خبر حركة الجهاد الإسلامي ومركزية القضية الفلسطينية ..توفيق المديني

الساعة 11:37 ص|26 مارس 2014

ـ الشرق القطرية ـ 21/3/2014

الاحتلال الصهيوني الحديث لفلسطين ليس الاحتلال الأول، بل إن فلسطين خضعت لاحتلال الفرنجة خلال الحروب الصليبية، حين سقطت بيت المقدس (493 هجري-1099ميلادي)، واستمر ذلك الاحتلال زهاء قرنين من الزمن. ولم يحرر فلسطين سوى المسلمين حين توافرت لديهم عوامل الإرادة والوحدة والقوة. وعندما تقدمت جحافل الدول الغربية الصناعية الحديثة، التي أنجزت ثورة ديمقراطية، وثورة صناعية عملاقة، استطاعت أن تتقدم باتجاه العالم العربي والإسلامي، لإعادة تقسيمه، واحتلاله بقوة العنف الكولونيالي، الذي كان ضرورياً وأساسياً لتحقيق أهدافه، والتي تمثلت فيما يلي:

1- إسقاط النظام السياسي الإسلامي وإنهاء دولة الخلافة، بوصفها الدولة الإسلامية المركزية، ورمز الوحدة الإسلامية لقرون عديدة.

2- تفتيت وتجزئة العالم العربي والإسلامي إلى دويلات عدة، من خلال تطبيق اتفاقيات سايكس بيكو، التي أصبحت الحدود الشرعية للتقسيم الكولونيالي الحديث.

3- إقامة دولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، التي تعتبر أهم وأخطر أشكال الاحتلال الحديث، لأنه استيطاني. وبقيامها واستمرار وجودها في قلب العالم العربي والإسلامي، تكون الهجمة الغربية الشاملة قد نفذت أهم وأخطر مهماتها.

إزاء هذه الغزوة الأوروبية والصهيونية الحديثة، التي استهدفت العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، وفي القلب منه فلسطين، كانت الردود على هذه الغزوة متباينة ومتفاوتة. فالتيار الليبرالي العلماني العربي لم يضع القضية الفلسطينية في سلم أولوياته، بل انصرف عن قضية النهضة والتحرير إلى الانشغال بقضايا وهمية. أما التيار الاشتراكي بجميع تلاوينه، ولاسيَّما الذي كان خاضعا لمرجعية الاتحاد السوفيتي، فقد انتهج نهج التبعية لتلك المدرسة السوفيتية، وتبنى مقولاتها، حتى وإن تناقضت بالكامل مع قضية الشعب الفلسطيني، ومع مصالح الأمة العربية والإسلامية.

وحده المشروع القومي العربي بشقيه الناصري والبعثي وضع القضية الفلسطينية كقضية مركزية في نضال الأمة العربية، وقام بمحاولات جادة من أجل تحقيق النهضة الثانية، وتحرير الأرض السليبة- فلسطين – لكنه أخفق لأسباب سياسية وتاريخية ليس مجال بحثها الآن.

إذا كان التيار الليبرالي العلماني والتيار الاشتراكي هُزِمَا تاريخياً في العالم العربي منذ نكبة عام 1948، وهزيمة عام 1967، وكلاهما هزيمة لتيار التغريب في الفكر العربي المعاصر، فإن الحركة الجهادية الإسلامية المعاصرة تثمن دور المشروع القومي العربي النهضوي في وضع القضية الفلسطينية ضمن الإطار التاريخي الصحيح، كقضية مركزية للأمة.

إن الوجود الصهيوني في فلسطين قلب العالم العربي الذي هو قلب العالم الإسلامي ونواته المغناطيسية، هو وحده الذي يفسر لنا مركزية القضية الفلسطينية، بوصف هذا الوجود للكيان الصهيوني قاعدة إستراتيجية متقدمة تنفذ أهداف البرنامج الإمبريالي الغربي العام، وتنفذ في الوقت عينه أهداف الحركة الصهيونية العالمية الخاصة، يمثل أوج التحدي الغربي والسياسي والثقافي للعالمين العربي والإسلامي.

من هنا تنبع مركزية القضية الفلسطينية في النضال من أجل تحريرها، إذ إن مهمات الحركة الإسلامية المعاصرة حددتها تحولات تاريخ مواجهة العرب والمسلمين نتائج التحدي الحديث في التغريب والتجزئة وإقامة الكيان الصهيوني. ويقول مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي، عن مركزية فلسطين في الصراع الدائر بين العالم العربي والإسلامي من جهة، وبين الغرب الاستعماري والحركة الصهيونية العالمية من جهة أخرى: إذا كان الكيان الصهيوني واستمراره قد أصبح يمثل مركز التحدي ومركز الهجمة الغربية وضمانة لاستمرار هيمنتها على واقع التقسيم والتبعية والتخلف، فإن على كل أجنحة الحركة الإسلامية وعلى ملايين جماهير الأمة في كل مكان أن تمد خطاً مستقيماً من قلب جبهتها المتقدمة في معركة النهضة وفي كل إقليم من أقاليم العالم الإسلامي، نحو المركز... نحو القدس... إن جماهير الأمة تحمل في داخلها وجعاً خاصاً من أجل فلسطين، وذلك لأن حسها التاريخي والعقائدي يخبرها بأن هناك... على ذلك الشريط الصغير من شرق المتوسط، تقع نقطة الصدام المركزية... وهناك ستحسم معركة تاريخنا المعاصرة... إن الوحدة بالنسبة لفلسطين هي وحدة الوعي بأن بقاء الكيان الصهيوني يعني إفشال كل مشاريع النهضة، ولهذا فإن الجدل حول مَن أَوَلاً: مواجهة التبعية والتغريب والتجزئة أو مواجهة الكيان الصهيوني هو جدل نظري تحكمه حسابات الربح والخسارة الآنية أكثر من السعي الجاد لبناء إستراتيجية متكاملة ومتماسكة لمشروع النهضة الإسلامية المعاصرة، إن الوحدة حول فلسطين هي وحدة التاريخ مع القرآن وهي إعادة الملايين المتقدمة نحو قدرها... هي مشروع النهضة كله. وفي القدس... جوهر ومركز الصراع الكوني اليوم تتحدد ملامح المعركة الفاصلة بين عباد الله حملة راية الوحي وقيم الوحدة من جهة، وحملة قيم فلسفة الصراع من الجهة الأخرى، بين المتطلعين إلى وجه الله... الساعين إليه، والمتمردين على الله الذين أقاموا في الأرض أبشع نموذج حضاري في تاريخ الإنسانية.

تأكيداً على وحدة المصير بين العالمين العربي والإسلامي، حيث تفرض مركزية القضية الفلسطينية وحدة المصير بين المشروع القومي العربي النهضوي والمشروع الجهادي الإسلامي، إذ إن وحدة المصير هذه تقتضي وحدة الأهداف ووحدة البرنامج ووحدة العمل. يقول المفكر الإسلامي توفيق الطيب في كتابه " الحل الإسلامي ما بعد النكبتين": كما كشفت النكبة الأولى للعرب جميعا عن "المضمون العربي" و"الأبعاد العربية" لقضيتنا فلسطين وأبطلت أسطورة الكيانات القائمة على فكرة "الوطنية المحلية" أو "الإقليمية" التي تكرس واقع التجزئة. كذلك فقد كشفت هذه النكبة الثانية للمسلمين جميعاً عن "المضمون الإسلامي" و"الأبعاد الإسلامية" لقضيتنا فلسطين، فأبطلت بذلك أسطورة "الانغلاق القومي" و"العلمانية" معاً وأثبتت بما لا يقبل الشك أن مصير المسلمين السياسي – مصير العالم الإسلامي – مرتبط بمصير العرب السياسي- مصير العالم العربي- وأن مصيرهم الثقافي مرتبط بمصير الثقافة الإسلامية وأن مستقبلهم جميعا كأمة ذات رسالة وكثافة ذات أصالة مرتبط بمستقبل الإسلام.

ليس من شك أن النكبتين اللتين حصلتا في المنطقة: نكبة 1948، ونكبة 1967، قد أكدتا أن الكيان الصهيوني القائم على اغتصاب أرض فلسطين والتوسع في احتلال الأراضي العربية، بات يجسد صورة التحدي الإمبريالي الغربي بشقيه الأوروبي والأمريكي للعالم العربي والإسلامي، وزاد من قوة الكيان الصهيوني وتمدده تنامي العلاقات العضوية بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت تمده بكل مقومات القوة والتفوق العسكري والتكنولوجي، وزاد من قوة التغلغل والسيطرة الأمريكية في المنطقة العربية، إضافة إلى التوسع الصهيوني، الإخفاقات العربية المتلاحقة منذ عصر النهضة العربية الأولى، وحتى عصر النهضة الثانية بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

هذه التحولات التاريخية التي عجلت بها حركة الأحداث في العالم العربي، وطبيعة التحدي الغربي والصهيوني وعنفه وشدته، كانتَا في أساس طرح الحركة الإسلامية الجهادية أن فلسطين ليست مجرد قضية إسلامية فقط، بل هي قضية كل المسلمين والإسلام في العصر الحديث.

ولما كان مشروع الحركة الإسلامية الجهادية في فلسطين يرتكز إلى اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية للأمة العربية والإسلامية، فإن مشروع تحرير فلسطين هو تتويج لمشروع حضاري كبير لا مجرد بندقية تطلق النار أو عبوة تتفجر، لكن الكفاح المسلح يجب أن يستمر ليؤكد عصيان صاحب الحق على الدفن حيّاً، وليمنع إغلاق باب الصراع كما يراد له في مشروع السلام الصهيوني الراهن.

ويقول أمين عام حركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله في هذا الصدد: «فالأمة دوماً وكما حال الأمم الحرة واجهت الغازي الأجنبي بأعز وأقدس ما تملك، بأرواحها ومقدسها الديني. هذا المقدس الديني اسمه عقيدة الأمة وشرعها "الجهاد". وهو في الدين الإسلامي الركن السادس من أركان الإسلام. وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ذروة سنام هذا الدين". إذن الجهاد في الإسلام (الكفاح المسلح في أدبيات الثورة الفلسطينية) هو مقدس ديني كما هي الصلاة مقدس ديني وكما هو الصيام مقدس ديني. فعندما يقول القرآن: "كتب عليكم الصيام"، نراه يستخدم نفس الصيغة في الجهاد، فيقول: "كتب عليكم القتال". والقتال هو الجهاد.