدد لكل جبهة نوع من معادلة تتحكم بظروف وشروط وضوابط الصراع فيها، يمنح اسرائيل خاصية التفوق والتحكم، فعلى جبهة لبنان لا زالت تلوح بالردع وإعادة سيناريو الحرب المدمرة سنة 2006، وترى في الدولة وحزب الله مسؤوليْن عن كل خرق على جبهة الشمال، أما على جبهة مصر فهي تتمسك بورقة كامب ديفيد وملاحقها الأمنية، وتحاول مع الجيش المصري في جبهة واحدة ضد "الارهابيين" وما يفرضه ذلك من تنسيق ومنظومات تعاون أمني، لكنها في ذات الوقت لا تعتمد على نفسها، فتبني سوراً هو الأطول (240 كم) والأكثر كلفة، وإعادة تشكيل لوائها الجنوبي ليكون قادرا للتعامل مع التهديدات، ووقاحة غانتس وصلت إلى حد أنه لم يستبعد حتى سيناريو المطاردة الساخنة داخل أراضي سيناء، لكنه استدرك أن تعميق وتعزيز منظومة التنسيق يقلل إلى حد أن يبعد مثل هذه الاحتمالية.

أما على جبهة غزة فالمعادلة بسيطة، ردع واحتواء الانفجار، ردع عبر التهديد والاغتيال والعدوان وخرق دائم لشروط تهدئة نوفمبر 2012 واستخدام الحصار كأداة مزدوجة للعقاب والتحفيز واحتواء أي انفجار محدود والسيطرة على مستوى اللهب، طالما لا زالت اسرائيل تتمسك بالتهدئة وترى فيها مصلحة سياسية وأمنية.

ولأن العدو المجهول هو الأكثر إقلاقاً، لا سيما اذا كان على منطقة كبيرة وتتميز بوعورة طبيعتها وحساسيتها على المستوى الأمني، فإن جبهة الجولان اليوم هي الأكثر استقطاباً لجهود البحث الاستخباراتي والتحليلي والاستعدادات العسكرية والفنية واللوجستية، وهي الأكثر استقطاباً لموازنات التدريب والمناورة والتسليح، فهي تحظى بأهمية فائقة من قبل كل المستويات الأمنية والسياسية، ولا نستبعد أن تستعين اسرائيل بجهود أطراف دولية وإقليمية وعربية للمساعدة، سواء في رسم السيناريوهات أو التأثير من الداخل في اطار أنشطة وقائية استباقية.

إن أشد ما يقلق اسرائيل أنها لم تستطع بعد أن تحدد معادلة ضابطة لجبهة الجولان، ولا تستطيع أن تستشرف مستقبلها، حتى أنها يبدو لم تعد تستطيع أن تحدد موقفها من الحرب السورية أبعد من جملة

ان "تدمير سوريا هو الشيء الوحيد الجيد"، لكنها تستعد لكل تطور على كل المستويات الامنية والسياسية، وتحاول تحسس الفرص وخلقها إن أمكنها ذلك عبر مداخل لا يستثنى منها العناوين الإنسانية، وهي أشبه بمن يفضل ركوب ظهر النمر.

إسرائيل التي تعيش على حرابها، وستبقى كذلك ارتباطا بطبيعتها ومصدر نشأتها، ليس أمامها إلا خيار البقاء مستعدة ومتيقظة، ولن تنعم برفاهية الاستقرار والأمن حتى بعد كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وتدمير العراق وسوريا واستنزاف الدولة المصرية، وستظل تواجه التهديدات، سواء التي تحتسب لها أو التي ستضربها بدون مقدمات إلى أن تلقى مصيرها.