خبر لتنهار محادثات السلام- هارتس

الساعة 02:33 م|04 ابريل 2014

بقلم: أوري مسغاف

  (المضمون: إن الادارة الاسرائيلية كي تُبغض السلام الى الجمهور الاسرائيلي تطيل التفاوض وتجعله همها ودأبها بحيث يُنسى السلام نفسه ويُنسى أن التفاوض والمحادثات وسيلة فقط لادراك الغاية - المصدر).

 

          أتمنى انهيارا نهائيا للمحادثات بين اسرائيل والفلسطينيين. وقد اقتنعت بأن هذا يجب أن يكون موقف اليسار لا اليمين. قبل سنة حينما بدأت الجولة الاخيرة، سألني ناس أذكياء من معهد البحث "مولاد" عن رأيي في القضية. فأجبتهم من القلب والبطن قائلا إنه لا يجوز لمعسكر السلام الاسرائيلي أبدا أن يعترض على تفاوض سياسي مهما تكن ظروفه اشكالية. وكنت مخطئا. وكانوا على حق. لكن لا بسبب الخوف الذي عبروا عنه آنذاك فقط وهو أن المحادثات ستُمكن حكومة نتنياهو من أن تكسب وقتا ثمينا لتوسيع مشروع الاحتلال والاستيطان، أي الاضرار بدل الافادة. وهذا هو المفهوم من تلقاء نفسه تقريبا، بيد أن استمرار المحادثات يكمن فيه ضرر أعمق في مستوى خفي عن الناظر.

 

          كان يفترض أن تكون المحادثات وسيلة لاحراز هدف. وهي وسيلة تقنية حتمية بالطبع لكنها تظل وسيلة. بيد أن الهدف لم يعد يحل ذكره ولو باشارة خفية وأصبحت المحادثات هي الشيء نفسه. إنها كيان ميتافيزيقي يشبه حاكما غامضا مخيفا. وهي غول يجب تكرير اطعامه في حين تزداد شهوته. وفي الجولة الحالية تمت صفقة دورية معوجة لضمان "استمرار المحادثات" فقط. وهذا أمر عجيب. لم نكن في طفولتي ننشد "ولدت كي تأتي المحادثات فقط"، ولم نكن نرسم حمام المحادثات بل كان يوجد توق انساني ووطني للسلام، وعدد من القادة التزموا بالسعي الى السلام.

 

          لكن السلام أصبح أمرا محظورا وأصبح كلمة نابية. وحلت محله في مرحلة ما "المسيرة السياسية"؛ وهي معقمة وباردة ونفعية. وأصبحت اليوم ايضا خازوقا. توجد "محادثات"، وهي المشهد العام. فهي نموذج بيروقراطية مرهقة تُدار بلغة اصحاب حوانيت من التجار. توجد "صفقة دائرية" و"تفضلات"، و"دفعة رابعة". بل إنه يوجد "وسيط". وليس من العجيب أن بولارد ايضا طُرح فجأة في الحمام. ويقولون لنا في ابتهاج إنه اذا استمرت المحادثات فان "جونثان يستطيع أن يحتفل بالفصح في القدس"، وهذا عجيب. فلا أتذكر أنه أكثر من فعل ذلك قبل سجنه. لكننا في مرحلة بازار البازار.

 

          إن المصطلح سلبي دائما فهناك "تنازلات"، و"تهديدات"، و"تجميد"، و"افراج عن قتلة". وهذا مسار موجه، وعلى هذا النحو يجعلون الامر يغيضا الى الجمهور العريض الذي لا يجد فيه لا يده ولا رجله، ويريد فقط أن يقف هذا الضجيج الابيض الفظيع. ويُجرون على المشروع شيئا يشبه التنسيق الضريبي آملين أملا قويا أن يرفع يديه استسلاما في الطريق الى الهدف. وينجح ذلك. وأخشى أنني اذا رأيت مرة اخرى لفني وعريقات يجتمعان وحدهما في غرفة مع مبعوث امريكي "ليجدوا صيغة لاستمرار المحادثات"، أخشى أن أفقد عقلي.

 

          لم يبق في الحقيقة ما يُتحدث فيه حتى لو كان الحديث عن تصالح تاريخي وحسم استراتيجي، فالاتفاق موضوع على الطاولة. وقد وضعه كثيرون هناك واحدا بعد آخر: ادارات امريكية ومبادرة جنيف واقتراح الجامعة العربية. وفي هذه المرحلة تبعده المحادثات بدل أن تُقربه. وقد يكون هذا هو الاجراء العبقري لنتنياهو الذي يخشى السلام كي يسم الوعي الاسرائيلي بالصعوبة العظيمة و"التنازلات المؤلمة" المطلوبة للاستمرار على المحادثات فقط. ويكون الاستنتاج المطلوب أنه اذا كان هذا هو الثمن لاقامة المحادثات فلا ينبغي أن يخطر بالبال ألبتة ما الذي سيُطلب لتحقيق الشيء الحقيقي.

 

          هكذا يقتلون فكرة فهم يُفرغونها أولا من الجوهر والشعور وبعد ذلك يعصرونها ثم يجعلونها بغيضة ثم يُغيبونها عن الناظر آخر الامر؛ وكل ذلك كي يحك الناس رؤوسهم حينما تظهر مرة اخرى ذات يوم والى جانبها الاجراءات المطلوبة (التصالح على الارض وانهاء الاحتلال واخلاء المستوطنات) ويقولون: هل جننتم؟ لا يوجد حيوان كهذا.