خبر المقاطعة العالمية تحمي الاسرائيليين من انفسهم

الساعة 07:42 ص|03 ابريل 2014

تحتاج حركات الاحتجاج ومنظمات الضغط المحلية او الاقليمية المنشأ والعالمية التوجه الى مرحلة ليست بالقصيرة من التوعية والانتشار والتعبئة والتنظيم قبل ان تتحول الى فاعل دولي حقيقي ودائم، وتكتسب القدرة على التأثير بصورة مستمرة في اصحاب القرار في الدول الكبرى والمواقع الرئيسة في النظام الدولي. قبل ان يكتمل استعداد هذه الحركات وقبل ان تكتسب الحصانة التي تمكنها من الصمود في وجه الحملات المضادة التي تشن عليها، فإنها تبقى معرّضة للتراجع وللانطفاء مثل عشرات الألوف من الحركات التي مرت على المسرح الدولي من دون ان ترسخ قدمها فيه على رغم نبل الحوافز التي دعت الى اطلاقها وسلامة اهدافها ورقي وسائلها.

وتمر الحركة العالمية لمقاطعة اسرائيل حالياً بمرحلة من هذا النوع، فهي لا تزال في مرحلة التكون والتبلور التي تسبق مرحلة الإقلاع. ويسمع متابعو هذه الحركة ومؤيدوها ما يدل على انها تتطور باستمرار وعلى انها تسير بخطى واسعة نحو التجذر عبر اكتساب المزيد من المناصرين والناشطين وعبر مبادرات فردية وجماعية عفوية الطابع مثل انضمام فريق من فناني نيويورك الى المقاطعين وتضامنهم مع نداء المقاطعة، ومطالبة عدد من نواب البرلمان الاوروبي المسؤولين في المفوضية الاتحادية بحضّ القطاعات الاقتصادية الاوروبية على الاستجابة لحملة المقاطعة.

ان المتعاطفين مع هذه الحملة لا يخفون ان غرضهم من اطلاقها هو ممارسة ضغط اقتصادي وسياسي على اسرائيل وحلفائها من اجل اعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، وأن التحرك الذي يقومون به لا يتجاوز هذا الحد من حيث وسائله وأهدافه. ولكن الزعماء الاسرائيليين وأنصارهم في الدول الكبرى دأبوا على تصوير اي تحرك ذي افق سياسي او اقتصادي، على انه يشكل خطراً مصيرياً على اليهود والاسرائيليين. وبعد ان حققت اسرائيل وحلفاؤها الدوليون نجاحاً ملحوظاً في حرمان العرب من القدرة على الدفاع عن انفسهم وعلى إفقادهم اي خيار عسكري حقيقي في المستقبل المنظور، بخاصة بعد التطورات التي ألمّت بالجبهة الشرقية، فإن اسرائيل وحلفاءها يتحركون بالمستوى نفسه من الفعالية والتصميم من اجل حرمان الدول العربية من اي خيار سياسي او اقتصادي او ثقافي تلجأ اليه في صراعها مع اسرائيل.

ويركز الاسرائيليون وحلفاؤهم الدوليون على تقديم تبريرين في معرض تفسيرهم اللجوء الى ردود فعل استثنائية وتجريمية الطابع حيال اية محاولة عربية لاستخدام «القوة الناعمة» بقصد حماية حقوق العرب في فلسطين وسورية ولبنان من التوسعية الاسرائيلية.

في التبرير الاول يصف الكثير من الاسرائيليين حملة المقاطعة بأنها لا تستهدف التأثير فحسب في حركة الاستيطان وتقييد النشاط الاقتصادي الذي يقوم به المستوطنون، اي حرمانهم من فوائد الاستيلاء على اراضي الضفة الغربية، وانما هي تهدف اساساً الى عزل اسرائيل على الصعيد الدولي. اذا تمكن المقاطعون من تحقيق هذا الهدف الاولي، فإن الهدف الثاني الذي سيسعون الى تحقيقه هو نزع «المشروعية الدولية» عن الكيان الاسرائيلي. ويعتبر الاسرائيليون وحلفاؤهم الدوليون ان إضعاف مشروعية الدولة الاسرائيلية يهددها بالأخطار الجسيمة، وانها، من وجهة نظر اسرائيلية، توازي إضفاء شرعية على الأعمال والتحركات الرامية الى القضاء عليها، اي الى «تدمير» اسرائيل.

ولا يحتاج الزعماء الاسرائيليون الى ان يقولوها علناً، ولكنهم يقولون ما يكفي لعقد مقارنات ضمنية بين اي تقدم طفيف يحققه الفلسطينيون على صعيد حماية حقوقهم الاقتصادية والسياسية، من جهة، وبين «البوغرومات» التي كانت تنظم ضد اليهود في اوروبا، من جهة اخرى، بل وحتى أخطار المحرقة وما أنزلته باليهود من الكوارث. وبأسلوبه المعتاد، عبر الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز عن هذا الرأي بصورة غير مباشرة حين اعرب عن تخوفه من ان تؤدي الحملة ومحفزاتها الى تحول اسرائيل الى «كيان منبوذ» في المجتمع الدولي. وفيما بدا بيريز وكأنه يطالب الحكومة الاسرائيلية بالاسراع في التوصل الى التفاهم مع الفلسطينيين لحماية اسرائيل من هذا المصير، فإنه كان في الحقيقة يطالب الاميركيين والاوروبيين بالاسراع في قمع المقاطعة العالمية للمستوطنين الاسرائيليين قبل ان تشتد هذه الحملة فتتحول اسرائيل الى الكيان المنبوذ كما كان نظام «الابارتهايد» في جنوب افريقيا.

في التبرير الثاني، يصف الاسرائيليون وحلفاء اسرائيل بخاصة في دول الحلف الاطلسي المقاطعة الاقتصادية بأنها تشكل، كما جاء في احدى وثائق الكونغرس الاميركي، «عقبة امام جهود السلام». ولا تلقي الوثيقة اي ضوء على العلاقة بين جهود السلام، من جهة، وبين المقاطعة الاقتصادية لاسرائيل، ولكن التفسير المعتاد لمثل هذا التبرير هو ان المقاطعة العربية ستعزز موقف المتصلبين في السياسة الاسرائيلية الذين يعارضون تقديم التنازلات الى العرب والذين لا يتحمسون للتوصل الى السلام معهم. في المقابل، فإن الحجة اياها تقول ان انهاء المقاطعة الاقتصادية لاسرائيل سيؤدي الى تقوية انصار السلام الاسرائيليين. يضاف الى ذلك ان تنشيط التجارة بين العرب والاسرائيليين سيقود، كما يقول الاميركيون، الى بناء جسور التفاهم على النطاق الشعبي مما يساهم في اشاعة اجواء السلام على الصعيد السياسي. تحقيقاً لهذا الغرض، فقد عمدت الادارة الاميركية الى تشجيع بناء المراكز الصناعية المشتركة المصرية-الاردنية-الاسرائيلية وسهلت لصادراتها دخول الاسواق الاميركية عبر الاعفاءات الضريبية.

يغلب على التبريرين اللذين يقدمهما الاسرائيليون وحلفاؤهم بخاصة في الولايات المتحدة للسياسة التي يتبعها الاميركيون لمنع كل وسائل الضغط على اسرائيل طابع الاستخفاف بالعرب وبالمجتمع الدولي. فخلال عقود الصراع بين العرب واسرائيل لم يقدم الاسرائيليون اي دليل ملموس على انهم اذا امتلكوا كل اسباب التفوق على العرب، فإنهم على استعداد لتقديم تنازلات حقيقية للتوصل الى سلام عربي-اسرائيلي. لقد وقعوا معاهدة سلام مع الفلسطينيين، ولكنهم لم يتقيدوا بها اذ اجبروا القيادة الفلسطينية مرتين، الاولى عندما وصل نتانياهو عام 1996 الى رئاسة الحكومة، والثانية عندما وصل ايهود باراك الى رئاسة الحكومة عام 1999، على تقديم تنازلات اساسية على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ولم يخرج الاسرائيليون من الاراضي المصرية ومن جزء من الاراضي السورية الا بعد ان شن العرب حرباً على اسرائيل. ولم يترك الاسرائيليون الاراضي اللبنانية إلا بعد ان أُجبروا على مغادرتها.

ولو كان الاسرائيليون يشعرون حقاً بالقلق على مصيرهم ومصير اليهود، لاتبعوا سياسة تتناقض على خط مستقيم مع سياسة الاستيطان التي يطبقونها اليوم، لما تمثله هذه السياسة من توسعية عدوانية صريحة. ولو كان الاسرائيليون مضطرين الى الاعتماد على انفسهم لحماية اسرائيل لما مارسوا مثل هذه السياسة ولسعوا بكل وسيلة الى التوصل الى السلام مع العرب. ولكن الواقع يتنافى مع ادعاء استقلال اسرائيل الامني، كما يقول المؤرخ آفي شلايم الذي يعتقد انه لولا الدعم الاميركي الكبير على كل صعيد لما تمكنت اسرائيل من الاستمرار مطولاً.

لقد استندت اسرائيل الى الولايات المتحدة من اجل انتزاع اي اداة ضغط من يد العرب يستخدمونها من اجل اخراج اسرائيل من الاراضي العربية ومن اجل حماية انفسهم من التوسعية الاسرائيلية. ومن الارجح ان واشنطن ستتدخل اذا نمت حركة المقاطعة من اجل احباطها. اذا نجح الاميركيون في هذه المحاولة واذا نجح الاسرائيلون في ايقاف هذه الحملة واستمروا في ممارسة الاحتلال الاستيطاني، فإنهم لن يربحوا الكثير من وراء ذلك وإنما ستستمر لعبة المقامرة بمصير المنطقة واليهود والعالم بما يهدد العرب والمجتمع الدولي واليهود بالمزيد من الكوارث.

* كاتب لبناني.