خبر الانتخابات الجزائرية ... تعدد الرؤساء و النظام واحد.. بقلم د. وليد القططي

الساعة 06:04 ص|10 ابريل 2014

منذ اندلاع الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي عام 1954 برزت جبهة التحرير الوطني وجناحها العسكري جيش جبهة التحرير الوطني   , كقائدة للنضال الوطني ضد الاحتلال الفرنسي , الذي يجثم على صدر الجزائر منذ عام 1830 , وعندما نالت الجزائر استقلالها عام 1962 كان من الطبيعي أن تمسك الجبهة بمقاليد الأمور في الجزائر , نظراً لامتلاكها الشرعية الثورية التي أهلتها لحكم الجزائر وقيادتها في مرحلة الاستقلال , ورغم الروح الثورية الحماسية التي سادت مرحلة التحرر الوطني , إلا أنها لم تستطع أن تقضي على أمراض السلطة في مرحلة بناء الدولة الوطنية خاصة الصراعات الداخلية داخل جبهة التحرر الوطني , التي أصبحت الحزب الحاكم في الجزائر , فبدأت هذه الصراعات مبكراً حيث لم تمهل فرحات عباس – أول رئيس للجزائر في عهد الاستقلال – إلاّ عاماً واحداً , فخلفه أحمد بن بيللا عام 1963 , الذي انقلب عليه رفيقه في الجبهة هواري بومدين عام 1965 , الذي استمر في الحكم حتى وفاته عام 1978 فخلفه الشاذلي بن جديد الذي أجبر على الاستقالة عام 1991 بعد فوز الجبهة  الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التشريعية على أثر صعود التيار الإسلامي في الجزائر بعدما اكتشف الشعب الجزائري حجم الفساد والاستبداد في بنُية النظام الحاكم الذي تقوده جبهة التحرير الوطني . ولقد عين الجيش الجزائري – صاحب الكلمة العليا في الطبقة الحاكمة – محمد بوضياف رئيساً للجزائر عام 1992 , وهو العام الذي بدأت فيه الحرب الأهلية الجزائرية , ولكنه أغتيل في نفس السنة , ليحكم الجيش الجزائر مباشرة حتى تعيين اليمين زروال رئيساً مؤقتاً عام 1994 ثم منتخباً عام 1995 , ولكنه استقال قبل استكمال ولايته الرئاسية لإجراء انتخابات مبكرة فاز فيها عبدالعزيز بوتفليقة عام 1999 , حيث تمكن من التوصل مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية التي أنهت الحرب الأهلية عام 2002 , فكان هذا الإنجاز هو الذي أهّله للفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات 2004 , وعند اقتراب نهاية ولايته الثانية عمد مع أصحاب القرار في الطبقة الحاكمة إلى تغيير المادة 74 من الدستور الجزائري التي تقيّد مدة الرئاسة بولايتين كحد أقصى , مما سمح له بالترشح لولاية ثالثة والفوز فيها عام 2009 , التي تنتهي هذا العام ليجد نفسه أمام ولاية رئاسية رابعة رغم فقدانه الأهلية الصحية لممارسة مهام الرئاسة .

إن ترشح عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة , رغم وضعه الصحي السيئ الذي يجعله شبه مقعد جسديا وعقليا , يدل على أنه خيار الطبقة الحاكمة في الجزائر , التي وجدت فيه مخرجاً لها لتلافي صراعاتها من أن تنفجر , رغم عدم أهليته الصحية لممارسة مهامه الرئاسية . أو أنه خيار أصحاب القرار في هذه الطبقة الذي غلبوا على أمرهم منهم , وهم على ما يبدو جنرالات الجيش الأقوياء , الذي يمسكون مقاليد الأمور في الجزائر , ويستخدمون الرؤساء السياسيون مجرد واجهة لهم , أو على الأقل يتبادلون معهم الأدوار والوظائف والمنافع , وذلك للمحافظة على استمرارية النظام الحاكم الذي يحكم الجزائر منذ الاستقلال وحتى الآن لأكثر من خمسين عاماً , وكذلك للمحافظة على امتيازات السلطة ومكاسبها المادية والمعنوية التي يحصلون عليها من خلال الاستبداد والفساد دون رقيب أو حسيب , وترشيح بوتفليقة لولاية رابعة يمنع أي تداول حقيقي للسلطة يصعد من خلاله الأفضل من بين الشعب وقواه الفاعلة , فلم يحدث في الدول العربية – كنموذج للاستبداد والفساد – أي أن يرّشح الرئيس نفسه ثم يسقط في الانتخابات ليفوز شخص آخر , فالرؤساء العرب لا يتركون الحكم إلا بالانقلابات العسكرية والاغتيالات والموت الطبيعي , وأخيراً الثورات الشعبية . وحتى عندما يموت الحاكم تقوم النخبة الحاكمة من حوله المستفيدة من استمرار بقاء نظام الحكم بتصعيد شخص آخر من بينها , وقد يكون ابن الرئيس أو نائبه في الأنظمة الجمهورية , ومن الطبيعي أن يكون ابنه أو أخيه في الأنظمة الملكية , وذلك للمحافظة على استمرارية نظام الحكم الذي يحقق لهم مواصلة التحكم في رقاب العباد , والسيطرة على مقدرات البلاد , فيقوموا هم والحاكم بتبادل الأدوار والمنافع وأهمها ضمان وجودهما في سدة الحكم , إلا إذا قام أحدهما بالتخلص من الآخر عندما تتناقض المصالح , فيصبح الأذكى منهما من يتغذي بالآخر قبل أن يتعشى به .

وترشح عبدالعزيز بوتفليقة ليس فقط رغبة من أصحاب القرار في الطبقة العسكرية الحاكمة الذين يقررون من يكون الرئيس ثم تجُرى الانتخابات لاستكمال الديكور الديمقراطي , بل هو أيضاً رغبة موجودة عند بوتفليقة أسوة بإخوانه الحكام العرب الذين لا يغيبّهم عن الحكم إلا الموت أو الخلع – إلاّ من رحم ربي – ويتظاهرون بالزهد في الحكم وأنهم لم يترشحوا إلا استجابة ً لنداء الشعب ونزولاً عند رغبة الجماهير – كما ظهر في خطاب الترشح لبوتفليقة - , كما صور نفسه أنه الضمانة الوحيدة لاستقرار الجزائر , وغيابه يعني الفوضى والعنف واستدعاء الأطماع الخارجية , كما خوفّهم من المستقبل والمخاطر المحدقة بالجزائر لو لم يستمر في الحكم , وهو يريد الاستمرار في الحكم شفقة منه عليهم أسوة بالأب المشفق على أبنائه , ووعدهم بمستقبل زاهر من الحرية والديمقراطية والنهضة , وكأن الخمسة عشر عاماً التي قضاها في الحكم غير كافية .

فعبد العزيز بوتفليقة تكريس واضح لهذا النمط من الحكام الذي يغطون استبدادهم بغطاء رقيق من مفهوم الأبوة تمكنهم من الاستمرار في الحكم حتى الممات , وإخماد صوت المعارضة بالإرهاب النفسي المستمد من الخلط المتعمد بين مفهوم الأبوة في الأسرة من الناحية الأخلاقية الذي يمنع الأبناء من رفع أصواتهم فوق صوت أبيهم فلا ينتقدوه إلا من باب العتب , ولا يعارضوه إلا على خجل , وبين مفهوم الرئاسة من الناحية السياسية التي تتيح للشعب انتقاد الرئيس ومعارضته بل وعزله ومحاكمته إذا اقتضى الأمر ذلك .

وننتهي مما سبق إلى أن نظام الحكم في الجزائر لم يتغير منذ الاستقلال وحتى الآن , رغم تغير أسماء الرؤساء لأنهم بغض النظر عن قوتهم أو ضعفهم ورغم قصر أو طول مدة ولا يتهم فهم واجهة لنخبة حاكمة ترفض أن يشاركها غيرها في السلطة , فضلاً عن أن تتخلى عنها , وهي في سبيل ذلك مستعدة للذهاب إلى الحرب الأهلية , كما حدث في حرب العشر سنوات في الجزائر , ومستعدة للذهاب إلى أبعد من الحرب الأهلية لو اقتضى الأمر ذلك .