خبر تسوية سياسية تفرغ الدولة العبرية من الفلسطينيين ..حلمي موسى

الساعة 10:35 ص|27 مارس 2014

كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية النقاب عن قيام وزارة الخارجية الإسرائيلية ببلورة فتوى قانونية، تسوغ فكرة تبادل السكان التي ينادي بها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، منذ زمن طويل. وتقوم هذه الفكرة على أساس أن أي تسوية سياسية مستقبلية مع السلطة الفلسطينية ينبغي أن تأخذ بالحسبان محاولة تفريغ الدولة العبرية من قسم من سكانها الفلسطينيين وإلحاقهم بالدولة الفلسطينية المستقبلية.

وقد أثار عرض هذه الفكرة استياء واسعاً واعتراضاً شديداً ليس فقط من فلسطينيي أراضي الـ48، وإنما أيضاً من جهات يمينية يهودية ومستويات سياسية وقانونية.

وأشارت «هآرتس» إلى أن ليبرمان تسلّم قبل بضعة أسابيع هذه الفتوى القانونية، التي تسوغ بشكل أساسي إمكانية نقل منطقة المثلث ووادي عارة إلى الدولة الفلسطينية، في تسوية دائمة مستقبلاً، ولكن باشتراطات وقيود. وتقضي الفتوى أن خطوة كهذه تغدو قانونية وفق القانون الدولي إذا تمت بالاتفاق مع الفلسطينيين، وبشرط ألا تخلق أفراداً بلا جنسية، وتتضمن آلية تعويض مشابهة لتلك التي نالها المستوطنون في قطاع غزة بعدما أُخلوا منازلهم بموجب خطة الانفصال.

ومعروف أن خطة تبادل الأراضي والسكان كانت طرحت قبل سنوات من جانب زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان وهو يحاول دفعها قدماً على نحو دائم.

وسبق لليبرمان مطلع العام الحالي أن اعتبر في خطاب أمام «المؤتمر السنوي لسفراء إسرائيل»، أن «الشرط لتسوية شاملة مع الفلسطينيين هو أيضاً ترتيب موضوع عرب إسرائيل». وشدد على أن خطته لتبادل الأراضي والسكان ليست «ترانسفير»، كما أن هدفها ليس طرد الناس أو سلبهم أملاكهم، «بل ببساطة تحريك الحدود» غرباً.

وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أن ليبرمان قبل بضعة أيام من ذاك الخطاب، وبعدما بدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري مساعيه لبلورة وثيقة إطار للمفاوضات، كلف القسم القانوني في وزارة الخارجية بصياغة فتوى حول مدى تطابق خطة تبادل المناطق والسكان مع القانون الدولي.

وفي 17 شباط الماضي رفع المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية إيهود كينان إلى ليبرمان وثيقة تقع في 18 صفحة تحت عنوان «تبادل الأراضي ـ نقل السيادة على أراض مأهولة في إطار تسوية دائمة مع الفلسطينيين ـ جوانب قانونية».

وتتحدث الوثيقة عن أن نقل أراض مأهولة من سيادة دولة ما إلى سيادة دولة أخرى في إطار تسوية دائمة ـ حتى من دون الموافقة الصريحة للسكان ذوي الصلة ومن دون إجراء استفتاء شعبي ـ «ليس مرفوضاً بحسب القانون الدولي، وذلك طالما توفرت للسكان المنقولين جنسية بديلة ما بعد الانتقال». ويشير المستشار القانوني لوزارة الخارجية في فتواه سلسلة سوابق أخرى في العالم في المئة سنة الأخيرة، وسوابق من اتفاقات عقدتها إسرائيل مع دول مجاورة.

ومن ضمن الاتفاقات الأخرى، الاتفاق بين اليونان وبلغاريا في العام 1919 مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، الذي في إطاره نقلت بلغاريا أراض إلى اليونان في ظل تبادل كبير للسكان بين الدولتين، والاتفاق بين مصر وإسرائيل في شباط العام 1950، والذي عُدّل فيه اتفاق الهدنة بشكل تضمن تبادلاً للأراضي: قرية عبسان في قطاع غزة نقلت مع سكانها إلى السيادة المصرية، وفي المقابل نقلت إلى اسرائيل أرض بحجم مشابه في شمال القطاع.

في الأشهر الثلاثة الأخيرة نشرت عدة استطلاعات أجريت في إسرائيل في موضوع إمكانية تبادل الأراضي والسكان. استطلاع أجراه لـ«هآرتس» معهد «ديالوغ»، بإشراف البروفسور كميل فوكس من «جامعة تل أبيب»، في كانون الثاني الماضي، أشار إلى ارتفاع في عدد العرب من مواطني إسرائيل المعنيين بانتقال بلداتهم إلى سيادة فلسطينية.

وأظهر الاستطلاع الذي شمل 500 شخص من السكان العرب من وادي عارة والمثلث، الناصرة، سخنين وشفا عمرو، بأن 42 في المئة يؤيدون بشكل عام مبدأ تبادل الأراضي، فيما أجاب 31 في المئة بأنهم معنيون بأن تبقى حاضرتهم في مكانها، في إطار اتفاق التسوية، على أن تنقل إلى الدولة الفلسطينية. وأعرب 65 في المئة من المستطلعين عن معارضتهم للخطوة.

ويعتقد ليبرمان بأن التأييد للخطوة بين الجمهور اليهودي في إسرائيل أعلى بكثير. والجهة المركزية التي تعارض الخطوة، ضمن أمور أخرى لأنها تأتي من ليبرمان، هي القيادة الفلسطينية.

وتوضح فتوى المستشار القانوني أنه من دون موافقة فلسطينية، لن تكون الخطوة قابلة للتنفيذ أو قانونية. ولفت المستشار إلى أنه بالرغم من أن نقل السيادة على أرض مأهولة بين دولتين مقبول كشرعي في القانون الدولي، فإن النقل الإكراهي للسكان يعتبر اليوم غير شرعي وغير قانوني، قائلاً إن «النقل الإكراهي للسكان يعتبر كجريمة دولية».

وورد في الفتوى أيضاً، أن مدى الشرعية التي سيحظى بها نقل السيادة على المثلث إلى الفلسطينيين من جانب الأسرة الدولية سيتأثر بـ«الدافع والهدف» للخطوة.

وجاء كينان بمثل «البانتوستانات» ـ الدول المرعية التي أقامها نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا للسود في سبعينيات القرن الماضي. وكتب في فتواه أن «الخطوة اعتبرت كجزء من محاولة لحرمان المواطنة لسكان جنوب أفريقيا السود لضمان غالبية بيضاء. ولم ترَ الأسرة الدولية في الخطوة كخطوة شرعية ولم تعترف بها».

وفي ضوء ذلك، عرض المستشار سلسلة من الشروط التي يجب أن تتوفر كي تكون خطوة تبادل الأراضي المأهولة قانونية حسب القانون الدولي، وعلى رأسها الموافقة الصريحة من حكومة فلسطين المستقبلية على منح المواطنة لسكان المناطق التي ستنقل إلى سيادتها. أحد أسباب ذلك هو أن اسرائيل وقعت على الميثاق الدولي لتقليص انعدام المواطنة في العام 1961. ويقضي الميثـــــاق بأن كل اتفاق يتضمن نقل الســيادة بين الدول يجب أن يضمن ألا يكـــــون أي شخص في المناطق المنقولة من دون جنسية.

شرط مركزي لتسويغ خطة تبادل الأراضي والسكان، بحسب الوثيقة، هو إقامة آلية إخلاء ـ تعويض لسكان المثلث ووادي عارة مثل تلك التي تمت في فك الارتباط عن قطاع غزة وشمال السامرة.

في فصل الخلاصة في الفتوى القانونية، يشير كينان إلى أن كل خطوة تبادل الأراضي المأهولة ستكون واجبة الإقرار في استفتاء شعبي، ويكون منصوص عليها في التشريع.

وهذا التشريع يجب أن يجتاز «قرار القيد»، الذي يقول إن الخطوة هي بمفعول القانون، تتناسب وقيم دولة إسرائيل، تتم لغاية مناسبة ولا تمس بالحقوق أكثر مما يلزم. كما أنه من أجل منع التمييز ستكون حاجة إلى مقايسة الحقوق والشروط التي تمنح للمستوطنين الذي يخلون من الضفة الغربية مع تلك لسكان الأرض الذين ينقلون إلى الدولة الفلسطينية.