خبر أحاديث إسرائيلية في الحرب والتطوير والمخاطر .. حلمي موسى

الساعة 06:26 م|31 مارس 2014

كل من يسمع الضباط الإسرائيليين يتحدثون عن المخاطر التي تحيط بإسرائيل وتزايدها يخرج بانطباع أن الحرب قريبة. وكل من يحاول قراءة المعطيات الميدانية سواء أكانت إقليمية أو داخل إسرائيل يشعر بأن الحرب بعيدة. وهذا يقود إلى الانطباع بأن المخاطر وحدها لا تشكل دافعا للحرب وأن الظروف المحيطة كثيرا ما تشكل عامل تشجيع أو إحباط للحرب. ومع ذلك هناك قناعة واسعة بأن الحرب يمكن أن تقع ليس لأن أيا من الطرفين يريها أو استعد لها وإنما تحدث نتيجة انعدام السيطرة أو سوء إدارة الأزمات.
والواقع أن الجيش الإسرائيلي لأسباب مختلفة يشعر بالتوتر على كل الجبهات تقريبا بسبب إما تغير الواقع على هذه الجبهات أو جراء استشعاره بالجهل لما يجري فيها أو ربما بسبب إفراطه في التباهي بقوته ورغبته في استخدامها. وكثيرا ما تصرفت إسرائيل على أساس أن ما تتطلع إليه هو فرض قدرتها الردعية على محيطها وضمان أطول فترة من الهدوء والسلام على جبهاتها. وهي تشعر اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن هذه القدرة تتأكّل ليس في مواجهة الأنظمة وإنما في مواجهة المنظمات.
وهذا قائم فعليا هذه الأيام على الجبهة السورية سواء نسبت التسخين الحادث هناك لحزب الله أو لميليشيات مقربة من النظام السوري أو حتى لجماعات المعارضة السورية سواء أكانت جهادية أم سواها. وهو قائم بشكل مختلف بعض الشيء على الحدود مع مصر في سيناء حيث ورغم وجود معاهدة سلام توجد جماعات جهادية تحاول بين حين وآخر توجيه ضربات لإسرائيل. وطبيعي أن الحال على الحدود مع لبنان هش بسبب إيمان إسرائيل بأن مجرد وجود حزب الله يشكل خطرا دائما عليها لا يمكن أن تتجاهله. والشيء نفسه يتعلق بقطاع غزة حيث توجد منظمات معادية تعمل بشكل علني ضد إسرائيل وتحاول أن تخلق معها نوعا من توازن الرعب.
وطبيعي أن كل هذا الحديث يقع في الدائرة الحدودية المباشرة التي كثيرا ما أنزلتها إسرائيل في العقدين الأخيرين من دائرة الخطر الكبير إلى دائرة الخطر المحتمل بعد أن صارت تركز على الخطر الإيراني وتعتبر أنه صاحب الأولوية. والجميع يعرف حجم التهديدات التي أطلقتها إسرائيل ضد إيران ومشروعها النووي وما قيل عن مليارات الدولارات التي أنفقـتها في تجــهيز نفســها لضربة عسكرية منفردة. بل ان هذه التهديدات ظلت تلعب دورا أساسيا في توتير العلاقات بين إسرائيل والإدارة الأميركية حتى الأسابيع الأخيرة بعدما أطلق وزير الدفاع، موشي يعلون العنان لهجمة جديدة ضد هذه الإدارة وسياستها.
ولكن موانع الحرب تكمن أيضا، أولا وقبل كل شيء في العلاقة الأميركية الإسرائيلية. فإسرائيل تجد نفسها في موضع القادر على التصرف تكتيكيا حتى في ظل الاختلاف مع أميركا لمن يصعب جدا تخيل شن إسرائيل حربا على أي جهة مهما كانت من دون الارتكاز على علاقة جيدة مع أميركا. فأميركا ليست مجرد داعم مالي أو تسليحي وإنما هي في الأساس الداعم شبه الوحيد في الحلبة السياسية الدولية في عالم لا تزال أميركا تشكل فيه القطب الأول حتى مع الإقرار بأنها في مرحلة تراجع وانسحاب.
ومن الجائز أيضا أن النظر إلى تقليصات ميزانية الدفاع الإسرائيلية وكيف تكاثر الحديث عن جيش «نحيف»، رغم محاولات تحويله بشكل كامل إلى جيش «ذكي»، يقلل من حمى التخوف من حرب جديدة. ومن الجائز أيضا أن سيرورة تفكك الدول التي تلحظها إسرائيل في محيطها وفرت لها «نافذة» فرص جوهرية سمحت بتقليص الميزانيات ضمن رؤية استراتيجية لسنوات قادمة. فالأزمة الاقتصادية العالمية التي لم تقفز عن إسرائيل أجبرت حكومة نتنياهو على محاولة تخفيف الأعباء الاقتصادية عن شرائح دنيا ووسطى في المجتمع الإسرائيلي لمنع انفجار أزمة اجتماعية. وكان الجيش الإسرائيلي هو من اضطر إلى دفع الثمن ليس بمعنى أن التقليصات كانت هائلة ولا حتى بمعنى أن التقليصات حدثت فعليا ولكن بمعنى أنه لم يسمح للجيش الإسرائيلي بالتوسع.
فالمخاطر والتهديدات الكثيرة التي يتحدثون عنها والتي تواجه إسرائيل تتطلب تخصيص المزيد من الموارد وهو ما لم يحدث فعليا. كما أن غلاء المواد وغلاء المعيشة اضطرا الجيش لتدبر أموره في إطار ميزانيته المحددة التي حاول مرارا زيادتها بشكل كبير من دون نجاح. وهذا ما اضطره إلى إجراء تقليصات في قوام هيئاته القيادية من ناحية وفي تدريباته ومخازنه الاحتياطية من ناحية أخرى.
وإذا أضيف إلى ذلك نوع المصاعب التي يواجهها في ظل تراجع مكانة الجيش لدى الجمهور جراء الأزمات التي تعصف به وآخرها أزمة «وثيقة هرباز» التي جرت إلى التحقيق والاعتقال لدى الشرطة عددا من كبار الضباط، فإن الصورة تبدو متأزمة. إذ من المتوقع قريبا استدعاء رئيس الأركان السابق غابي أشكنازي للتحقيق معه في احتمال تورطه في قضية التآمر لمنع تعيين رئيس أركان معين واختيار آخر بكل ما انطوى عليه ذلك من تزوير للوثائق أو التنصت أو تسريب معلومات.
وجاءت قضية تعامل الجيش مع سفينة السلاح الإيرانية الأخيرة لتكشف أن قادته يبحثون عن وسائل لرفع المعنويات خصوصا أن التحقيقات أظهرت أنواعا من الفشل العملياتي في مواضع عدة سواء في الضفة أو القطاع. عموما إن توتر الجيش قاد إلى مقتل ضابط بنيران «صديقة» على الحدود مع غزة وإلى تنفيذ عملية في مخيم جنين كادت تشعل الأراضي المحتلة.