خبر ما الذي تبقى في جعبة الأمريكان؟!

الساعة 07:35 ص|03 ابريل 2014

أطلس للدراسات

أي طبخة سيلجأ إليها الأمريكيون للتغطية على فشلهم والحصول على موافقة السلطة الفلسطينية لتمديد المفاوضات لشهور اضافية بعد أن فقدوا كل مصداقية وظهروا عاجزين تماماً ومرتهنين لإرادة اللوبي الصهيوني، الذي يمسك بتلابيب ومفاصل الإدارة الامريكية والحياة الامريكية. في المرة السابقة، وقبل تسعة أشهر تمترس الفلسطينيون بضرورة وقف الاستيطان وتعريف حدود الدولة الفلسطينية كشرطين للعودة للمفاوضات، لكنهم لم يستطيعوا الصمود أمام الضغوطات والوعودات الأمريكية، واستخدم كيري المنحى الاقتصادي لإغواء الفلسطينيين لتجاوز شروطهم والعودة الى المفاوضات، والموافقة على المطلب الفلسطيني بالإفراج عن الـ 105 أسير فلسطيني المتبقين من قبل اتفاق أوسلو لكن على دفعات.

وأعلن كيري يومها – يوليو الماضي – أن هدفه يتمثل في قيادة مفاوضات لمدة تسعة أشهر تنتهي بالتوقيع على اتفاق نهائي شامل، وحين بدا واضحاً فشله في انجاز وعوده بسبب الرفض الاسرائيلي انتقل الى الحديث عن "اتفاق إطار" يسمح بإطالة عمر المفاوضات إلى عام آخر، وأنشيء من أجل ذلك فريق بلغ عدد أعضائه أكثر من 120 شخصاً من الخبراء بإسرائيل والخبراء بفلسطين للتغلب على الموانع الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يتحجج بها الاسرائيليون واستجداء رضا الإسرائيليين. موظفو السفارة والقنصلية الأمريكية في الكيان الصهيوني واصلوا العمل ليلاً ونهاراً لمحاولة تحقيق اختراق ولو ضئيل في حائط الصد الصهيوني، حضر كيري الى المنطقة 12 جولة وحرص في غيابه على إجراء مكالمات طويلة مع نتنياهو وحكومته، كان الاتفاق بالنسبة اليه أعظم انجازات حياته.

والواضح أن كل صيغ كيري فشلت في الوصول الى خواتيم مقبولة على الجانب الفلسطيني الذي أعطى كل ما لديه بدون مقابل، بسبب الرفض الاسرائيلي القاطع بالاعتراف بأي من الحقوق الفلسطينية.

 

ما الذي تريده إسرائيل؟

المؤيدون قبل المعارضون في الشارع الفلسطيني، واليمين قبل اليسار في الشارع الاسرائيلي متفقون على أن لا أمل يرجى من مسار المفاوضات، وأن كل ما يريده الائتلاف اليميني الحاكم من كل الأطراف هو منحه الوقت الكافي لاستكمال المشروع الصهيوني الذي ظهرت تجلياته في نكبة عام 48، واستكمال عمليات الضم والتهويد لما تبقى من ارض فلسطينية، وتفكيك كل مظاهر الوجود والطموح القومي الفلسطيني، وفي مقدمته قضية اللاجئين والقدس، ومعالجة المشكلة الديمغرافية ضمن حدود وظروف تفرضها دولة الاحتلال. وفكرة المفاوضات من وجهة نظر الاحتلال ما هي إلا ملهاة تنصب في مطالبات ومقايضات في قضايا اقتصادية وانسانية بعيداً عن أي مضامين نضالية أو تحررية للوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس مثلما أرادها الفلسطينيون.

 

انكار الشعب الفلسطيني

سلسلة أقوال وتصريحات ونقاشات لوزراء ونواب الوزراء وأعضاء الكنيست والحكومة الاسرائيلية وعلى رأسهم نتنياهو يجب ألا تمر سدى، وتشكل دليلاً إضافياً إلى الدلائل المتراكمة، وتعكس رؤية دولة الاحتلال للمستقبل ورؤيتهم للمفاوضات. نتنياهو لا يترك مناسبة إلا ويحاول أن يكرس الأكذوبة التي روج لها الآباء المؤسسون "أرض بلا شعب" ويواصل بلا كلل التذرع بـ "شرعية دينية" في رفض التنازل عن الضفة الغربية وجعل خريطة كيانه الجغرافية والسياسية مطابقة لشريعته الدينية المزعومة.

يقول الكاتب الاسرائيلي عكيفا الدار وهو يصف مبلغ انكار نتنياهو وأعضاء حزبه بوجود الشعب الفلسطيني "نتنياهو تماماً مثل غولدا مائير في رفض الاعتراف بوجود شعب فلسطيني، وذلك في خطابه في مؤتمر ايباك، مدينة الخليل بالنسبة اليه هي المدينة التي "اشترى فيها ابراهيم مغارة الماكفيلا"، مستوطنة بيت إيل المقامة على اراضي مدينة رام الله هي المكان الذي "حلم يعقوب فيها حلمه"، القدس التي يطالب فيها الفلسطينيون عاصمة هي "صخرة وجود الشعب اليهودي والمكان الذي حكم منه داود مملكته منها"... فكيف يمكن الجدال مع ابن المؤرخ الذي يعلن بأن "توجد فقط حقيقة تاريخية واحدة".

وفي الجلسة التي عقدتها الكنيست الاسرائيلي قبل أسبوعين بحضور رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون جاء في خطاب نتنياهو ""كانت عودة اليهود الى صهيون هي التي أدت الى هجرة عربية مكثفة الى بلاد اسرائيل من الدول المجاورة للبلاد التي تبنى من جديد". فهو ينكر وجود الفلسطينيين في ارضهم ووطنهم ويدعى ان هذه البلاد كانت بلا سكان وان الفلسطينيون قدموا اليها بعد عاد اليها الصهاينة وأقاموا المدن بحثاً عن فرص عمل. ولم يكتفِ نتنياهو بالطلب بأن يعترف الفلسطينيون أن دولة اسرائيل هي اليوم الدولة القومية للشعب اليهودي وهكذا ستبقى في المستقبل؛ بل قضى بأن "الفلسطينيين ملزمون بالاعتراف بالصلة التاريخية للشعب اليهودي بوطنه في بلاد اسرائيل وحقوقه فيها"، بل وقرر أنه "لا توجد هنا مسألة روايات، توجد هنا حقيقة تاريخية واحدة".

وفي الخطاب أمام ايباك توجه نتنياهو الى أبي مازن وقال: "اعترف بالدولة اليهودية، وهكذا تقول للفلسطينيين أن اهجروا الخيال عن اغراق اسرائيل باللاجئين أو قطع اجزاء من النقب والجليل". ففلسطين وأرضها هي حق ملكي حصري قومي للشعب اليهودي ولا مجال لطلب عودة اللاجئين الفلسطينيين وان على الفلسطينيين أن يقولوا شكراً لليهود الذين تفضلوا بالسماح لهم بالعمل والخدمة في هذه الأرض؛ هكذا يقولون في نقاشاتهم.

في نقاش في الكنيست قال نتنياهو أنه إذا اعترف ابو مازن بأن اسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي سيكون معنى سياسي قانوني بعيد الأثر، لأنه ببساطه تنازل عن حق العودة.

وفي نقاش مغلق جرى في نيويورك نقلت "هآرتس" عن زعيم يهودي شارك "الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية معناه أن يعترف الفلسطينيون بأن روايتهم للتاريخ كانت كاذبة، حتى وان حاول الأمريكيون تطمين الفلسطينيين بأن الاعتراف لن يمس بالفلسطينيين من مواطني اسرائيل".

وفي الحاصل ليس لنا الا ما تتفضل به اسرائيل علينا. اذ ليس لنا أرض ولا نستحق شيئاً، وليس لنا أية مطالب. حتى ليفني تقول انها لا تسعى الى اتفاق نتيجة قناعة بحقوق للطرف الآخر، بل لأن ذلك في مصلحة اليهود أي خوفها من دولة ذات شعبين. لم يعلن أحد من قادة اسرائيل ان اسرائيل ارتكبت ظلما بحق الفلسطينيين، وأنها استيقظت الان تتحمل مسئولية ما حل بهم وتبحث عن تسوية لمعالجة ما.

 

انعدام الحيلة

وهذا ما يجعل الصورة أكثر وضوحاً، وان الاسرائيليون فقط، وفقط يريدون الوقت، وأن تظل المفاوضات كياناً مستقلاً مطلوب بقائه وتعزيزه؛ لأنه حسب ما يرون ان حاجة السلطة لدوام المباحثات تفوق حاجتهم اليها، وان مصير السلطة مرتبط بمسار المفاوضات، ولهذا يبدو أن الاسرائيليين يضعون أرجلهم في ماء بارد.

موشيه يعلون في محاضرة ألقاها مؤخراً في مركز "ديان" حول التحديات التي تواجه اسرائيل يقول: "من المناسب عدم العمل من أجل التوصل الى اتفاق، لكن علينا ان نبحث عن وضع يمكن التعايش معه"، ويسخر من مخاوف حل السلطة "السلطة لن تنهار لأنه توجد لهم مصلحة سياسية، هذه المصلحة ترتبط بالقوة الاقتصادية والفساد، كلهم مستفيدون، السلطة وأبناءها والتنظيمات وأبناءها". وحول مخاوف التهديد الديمغرافي، يقول يعلون: "اسرائيل استراحت من غزة، وحماس لن تلقي مفاتيح غزة، وفي الضفة هم يحكمون أنفسهم، يوجد لهم سلطة وبرلمان وسلطات محلية".

وبحسب اليكس فيشمان مراسل "يديعوت" انهم في ديوان نتنياهو وفي مكتب وزير الدفاع يعلون على يقين من أن المصلحة الفلسطينية – كالمصلحة الاسرائيلية بالضبط – هي تمديد أمد التفاوض لأنه ليس للطرفين أي بديل آخر. وهم في جهاز الأمن لا يؤمنون بأن يتجه الفلسطينيون الآن الى مؤسسات الأمم المتحدة للحصول على مكانة دولة في نحو من 30 منظمة. ويقول شخص أمني رفيع المستوى إن هذا تهديد لإسرائيل، لكن في اللحظة التي ينفذ لا يعود موجوداً، هذا إلى أنه إذا اتجه الفلسطينيون اليوم الى تنفيذ هذا التهديد فسيجدون مجلس نواب أمريكياً معادياً، ولهذا فان البقاء مع التهديد أهون على أبو مازن من تنفيذه، وان كل ما تسعى اليه السلطة صيغة أو حبة اسبرين تمكنها من تبرير تمديد التفاوض.

 

المطلوب

مواصلة السير في المفاوضات وفق المعطيات الحالية مدمر لقضيتنا، ولن تساهم إلا في مزيد من الانقسام والتهويد والحصار، والمسئولية الوطنية تلزم على الرئيس عباس اتخاذ قرار تاريخي بلم الشمل الفلسطيني وتحقيق المصالحة مع حماس بكل سبيل، وإعادة مراجعة المسار من ألفه الى يائه بمشاركة الكل الوطني والاسلامي للوصول الى استراتيجية وطنية جامعة والعودة بالقضية الفلسطينية إلى المؤسسات والمحافل الدولية، وفي مقدمة ذلك وقف التنسيق الامني فوراً.