خبر الآ.. آن لنا أن نتبين الرشد من الغي..علي عقلة عرسان

الساعة 03:49 م|04 ابريل 2014

قد لا نجانب الصواب إذا قلنا إن عدم تحديد موعد الجولة الثالثة من مؤتمر جنيف 2 مرتبط بتحسين وضع المسلحين على الأرض.. وما الإعلان عن فشل المؤتمر من جانب الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية بافتعال لافت للنظر، إلا محاولة مكشوفة لتسويغ معارك جديدة وتصعيد للعنف يؤدي إلى مكاسب للمسلحين على الأرض تجبر النظام على القبول بما لم يبله ولا يبدو أنه سيقبله من شروط " المعارضة" ومطالبها، وعلى رأس الشروط والمطالب تسليم السلطة والعودة من جنيف بلا خفين. وقد تم الترويج لفشل جنيف 2 مرافَقاً بترجيح خيار القوة، ومن ذلك فتح معركة الجنوب لتلتقي مع ما كان متوقعاً من ثبات وتقدم في معارك القلمون.. ولكن معركة الجنوب لم تفتح بالاتساع والقوة والشدة التي كان يسرب عنها الكثير، وأدت خسارة المسلحين في القلمون، لا سيما في يبرود ورأس العين وفليطة وتوجه الجيش العربي السوري نحو رنكوس، وخسارتهم أيضاً وبالتزامن تقريبا لموقعهم في قلعة الحصن.. أدى إلى فتح جبهة كسب مع تفعيل جبهات أخرى منها الجنوب.. أما لماذا لم يتم التركيز على جبهة الجنوب كما كان متوقعاً لتكون المدخل الرئيس لقوة المسلحين باتجاه دمشق فربما لأن فتح تلك على اتساعها وتركيز الثقل العسكري الخارجي فيها لم يعتمد كاستراتيجية أولى بسبب عدم نضج الموقف الشعبي الأردني على الخصوص لقبول مثل هذا الخيار، ولوجود احتمالات وتداعيات عسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية، راهنة ومستقبلية، تجعل هذا الخيار موضع نظر ولا تضعه خياراً وحيداً لتحقيق الأهداف المنشودة.. الأمر الذي جعل الأردن منطلقاً لدعم عسكري ـ عملياتي للمسلحين في جبهة الجنوب بالتزامن مع الانطلاق منه لدعم جبهة كسب بمسلحين وعتاد وأسلحة، كانوا/ وكانت هناك في معسكرات ومستودعات على أراضيه، عن طريق جسر جوي نشط بين مطارات في شمال الأردن ومطار إنطاكية في تركية، حيث يصل الدعم من هناك إلى المسلحين.. ويتم ذلك بتنسيق بين الجهات المعنية بإشراف الولايات المتحدة الأميركية التي أصبح من أهدافها المتقدمة في المنطقة توحيد جهود القوى العربية والإقليمية المتحالفة ضد سورية، لأن حسم الموقف في سورية لمصلحة المسلحين أصبح جزءاً من العمل العسكري والسياسي الاستراتيجي الغربي ضد روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم.. وهكذا فإن فتح جبهة في كسب ومنطقة اللاذقية بالتزامن مع جبهة الجنوب سيؤدي بنظرهم إلى تشتيت جهود وقدرات وقوات الجيش العربي السوري من جهة وإلى السيطرة على مواقع حساسة على الأرض، وجعل السكان في محافظتي اللاذقية وطرطوس يراجعون حساباتهم ومواقفهم على وقع امتداد النار إلى مناطقهم فيتزعزع الموقف الشعبي في مناطق يعتبرونها مرتكزات للنظام.. ويلاحظ أن التصعيد لم يتوقف على هاتين المنطقتين أو الجبهتين الجنوب وكسب بل شمل الغوطة الشرقية وما زال على وتيرته المتصاعدة في القلمون..

وعلى وقع ما يحدث في سورية منذ اسبوعين على الأقل، وعبر العنف الدامي في الجبهة الجديدة "منطقة كسب" بدأ الحديث عن استئناف مؤتمر جنيف2 في جولة ثالثة.. فما الذي جعل اللاعبين الكبيرين روسيا والولايات المتحدة الأميركية يتحركان بهذا الاتجاه؟! هل هي رغبة الطرف الأميركي وحلفائه في وضع رجل للمسلحين على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في السمرا والبدروسية لاحقاً وامتداد ذلك الموقع نحو الشرق وصولاً إلى ريف محافظة إدلب، وتثبيت ذلك بقوة وبغطاء أطلسي عبر تركيا المنخرطة في هذه العملية بتنسيق مع الأردن والجهات العربية الأخرى.. أم أن الروس يخشون من تفاعلات الوضع عسكرياً وأمنياً ولا سيما سكانياً في تلك المناطق، وتأثيره السلبي على مجمل الوضع من جهة والخشية من لعبة للأطلسي من خلال انخراط تركيا الأطلسية في معركة كسب سيجعل الوضع متوتراً بصورة متوهجة في سورية ومنذرة بالتوهج على مقربة من حدودها في البحر الأسود حيث يتمرك اسطولها في سيباستبول وفرق من جيشها في القرم وعلى الحدود الشرقية والجنوبية لأوكرايينا.؟! من الملاحظ أن هناك ما يشي بزيادة حدة المعارك في سورية، وأن بؤرة أو بؤراً جديدة من التوتر في المنطقة تنذر بانفجار شديد، وهناك ما يهيء المناخ السياسي الدولي لمواقف حادة، ومن ذلك قرارات حلف شمال الأطلسي بشأن العلاقات مع روسيا وهو ما دعاها لسحب ممثلها الدائم في الحلف للتشاور، والقطيعة شبه التامة بين وكالة الفضاء الأميركية " ناسا" ونظيرتها الروسية إلا ما يتعلق بالتعاون في المحطة الفضائية الدولية، وتوقيع الرئيس الأميركي على مرسوم يوجب فرض عقوبات على روسيا الاتحادية بعد قرار للكونغرس بهذا الصدد، وفرضه عقوبات على أشخاص جدد من المسؤولين والنافذين في روسيا الاتحادية.. ومن هذا المنظور وفي ضوء هذه المعطيات يجوز لنا أن نربط بين التصعيد الناري في سورية وفي المنطقة من جهة، والتصعيد المتبادل بين روسيا والغرب من جهة أخرى، كما يجوز لنا التفكير، أو استعادة التفكير، بما جرى الإرهاص به والتلميح له قبل وقت قصير من أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية يحاول أن يرد على روسيا بشأن ضم شبه جزيرة القرم إليها في سورية التي أصبحت أرض مواجهة لتصفية حسابات عربية وإقليمية ودولية، حيث موقع روسيا ومصالحها وقاعدتها البحرية في طرطوس وهي شبه الوحيدة لها في البحر الأبيض المتوسط.

إن التحرك الأخير للرئيس الأميركي في المنطقة، لا سيما محادثاته في السعودية، لم يكن بعيداً عن هذا الموضوع في أبعاده: السوري الخاص، والإقليمي الأوسع، والدولي الأهم.. ولكن التوازنات والحسابات التي يحاول الرئيس أن يجريها والمعادلات التي يركبها تشكل له ولاستراتيجيته بعض العوائق أو المآزق ولا سيما موقع إيران وموقفها من المعادلات التي يحاول أن يركبها.. مع وجود تنافر سياسي واستراتيجيي و.. و.. يصل إلى حد العداء بين السعودية وإيران من جهة، وهما بلدان في صلب معادلاته أو حساباته.. ووجود تنافر وقطيعة في العلاقات بين السعودية وبعض دول الخليج من جهة وقطر من جهة أخرى.. ولذلك كله في المعادلات والحسابات كلها امتدادات وانعكاست وتأثير ونفاعلات في سورية، وفي منطقة الخليج العربي، وفي الكيان الصهيوني وعلى مفاوضاته مع الفلسطينيين، وفي مصر حيث تنظيم الأخوان المسلمين صنف إرهاباً ولا يراه مع بعض حلفائه كذلك؟! ولا نريد أن نضيف حطباً إلى الموقد المشتعل تحت الرئيس أوباما في كلام كثير عن المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية حيث يعبث الصهيوني المحتل بالفلسطيني الضحية ويزيد الأميركي في الطين بلة،ـ ولا عمن وعما يحترق في تلك النار، فذاك شأن ذو شجون كثيرة وكبيرة ويحتاج إلى أن نفرد له أحاديث، وهو بصورة عامة ومكثفة شأن تلعب فيه الولايات المتحدة الأميركية، " نصير الشر الإسرائيلي" الدور الأوحد والتام المؤثر الذي يعرف كيف يحكم حالات التمزق أو ما يراه " النزق" الفلسطيني، من خلال قطع المساعدات المالية، وتحريك إيباك، وتحرك الكونغرس بمجلسيه ضد من يقف بوجه عنصرية إسرائيل وإرهابها وإجرامها وابتزازها.

   إن الحسابات السياسية والعسكرية والأمنية وحتى الاقتصادية تأخذ مجراها وتتخذ قراراتها، ومن يدفع الثمن هم من يقتل بعضهم بعضاً ويأكل بعضهم بعضاً ويضعفون الأمة والدين، العرب والمسلمين، أمام أعدائهم التاريخيين.. إن رحى الحرب تدور بنشاط في معظم أرجاء سورية هذه الأيام، وهي لم تتوقف على كل حال في يوم من الأيام منذ السنوات الثلاث العجاف الماضيات.. وقد ترافقت معارك منطقة كسب والقرى القريبة منها على الخصوص مع ظهور تصدُّعات يرونها جديدة ونراها قديمة متجددة فتاكة، في آراء ومواقف بعض من يسمونهم أو يرون فيهم " مفكري الانتفاضة وقادتها"، ففريق من أولئك يرى أن فتح جبهة كسب هو الإثم الأكبر الذي ينبغي أن يتوقف فوراً، وأنه ما كان يجب أن تحترق تلك المنطقة، وآخر يرى أن من يشفقون على تلك المناطق خاصة ويعبرون الآن عن آراء خاصة يتناسون أن ثلاثة أرباع سورية احترقت بسبب التطاحن والعسكرة واللجاج وا{اء التي ليست من الرأي والحنكة والحكمة في شيء، وومن جراء اللجوء إلى العنف وتمركز الإرهاب و.. إلخ، وفريق ثالث يرى أن الذين أذاقوا الآخرين الويل عليهم أن يذوقوه كما ذاقه غيرهم، ليتبين معدنهم ويسسلكوا الطريق القويم، ويتبين للناس موقفهم "الوطني" على حقيقته، وفريق يرى أنه حدث سيعطي للحرب في سورية وجهاً طائفياً يحاول الكثيرون التبرؤ منه، مع أن كثرة كاثرة من السورين والعرب والمسلمين المنخرطين في هذه الحرب يعطونها هذا الوجه القبيح منذ زمن؟! وفريق يرى أن هذا الحدث وتطوراته وتفاعلاته سيجعل أهل تلك المناطق الذين عاشوا بأمن وسلام واطمئنان طوال الأزمة يتخلون عن مناصرة للنظام ولو بصورة جزئية أو يتخلى البعض منهم عن حياديته أو رماديته.. وآخر يرى أن الواقع على الأرض ينطق بما يعاكس هذه التَّخَرُّصات والتحليلات والمذاهب التي يذهبها أهل هذه الآراء والتوقعات، لأن المناصرة على أشدها والتوعد للآخرين في ذُراه.. وهناك آراء.. وآراء.. وآراء.

بصورة عامة نحن أمام واقع فيه صور من الجنون والعَمَهِ الفتنة، وصور من التطرف، وصور من الإرهاب والرد عليه بما يكافئه، وصور من التآمر والتسلط.. وأن الفاسدين الذين أدمنوا الفساد قبل الأزمة ما زالوا على إدمانهم له، وأن من يمسك زمام أمر من الأمور في مجال مؤثر يزداد تشدداً واحتقاراً للآخرين، والقلة تحكم الكثرة بمنطق القوة ذات الأشكال المتعددة.. وأننا في وضع تحكمه كل مطمورات ومخرجات ظروف الحرب والفساد السياسي والاجتماعي وسؤء الرأي وعشوائية الرؤية، كما يحكمه أيضاً التدخل الدولي في شؤون الآخرين ويزيده مشكلات وأزمات وكوارث ونكبات.. والمؤكد أن كل الرؤى في النتيجة توردنا موارد الردى وتحرقنا بنيران نحن حطبها والشواء.!!

كنا وما زلنا نتطلع إلى أن نخرج من المعادلات الدولية والإقليمية التي دخلناها أو أُدخلنا فيها، ولكن ترامي الكثيرين منا على أطراف خارجية وانتصارنا على بعضنا بالآخرين، وتعامينا عن حقيقة أن لكل منا أخطاءه التي ينبغي أن يتوقف أمامها ويراجع نفسه ويحاسبها بشأنها، فيتراجع عن الخطأ ويضحي من أجل الوطن ويميت في ذاته ما يجعلها عشاً للشر ومقبرة للخير.. كل ما أغرانا وما أدمى قلوبنا صبراً على الظلم وجاهلية السلوك أعمانا حتى عن رؤية دمنا الذي ينزف وبلدنا الذي يحترق، وأبنائنا الذين يضيعون.. وكبّلنا بالقيود فوق القيود، وتسبب في تشرد من تشرد منا في البلدان، ودار بعد العز على وجوه الناس يطلب وفي العين دموع وفي القلب جراح، وتاه منا من تاه في الدروب، وكل ذلك وسواه تسبب في تشويه صورتنا بين الشعوب، وأصاب إرادتنا في الصميم، فلا نحن الأحرار القادرون على اتخاذ القرار البناء بحرية واستقلالية تامتين لنتخذ من القرارت ما ينقذ ويحمي، ولا نحن ممن يمكن أن يقبل الضيم ويسكت عليه فيسوغ الذل، ذلك لأننا لم نعتد على أن نخضع ونركع لغير الله، ولا نحن ممن يقبل الظلم والاستبداد وينقاد إلى من يعتلي صهواتهما بلا تململ وغضب، ولا ممن يمشي وراء العملاء والخونة ويبيع ويشتري في الوطن وخارجه بالشعب والوطن، بالقيم والدين والهوية والوطنية والقومية.. ولذا لاذ من لاذ منا بالعصيان والمعصية أو بالغفلة والتغافل، فحكمنا ما لا/ ومن لا يجب أبداً أن يحكمنا من سوء تفكير وتدبير وتعبير.. وكنا وما زلنا نتطلع إلى أن يعي السوريون مصالحهم جيداً، وأن يدركوا أن من يشعل النار في ديارهم لا يرمي إلا لإحراقهم فيها أو إلى إحراق مواردهم التي يعيشون منها.. وكنا وما زلنا نتطلع إلى أن يكون السوريون القادرون على لجم الفتنة والشر والعنف والإرهاب والظلم حاضرين كتلة واعية مسؤولة فاعلة وحاكمة في ساحة الوطن، وطن الجميع من دون استثناء، ليتمكنوا من إخراج أنفسهم وشعبهم ووطنهم وأمتهم من الفتنة والمذبحة وسوء التصرف وفساد الرأي.. بالوعي المسؤول والوطنية الحاكمة والحكمة القادرة.. ولكنا سقطنا في حفرة لم نكن نرى أنها حفرة الضلال والوهم وربما الادعاء والتقاعس والتسليم بما لا يمكن التسليم به من أمور.. وها نحن نواجَه الآن بحقائق مرة للأسف الشديد منها: أن الحكمة والعقل والوعي وما ينتج عن تفعليهما وتفاعلهما بمنطق ومسؤولية، وأن معاني الحرية والوطنية والديمقراطية والحقوق ومفاهيمها القويمة وتطبيقاتها السليمة.. وأن.. وأن.. وأن.. كل ذلك غاب أو غُيِّب، أو هو مما فَسد وأُفسد بالركود والتقادم والتخاذل والانحياز والانتهاز، وأنه مما تغيبه الحرب وتُبطِل فاعليته وتضعه بتصرف الجنون والطغيان والشر وعُصاب التطرف بأنواعه وأشكاله، وتبقيه تحت سقف وتصرف الفاسدين المفسدين والانتهازيين والمدعين، ومما يبقي الأمور البنيوية والحيوية النافذة في نطاق حكم وتحكّم المنتشين بالدم والقتل والتسلط والحريق، ومن تغريهم العنجهية ويذهب بهم الجشع المادي والتطرف بأشكاله وأنواعه:"المذهبي أو الطائفي أو الديني أو الأيديولوجي الذي لم يعرف نضجاً ولا استقلالية عن مصادره الخارجية التي توظفه وتستثمر فيه"، مذاهب شتى، كلها غير بناء..

كنا وكنا.. وما زلنا، وما زلنا.. ولكن على أرض الواقع والآن، من جنوب سورية إلى شمالها، ومن شرقها إلى غربها، ومن أطرافها إلى أواسطها.. نحن ما يشبه حطام شعب، وحطام بلد، تتلهى بنا الإرادات والأموال والقوى الخارجية ومن يأتمر بأمرها ويستمد القوة منها ويعبث بمصيرنا العابثون.. فيا أيها السوريون تبيّنوا ذواتكم ومآلاتكم ونتائج ما ترسمون وما تفعلون في هذا الليل المدلهم، وأزيلوا عن عيونكم وعن عقولكم غشاوات تمنع الرؤية السليمة والتفكير البناء.. ألا أنه آن لنا أن نتبين الرشد من الغي.. وتذكروا قوله تعالى: ".. إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".

دمشق في 4/4/2014