خبر على قارعة الطريق.. دع القهوة واشرب مرّ المعاناة

الساعة 07:19 ص|07 ابريل 2014

فادي الحسني

قبل أن ترتشف فنجان القهوة أمعن النظر إلى معّدها، ذاك العجوز الذي ذاب الشقاء في تشققات يديه المرتجفتين. ماذا عن أبنائه؟ وأين يعيش؟ وما الذي حمله على هذه المهنة في أرذل العمر؟.
تلك الاسئلة تراود الكثير من زبائن الحاج خليل وهو بائع قهوة بحي النصر غرب مدينة غزة، خاصة أن شعره اشتعل شيبا وبلغ من العمر عتيا، حيث يقيم وقتا طويلا جالسا امام بسطته الصغيرة الواقفة على سيقان الخشب البالي، ويسترها غلاف من النيلون المخمل.
الحاج الذي ذاع صيت قهوته الجذابة، حاد المزاج، لا يروق له كثيرا الإخبار عن حياته وتفاصيلها، لكنه أشار الى أنه لجأ إلى بيع القهوة قبل نحو عامين، بعدما استقل ابناؤه عنه وبقي هو وزوجه دون معيل، فآثر العمل لأجل الانفاق عليها.

لا يحمل الحاج خليل غلا على ابنائه وهم "عمال"، فقد وصفهم بأنهم ضعيفي الدخل وبالكاد يجدون فرص عمل في ظل ازدياد الاوضاع المعيشية سوءا بفعل الحصار القائم على قطاع غزة، ويقول عابس الوجه "كان الله في عون الجميع".
بيع القهوة في نظر الحاج خليل هو العمل الوحيد الذي يتناسب مع قدراته في هذا العمر، حيث لا يتطلب ذلك منه جهدا كبيرا، باستثناء الوقوف امام الموقد لفترة طويلة، أمر يشعره بالتعب بفعل آلام المفاصل التي يعانيها.
صب الرجل القهوة لسائق جاء لأخذ وجبته اليومية، ثم جلس ليحدث اكثر عن حياته، وأشار بعد أن أشعل سيجارته، الى انه تعطل عن العمل داخل (إسرائيل) مع اندلاع انتفاضة الاقصى عام 2000، ومنذ ذلك الحين وهو يقتات على القليل من المساعدات التي تقدمها (الاونروا) وفرص العمل المؤقتة أو البطالة.
يقول الرجل الستيني "لقد دخل الفقر معظم البيوت، بفعل الحصار ولم يعد بمقدور ابنائي مساعدتي بالمال، لهذا فضلت أن اعمل في بيع القهوة على أن امد يدي"، ويلفت وهو يتأفف لضيق الحال، الى أن الحياة في غزة تزداد عبئا وسوءا خصوصا بعد تدمير الانفاق الارضية الواقعة اسفل الحدود الفلسطينية- المصرية.
وبات من الملاحظ أن ظاهرة بائعي القهوة أصبحت تنتشر بشكل لافت في قطاع غزة الذي يشهد انتكاسة اقتصادية بفعل الحصار الذي أدى إلى بلوغ نسبة العاطلين عن العمل حوالي مئة وستين الفا، فيما بلغت نسبة الفقر 39% وفق احصاءات الجهاز المركزي للإحصاء.
وعلى الناصية الشرقية لشارع الجلاء وسط مدينة غزة، أقام بائع اخر يدعى سامي عبد الله، بسطة مغلفة بشعار "مشروبات ساخنة"، وجلس على ركن اسمنتي ينتظر مرور زبون من هنا او هناك.
يقول البائع عبد الله في السابعة والعشرين من عمره، إنه تعطل عن عمله في محل لبيع الملابس منذ عام تقريبا، ومنذ ذلك الحين لم يجد فرصة للعمل، لهذا اقام بسطة لبيع المشروبات الساخنة وعلى رأسها القهوة.
يفتح سائق بوق سيارته الصفراء، أمام البسطة الصغيرة حتى ينبه البائع عبد الله بضرورة إحضار كوب من القهوة المرة، مشددا على خلوها من السكر، فرد البائع قائلا: "تريدها ثقيلة ومرة كالحياة، بكل تأكيد!"، في اشارة الى استيائه من الواقع المتردي.
وألمح البائع الشاب لما اشعل الموقد الى عدم قدرته على تلبية الاحتياجات الضرورية اللازمة لزوجته وطفليه، خصوصا في ضوء عجزه عن شراء الحليب والبامبرز، ويقول وهو متجهم الوجه "لازلت افضل حالا من الكثير من الناس الذين لا يملكون ثمن ايجار البيت، هناك متسع للأمل.. الأمل في وجه الله لا ينقطع".
تختلف معاناة بائعي القهوة على اختلاف طريقة تحضيرها، فمنها ما هو مّر، ومنها ما هو محلى، لكنها في نهاية الأمر تعطي لونا قاتماً في صورة تشبه تماما واقع بائعيها.