خبر استفتاء شعبي لسكان المثلث- هآرتس

الساعة 09:44 ص|27 مارس 2014

بقلم: أوري شتندل

نائب مستشار رئيس الوزراء للشؤون العربية

من النقاش بالغ الصدى الذي نشأ حول الشرط الذي طرحه وزير الخارجية افيغدور ليبرمان لتأييده خطة جون كيري يمكن أن نفهم عدة امور. مثلا، المعارضة القاطعة لعرب "المثلث الصغير" الذين وان كانوا يرون أنفسهم فلسطينيين، الا أن اسرائيل هي دولتهم – يمكن ان نرى فيها ايضا تعبيرا عميقا عن انخراطهم في حياة الدولة، رغم مشاعر الاستياء التي لا ينبغي تجاهلها والاحساس الشديد بالتمييز.

في حرب 1948 اصبح عرب بلاد اسرائيل دفعة واحدة أقلية تعيش تحت حكم عسكري. وكانوا واثقين في البداية من أن هذا وضع مؤقت – فاسرائيل لم تعتبر على الاطلاق دولة، بل وسميت "المزعومة"، بمعنى انها كيان عابر. وفقط بعد حملة سيناء، في  1956، اتضحت حقيقتها، وحتى في حينه لم يكن تبلور بعد تسليم بوجودها.

في نظر اخوانهم في الدول العربية اعتبر عرب اسرائيل خونة، وأسموهم "عرب 1948". احساسهم في ذاك العهد أجاد في التعبير عنه الشاعر راشد حسين من قرية مصمص في المثلث. فهو، الذي كان مثابة "بيالك عرب اسرائيل" في قصائده الوطنية التي أمطر فيها النار والكبريت على الدولة، سافر في 1959 الى مؤتمر دول عدم الانحياز في بلغراد. وكان واثقا من أن مندوبي الدول العربية سيستقبلونه بحرارة، وسيغدقون عليه الاعجاب بفضل قصائده، ولكنهم أداروا له كتفا باردة. وعندما عاد دعا بألم: "من نحن عرب اسرائيل. هنا يروننا طابورا خامسا، هناك يروننا خونة. نحن نعيش في عالمين، ونحن لا ننتمي لاي واحد منهما".

          بعد حرب يوم الغفران شاركت في انتاج فيلم دعي "عالمين"، على وزن القول اياه لراشد حسين. قابلت شابا متطرفا من قرية المغار في الجليل. سألته، "قل لي بصراحة ماذا شعرت، ماذا فكرت، ماذا أردت، حين اندلعت الحرب؟" فأجاب: "أردت أن يضرب الجيش السوري الجيش الاسرائيلي، أن يجتاح اسرائيل، وان يحتلها بلدة إثر بلدة، لكن ..." وهنا توقف فجأة. "لكن ماذا؟" سألت، "وعدت بان تقول كل شيء". تردد قليلا وبعد ذلك واصل: "ولكن لم أرد أن يصل الجيش السوري الى قريتي، المغار". هذا هو الواقع المعقد والمليء بالتناقضات الذي يعيشه العرب مواطنو اسرائيل.

          وينعش القلب بقدر لا يقل عن هذا الرأي العام الاسرائيلي الذي يبدو أن في معظمه لا يقبل شرط ليبرمان، في الفرض على عرب المثلث العيش في الدولة الفلسطينية.

          ومع ذلك، على فرض أن موقف ليبرمان بعمومه كفيل بان يرجح الكفة لاقرار اتفاق الاطار وأنه يقصد عن حق وحقيق ما يقوله عن تأييده لخطة كيري، يحتمل أن يكون من المجدي بذل الجهد لفحص جدوى الفكرة. ولكن، مرغوب فيه الاقتراح واخضاع شرط ليبرمان لاستفتاء شعبي يجرى في أوساط سكان المثلث الصغير. وفي الاستفتاء يعرض عليهم السؤال في أي دولة تريدون العيش، اسرائيل أم فلسطين. هم يقرروا، لا ليبرمان ولا أي واحد آخر.

          اذا ما فاجأت نتائج الاستفتاء، ووافق سكان المنطقة على العيش في الدولة الفلسطينية التي ستحصل على المثلث الصغير (الذي اقتطع من مثلث نابلس – طولكرم – جنين)، فعندها يكون لا شك في فضائل الخطة؛ ولكن فقط اذا ما وافقوا عليها. وليس غنيا عن البيان الحقيقة التاريخية التي هي مشوقة على خلفية الظروف: فالمثلث الصغير لم يحتله الجيش الاسرائيلي ابدا في حرب التحرير. فقد طلبت اسرائيل من ملك الاردن في حينه، عبدالله، ان يتفضل بالتخلي عنه في اتفاق الهدنة الذي وقع في رودوس، وقد فعل "جميلا" للدولة الشابة كي لا تكون "خاصرتها" ضيقة جدا. ولم يعزى للعامل الدمغرافي في حينه وزن كبير. بل ووافقت اسرائيل على عودة 35 الف فلسطيني، بعضهم في اطار جمع شمل العائلات، وبعضهم متسللون اقرت عودتهم بأثر رجعي.

          منذ تلك الايام البعيدة تغير الوضع من الاقصى الى الاقصى. فقد تعاظم الاعتبار الدمغرافي، وهو الان يشكل عاملا ثقيل الوزن، بل وربما حاسم، في المفاوضات على اتفاق السلام. ولكن حتى لو رأينا ان نتائج مثل هذا الاستفتاء معروفة مسبقا فهو ليس زائدا لا داعي له، وبالتأكيد لا ينبغي ان يستبعد تماما امكانية الحصول على موافقة اغلبية سكان المثلث الصغير لان يندرجوا في الدولة الفلسطينية.

          ولما كانت موافقتهم كفيلة بان تكون الوزنة التي ترجح كفة الميزان، يمكن حتى الضمان لسكان المنطقة الا تسحب منهم مواطنتهم الاسرائيلية، ويكون بوسعهم أن يتمتعوا بمواطنة مزدوجة. كل هذا شريطة أن تضمن اسرائيل مسبقا الاحترام بلا تحفظ لقرار سكان المثلث في الاستفتاء الشعبي.

          اذا كان اتفاق السلام متعلقا بهذا الحسم، فينبغي استنفاد كل الامكانية، حتى وان كانت أقلها، من أجل الوصول الى حسم ايجابي. وفي مجرد التجربة لا يكمن أي ضر، وربما، ربما، يفاجيء ليبرمان ويوافق على أن يخضع خطته للاستفتاء. أعطوه سلما وثقوا به بانه سينزل عنه بحذر.