خبر موانع إنهاء الانقسام الفلسطيني ..هاني المصري

الساعة 09:48 ص|08 ابريل 2014

طرح مؤتمر «مركز مسارات» العديد من القضايا، وهي بحاجة إلى متابعة واستكمال حتى تتبلور بمراجعة شاملة وعميقة للتجارب الفلسطينية، فتستخلص الدروس والعبر، وتصل إلى بلورة رؤى جديدة يعاد فيها تعريف المشروع الوطني وتحديد أهدافه، التي يمكن على أساسها تحديد «إستراتيجيات المقاومة».

في هذه المقالة، سأركز على سؤال عدم إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، بالرغم من موافقة جميع الفصائل على اتفاق القاهرة.

من الأسباب التي حالت دون تطبيق الاتفاق التركيز على حل أزمة السلطة في ظل الاستمرار بالالتزامات المجحفة التي تقيدها، وتجاهل الجذر السياسي للانقسام، حيث أن الاتفاق أهمل البرنامج السياسي؛ فيما الهوة بين برنامجي «فتح» و«حماس» ما زالت مستمرة، بالرغم من التقارب الملموس الحاصل بعد مشاركة «حماس» في السلطة، وانضمامها إلى لجنة تفعيل المنظمة، وموافقتها على المفاوضات وهدف إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، فضلاً عن التهدئة والمقاومة الشعبية.

ثمة نقطة أخرى أثرت سلباً، وهي تتصل بتأجيل تطبيق البنود المتفق عليها بخصوص الأمن في «اتفاق القاهرة». كما تم تحويل الإطار القيادي المؤقت المنصوص عليه في الاتفاق إلى «لجنة تفعيل المنظمة»، التي لم تمارس عملها بشكل دائم ومنظم، واجتماعاتها مجمدة منذ فترة طويلة.

إن الربط ما بين المصالحة والمفاوضات و«عملية السلام» لجهة النجاح والفشل، والرهان على المتغيرات الإقليمية والعربية والدولية، ساعدا على عدم تطبيق «اتفاق القاهرة». فبعد خشـيتها من وقوف نظام حسني مبارك (راعي المصالحة) إلى جانب منافستها حركة «فتح»؛ راهنت «حماس» على صعود «الإخوان المسلمين»، وعلى تحقيق أكثر مما حصلت عليه في اتفاق المصالحة. أما «فتح»، فراهنت على الاعتراف الدولي بها وعلى المفاوضات وشروط اللجنة الرباعية، وهي كانت تخشى من انعكاسات المصالحة على الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات، علاوة على عدم قيام القوى الأخرى (خصوصًا اليسارية) بمسؤولياتها كاملة لناحية تقديم نموذج وطني ديموقراطي واقعي قادر على كسر حالة الاستقطاب ما بين «فتح» و«حماس».

وأسهم في تجذر الانقسام إهمال الجانب «الاقتصادي الاجتماعي الثقافي الديموقراطي» في اتفاق المصالحة، بما يضمن سيادة القانون والمساواة والعدالة والحقوق والحريات الفردية والعامة والتعددية بكل أشكالها، وعدم المساس بحرية العقيدة والحق في التعبير وإبداء الرأي والتظاهر.

إن «اتفاق القاهرة» هو اتفاق قام على أساس معادلة «لا غالب ولا مغلوب»، واستند إلى «وثيقة الأسرى» التي تحولت بعد تعديلها جزئياً إلى وثيقة الوفاق الوطني التاريخية التي مثّلت أول محاولة لبلورة برنامج توافقي بين الاتجاهين، الوطني والديني، في الحركة الفلسطينية.

ومن أسباب عدم إنهاء الانقسام أيضًا صعوبة إجراء انتخابات المجلس الوطني. فحتى يتم إجراؤها، هناك حاجة إلى موافقة بلدان عربية ودولية يقيم فيها اللاجئون، أبرزها الأردن الذي يقيم فيه قسم كبير من اللاجئين الفلسطينيين، إذ إن من الاستحالة أن يسمح بانتخابات يشارك فيها الفلسطينيون الحاصلون على الجنسية الأردنية. كما يؤثر سلباً انشغال مصر الراعية للاتفاق بأوضاعها الداخلية، وما ترتب عليها من متغيرات.

وهناك مجموعة من المبادرات المطروحة للخروج من مأزق الانقسام، منها مبادرة تقوم على اعتبار أن «الدولة المراقبة» تتطلب إجراء انتخابات لبرلمانها وتشكيل حكومة لها، بحيث تكون هي اللجنة التنفيذية للمنظمة، بينما تنادي مبادرة أخرى بـتشكيل مجلس تأسيسي يضم أعضاء لجنة تفعيل المنظمة وأعضاء المجلسين، المركزي للمنظمة والتشريعي، للقيام بدور المجلس الوطني إلى حين إجراء الانتخابات، فيما تكون اللجنة التنفيذية المنتخبة هي حكومة الدولة الفلسطينية. وهناك أيضًا أفكار تتعايش مع الانقسام وتسعى إلى إدارته وتحسين شروط الحياة، عبر التنسيق في القضايا المعيشية والحياتية التي تتعلق بالصحة والتعليم والإدارة والخدمات...

ومن ضمن الأفكار المتداولة في سياق إنهاء الانقسام الدعوة الحمساوية إلى مشاركة فصائل وشخصيات أخرى في حكومة «حماس»، وهذا إن تم فإنه يكرس الانقسام ولا يساعد على إنهائه، وهناك أخرى تجمع ما بين المسارات السياسية والمعيشية من خلال عدم إهمال قضايا المواطنين الحياتية، والاهتمام في الوقت ذاته بالاتفاق على القضايا السياسية الأساسية.

وطرحت مؤخرًا فكرة تنادي بتشكيل هيئة وطنية متوافق عليها، تضم شخصيات مستقلة، لإدارة قطاع غزة لفترة طويلة، تستند إلى احتمالية استمرار الخصومة ما بين «حماس» والحكم المصري الجديد، وعدم رجحان انهيار حكم «حماس» بالرغم من المأزق الشديد الذي تعيشه الحركة، لامتلاكها من العوامل وأسباب البقاء الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية ما يجعل انهيارها ليس في متناول اليد، ومن شأن تشكيل هذه الهيئة تقديم حل فوري لـ«حماس» للتخلص من أعباء الحكومة التي أصبحت أكبر من قدرتها، بعد تشديد الحصار، إضافة إلى سهولة إقامة الهيئة علاقات طبيعية مع مصر ومع الرئيس «أبو مازن» والسلطة في الضفة، وقدرتها على إجراء الاتصالات الضرورية التي تتعلق بالأمور المعيشية مع سلطات الاحتلال.

كما ترتكز هذه الفكرة إلى صعوبة صمود أي اتفاق يجري توقيعه ضمن الظروف والمعطيات القائمة، وإلى توفير ضمانات لـ«حماس» تفيد بأن مغادرتها لن تمس بحقوق الموظفين ولا بالاعتراف بها كتنظيم فلسطيني أساسي، ولا باستمرار الجهود لتحقيق الشراكة السياسية في المنظمة والسلطة.

إن المطلوب من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية التركيزُ على إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، على أسس وطنية وشراكة حقيقية قائمة على المصلحة الوطنية، وفي سياق إجراء مراجعة شاملة واستخلاص الدروس والعبر، وما يقتضيه ذلك من إعادة تعريف المشروع الوطني في ضوء الخبرة المستفادة والحقائق المستجدة.

كما لا بد من الاحتكام إلى الشعب عبر صناديق الاقتراع كلما كان ذلك ممكنًا، وفي إطار يحفظ الوحدة والشراكة، وتلبية الاحتياجات الحياتية وتحسين شروط الحياة، على أساس المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.

يضاف إلى ما سبق الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني بمشاركة الفصائل والفعاليات وقوى المجتمع المدني وممثلين عن مختلف التجمعات الفلسطينية؛ لمناقشة واقع القضية الفلسطينية وآفاقها وكيفية مواجهة التحديات وتوفير عوامل النهوض.

لا يمكن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة من دون قيام «حماس» بتغليب كونها جزءًا من الحركة الوطنية على كونها امتدادًا لجماعة «الإخوان المسلمين»، وبالتالي الكف عن ربط وجودها ومستقبلها ودورها بالمتغيرات العربية والإقليمية والدولية، وصعود أو هبوط الإسلام السياسي، وتوفر القناعة لديها بأهمية الشراكة الحقيقية وأن ليس بمقدورها وحدها ولا بمقدور أي فصيل قيادة الشعب الفلسطيني وحده.