خبر قطر تسبح ضد التيار الخليجي بقلم :د. وليد القططي

الساعة 10:37 ص|27 مارس 2014

يعُتبر قرار السعودية والإمارات والبحرين الصادر بتاريخ 5 مارس 2014 والقاضي بسحب سفراء الدول الثلاث من الدوحة عاصمة قطر يؤسس لمرحلة فارقة في تاريخ العلاقات بين الدول الخليجية ، وذلك لأنه يعُتبر نهاية لتراكم تاريخي من الأحداث التي سبحت فيها قطر ضد التيار الخليجي الذي توجهه السعودية ، كما أنه بداية لمرحلة جديدة من الأحداث الرامية إلى إجبار قطر على السباحة مع التيار الخليجي ، وإدخالها إلى بيت الطاعة السعودي ، وإرجاعها خطوة إلى الخلف لتجلس في المقعد الثاني مع زميلاتها في دول مجلس التعاون الخليجي لتترك المقعد الأول لتجلس فيه السعودية منفردة ، ولتّوجه رسالة إلى قطر فحواها أن الرياض هي المحور الرئيسي للسياسة الخليجية..

*وبالرجوع إلى جذور الصراع بين قطر والدول الخليجية الأخرى خاصة السعودية نجد أن تأسيس إمارة قطر تم بطريقة إشكالية ، حيث أن آل ثاني القادمين من نجد في الجزيرة العربية – منطقة نفوذ آل سعود – منتصف القرن التاسع عشر قد أسسوا إمارتهم في إطار الصراع للسيطرة على قطر بين آل خليفة في البحرين وآل سعود في الجزيرة العربية ، فلقد كان أول أمير لقطر من آل ثاني وهو ( محمد بن ثاني ) عام 1848م حاكماً لقطر باسم آل خليفة وتحت إمرتهم وباعتباره من إتباعهم – وهذا قد يفُسر عقدة النقص التي لا زالت تلازمهم حتى الآن – إلا أن أبنائه من بعده تمردوا على آل خليفة وأصبحوا حكاماً مستقلين لقطر ، دون أن يغفلوا عن أطماع آل سعود في قطر حيث أنهم اعتبروا قطر جزءاً من إقليم الإحساء في الجزيرة العربية ، وهذا ما يفُسر سعى آل ثاني الدائم للحصول على حماية دولة كبرى طوال الوقت كالدولة العثمانية والإمبراطورية البريطانية وحتى إيران وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية..

ولقد خضعت قطر – كغيرها من البلاد العربية – إلى الحكم العثماني منذ القرن السادس عشر حتى هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وفرض الحماية البريطانية عليها عام 1916م حتى منها عام 1971م ومنح قطر الاستقلال بالرغم من مطالبة السعودية بها باعتبارها جزءاً من الإحساء ، فأصبحت قطر دولة مستقلة وعضو في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وذلك في عهد أميرها ( أحمد بن على ) الذي انقلب عليه ابن عمه ( خليفة بن حمد ) عام 1972م وتولى إمارة قطر ، الذي شرب من نفس الكأس حين أطاح به ابنه ( حمد بن خليفة ) عام 1995م الذي استخدم الثروة النفطية لقطر والقوة الإعلامية لقناتها ( الجزيرة ) ليجعل لها مكانة إقليمية ودوراً سياسياً أكبر من حجمها الحقيقي وذلك على حساب الدولة الإقليمية الأهم في الخليج العربي وهي السعودية ، بل ومعاكساً في الاتجاه للسياسة السعودية التي تهيمن على السياسة الخليجية ، مما أوقعها في صدام حتمي مع الدول الخليجية خاصة السعودية ، ولم تتغير سياسة قطر في عهد ابنه ( تميم بن حمد ) الذي توّلى الحكم في 25 يونيو 2013م بعد تنازل والده عن الحكم لصالحه بالرغم من وجود ثلاثة أخوة له أكبر منه في خطوة غير مسبوقة لحكام الخليج ، ويبدو أن ( حمد بن خليفة ) لا زال هو الموّجه الأعلى للسياسة القطرية رغم تنحيه عن الحكم وبعده عن الأضواء..

*ولسباحة قطر ضد التيار الخليجي تاريخ طويل خاصة في عهد ( حمد بن خليفة ) ثم ابنه ( تميم بن حمد ) الذي يعُتبر استمراراً لسياسة أبيه إلى حدٍ كبير ، فقبل ثورات ( الربيع العربي ) تقرّبت قطر من محور المقاومة والممانعة خاصة بعد حرب 2006 في لبنان و 2008 في فلسطين ( حرب غزة الأولى ) وكان مؤتمر دعم غزة في الدوحة عقب حرب غزة الأولى تجسيداً لهذا التقارب حيث حضر المؤتمر الرئيسين الإيراني أحمدي نجاد والسوري بشار الأسد إضافة لقادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي وهذا التقارب يعاكس السياسة الخليجية العامة التي تقودها السعودية أحد ركائز ما يسُمى بمحور الاعتدال في المنطقة. وهذا التقارب القطري مع محور المقاومة لم يكن مفهوماً كون قطر الدولة الخليجية الوحيدة التي تقيم علاقات علنية مع الكيان الصهيوني والتي تقيم على أراضيها أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط ، وهذا أيضاً مخالف للتوجه الخليجي العام الرافض لإقامة علاقات علنية مع الكيان الصهيوني قبل حل القضية الفلسطينية..

*ولقد تبلورّت سباحة قطر ضد التيار السعودي – الخليجي في الموقف من الثورات العربية المعاصرة المعروفة بثورات الربيع العربي. ففي مصر دعمت قطر الثورة ضد نظام مبارك بينما دعمت السعودية نظام مبارك لموقفها التقليدي المعادي للثورات خوفاً من أن تمتد عدوى الثورات إلى ديارها ، ودعمت قطر حكم الإخوان المسلمين في عهد محمد مرسي بينما دعمت السعودية قوى الثورة المضادة التي أطاحت بحكمهم بعد تحالف الجيش وفلول النظام السابق وخصوم الإخوان السياسيين شركائهم في ثورة 25 يناير. وفي تونس دعمت قطر حكام تونس الجدد خاصة في حركة النهضة وهي فرع الإخوان المسلمين في تونس بخلاف السعودية التي تفضّل نظام بن على السابق. وفي اليمن دعمت قطر الثوار خاصة الإخوان المسلمين مقابل دعم السعودية لنظام على صالح ، وحتى أنها اُتهمت بدعم الحوثيين أعداء السعوديين في اليمن..

وفي سوريا اتفق الطرفان على العمل للإطاحة بنظام بشار الأسد لكنهما تنافستا على دعم أطراف مختلفة من المعارضة حيث دعمت قطر الإخوان المسلمين وبعض الفصائل السلفية المختلفة مع السعودية كجبهة النصرة ، بينما دعمت السعودية الجبهة الإسلامية التي كانت وراء تشكيلها والجهات المعادية للإخوان المسلمين في الائتلاف السوري المعارض. أما في ليبيا فقط اتفق الطرفان على الإطاحة بالقذافي عدو السعودية اللدود..

*إضافة إلى هذه السلسلة من المشاغبة القطرية للسياسة السعودية الخليجية ، فإن دعم قطر للإخوان المسلمين ، وتوفير ملاذ آمن لهم ، خاصة وجود الشيخ يوسف القرضاوي على أرضها وتوجيهه انتقادات لبعض الدول الخليجية كالإمارات ، ولأنظمة حكم حليفة للسعودية كالنظام المصري الحالي فهو عنصر توتر دائم بين قطر وجيرانها في الخليج العربي. وكذلك سعي قطر الدائم لإقامة علاقات حسنة مع جارتها الكبيرة إيران خارج المنظومة الخليجية وبخلاف الرغبة السعودية الذي ظهر واضحاً في زيارة وزير خارجية قطر الأخيرة لطهران فهو عامل توتر إضافي في علاقات قطر مع السعودية..

*وفي إطار تفسير السياسة القطرية المعاكسة للسياسة السعودية المهيمنة على دول مجلس التعاون الخليجي يمُكن القول بأن حكام قطر الباحثين لهم عن مكان تحت الشمس وعلى الخريطة السياسية. مستخدمين ثروتهم النفطية وقناتهم الفضائية أرادوا منافسة آل سعود في امتلاك مشروعهم الخاص فلم يجدوا غير الإخوان المسلمين لإعطائهم الشرعية الدينية والسياسية وذلك مقابل شرعية آل السعود المستمدة من السلفية الوهابية ، فوجدوا ضالتهم في الإخوان المسلمين لتوظيفهم في مشروعهم السياسي ، فعوّلت عليهم ودعمتهم في كافة أماكن تواجدهم ، وهذا الصراع والسباحة ضد التيار لا يتعدى كونه من باب المنافسة بين الطرفين على لعب دور الوكيل الأول للسياسة الأمريكية في المنطقة ، حيث أنهما يدوران في فلك السياسة الأمريكية بالرغم من الهامش المسموح لهما باللعب في إطاره ، وهذا ما يفُسر سعي قطر المستمر لإدخال الإخوان المسلمين إلى الحظيرة الأمريكية ، بل والعمل على توظيفهم لخدمة السياسة الأمريكية ، من خلال تأهيلهم للعب دور البديل المحتمل للأنظمة المستبدة الفاسدة المنتهية الصلاحية ، بينما ترى السعودية فيهم خطراً على نظامها وتهديداً لشرعيتها الدينية التي لا تحتمل وجود نموذج إسلامي آخر مختلف عن نموذجها السلفي الوهابي..