خبر السعودية و الإخوان بين محاولات الاستيعاب و احتكار الشرعية ...بقلم الدكتور وليد القططي

الساعة 10:38 ص|20 مارس 2014

بقلم الدكتور وليد القططي

ما بين زيارة الإمام حسن البنا – مؤسس جماعة الإخوان المسلمين – للسعودية عام 1936 للحج وإلقاء كلمة في المؤتمر السنوي الذي يقيمه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود واستقبال الملك السعودي المؤسس للملكة العربية السعودية له , وبين إعلان المملكة رسمياً بأن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وتجريم من ينتمي إليها أو يمولها أو يتعاطف معها ويستخدم شعاراتها ورموزها بتاريخ 7 مارس 2014 تاريخ طويل من الصعود والهبوط في العلاقات الثنائية بين الطرفين – السعودية والإخوان – تخلله فترات من الهدوء والاستيعاب وتبادل المصالح , وأخرى من التوترات والانتقادات وتبادل الشتائم , وما أن بدأت ثورات ( الربيع العربي ) ومشاركة الإخوان المسلمين فيها , ووصولهم للحكم منفردين أو بالمشاركة مع أطراف أخرى حتى بدأت هذه العلاقات تأخذ اتجاهاً واحداً من الصعود نحو القطيعة التامة التي ترُجمت إلى القرار السعودي الأخير الذي اعتبر جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية – مع بعض الجماعات والمنظمات الأخرى - , والوقوف وراء خلفيات وأسباب هذا القرار الحاسم لا بد من استعراض مختصر لتاريخ العلاقات الثنائية بين الطرفين ما بين التاريخين 1936 – 2014 , وذلك لاستخلاص السبب أو الأسباب الحقيقية الكامنة خلف هذا القرار..

 

عندما تأسست الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عام 1902 الذي أعلن قيام المملكة العربية السعودية عام 1932 بعد توحيد معظم بلاد شبه الجزيرة العربية تحت حكمه , كان الأساس الذي استند عليه في إقامة وتثبيت دولته هو الشريعة الإسلامية التي تتمثل في التيار السلفي الذي أحياه الإمام محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية قبل ذلك بنحو قرنين من الزمان. وعمل الملك عبد العزيز آل سعود على تعزيز هذه الشرعية الإسلامية عن طريق استمالة العلماء المسلمين في البلاد الإسلامية والعربية لهذا التيار ومنها مصر التي أصبح الشيخ محب الدين الخطيب من أهم رموز السلفية الوهابية فيها الذي حاول بدوره استمالة رموز إسلامية أخرى في مصر لهذا التيار ومنهم الإمام حسن البنا الذي سافر إلى السعودية لأداء الحج عام 1936 وألقى كلمة في المؤتمر السنوي الذي يقيمه الملك عبد العزيز لكبار ضيوف الحج والتقى مع الملك عبد العزيز مع وفد إخواني كبير آنذاك.. ولقد حج الإمام حسن البنا للمرة الأخيرة عام 1948 والتقى مرة أخرى بالملك عبد العزيز وطلب منه فتح فرع للإخوان المسلمين في المملكة , فرفض الملك طلبه وقال له كلمته الشهيرة ( كلنا إخوان وكلنا مسلمون ) , فلم يتمكن الملك استيعاب الإخوان المسلمين تحت جناح المملكة لأن الإخوان المسلمين لهم مشروعهم الخاص المختلف عن مشروع المملكة السعودية وعن مشروع التيار السلفي الوهابي..

 

وفي الخمسينات من القرن العشرين فتحت المملكة أبوابها للإخوان المسلمين الهاربين من بطش الناصرية في مصر وتخللتها زيارة المرشد الثاني للإخوان المسلمين ( حسن الهضيبي ) الذي حظي بتكريم كبير من الملك سعود بن عبد العزيز , إلا أن هذه العلاقة شابها بعض التوتر في بداية حرب اليمن 1962 بسبب تأييد الإخوان المسلمين للثورة على الملك يحيي بن حميد الدين حليف السعودية , ولكنها سرعان ما تحسنت مرة أخرى في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز بين عامي 1964 – 1975 على خلفية التوتر بين المملكة والنظام الناصري في مصر , فاستقبلت السعودية الآف الإخوان الهاربين من حملة البطش الثانية على الإخوان المسلمين , ولقد عملوا في مختلف المجالات خاصة التعليم الجامعي حيث أثروا على بعض طلابهم السعوديين الذين كان لبعضهم دور في الدعوة للإصلاح السياسي فيما بعد..

 

ولقد توترت العلاقات مرة أخرى في عهد الملك فهد بن عبد العزيز على خلفية حرب الخليج الثانية عام 1990 بسبب معارضة الإخوان المسلمين للاستعانة بالقوات الأمريكية لإخراج الجيش العراقي من الكويت , وانعكس هذا الموقف على العلماء السعوديين المتأثرين بفكر الإخوان المسلمين الذين عارضوا بدورهم الاستعانة بالأمريكان في حرب الخليج الثانية..

 

وبعد اندلاع ثورات ( الربيع العربي ) توترت العلاقات مع الإخوان المسلمين بسبب مطالبة العلماء السعوديين المحسوبين على تيار الإخوان المسلمين بالإصلاح السياسي , وبعد اندلاع ثورة 25 يناير في مصر , ومن ثم وصول الإخوان للحكم وفوز محمد مرسي بالرئاسة هاجم الإخوان المسلمين السعودية واتهموها بدعم نظام مبارك , والثورة المضادة في مصر , مما أدى إلى مزيدٍ من التوتر الذي وصل إلى ذروته بعد قيام الجيش المصري بعزل الرئيس محمد مرسي في 30 يوليو 2013 فكانت المملكة أول المهنئين للرئيس المصري المؤقت عدلي منصور بمنصبه الجديد وسارعت مع دولة الإمارات إلى تقديم دعم مادي سخي للنظام الجديد في مصر , وتوّج هذا العداء للإخوان المسلمين بالقرار الأخير في 7 مارس 2014 الذي اعتبر جماعة الجماعة إرهابية وتجريم من ينتمي إليها.

 

وبعد هذا الاستعراض التاريخي للعلاقات بين الطرفين يمُكن الاستنتاج بأن الصراع بين الطرفين ناتج عن تدافع امتلاك الشرعية الإسلامية , والمنافسة على التمثيل السياسي للإسلام في الدائرة السنية , فالسعودية تمثل التيار السلفي الوهابي الممتد في التاريخ إلى الأئمة أحمد بن حنبل وأحمد بن تيمية وغيرهم من رموز التشدد في التاريخ الإسلامي , والإخوان المسلمين يمثلون تياراً آخر يميل نحو الوسطية والاعتدال حيث معظم رموزهم الفكرية تتبنى العقيدة الإسلامية على مذهب الأشاعرة أسوة بالأزهر الشريف. كما أن المملكة العربية السعودية تعتبر نفسها النموذج الوحيد الصحيح للإسلام السني أو ما يُطلق عليه ( أهل السنة والجماعة ) ضمن فهمها للإسلام الذي يستند إلى رؤية اُحادية لا تقبل الآخر المختلف حتى في إطار الإسلام السني , والإخوان المسلمين جزء من هذا الآخر المختلف الذي يملك بدوره نموذجاً إسلامياً سنياً مختلفاً عن النموذج السعودي , وان كان هناك تشابه بين النموذجين لا سيما فيما يتعلق برفض الآخر المختلف ولكن بدرجة أقل من النموذج السعودي , فالسعودية تقبل الإخوان المسلمين في إطار دائرة الاستيعاب والتوظيف , وليس في إطار التدافع والمنافسة في نفس الدائرة الإسلامية السنية ولقد ظهرت هذه المنافسة جلية بعد وصول الإخوان للحكم في مصر , التي بدأ الإخوان فيها بناء نموذجهم الخاص المختلف عن النموذج السعودي , رغم محاولات تقّرب الإخوان من السعودية تحت مزاعم الاتحاد في مقابل النموذج الإسلامي  ( الشيعي ) الممثل في الجمهورية الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان ( حزب الله ) – على حد تعبير بعض قياداتهم في مصر – وللأسف ليس للإتحاد في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة الذي يهدد الأمة الإسلامية بجناحيها السني والشيعي..

 

فالموقف السعودي المعادي للإخوان المسلمين وحكمهم السابق في مصر نابع من الصراع على قيادة العالم الإسلامي السني , إضافة إلى دور الإخوان المسلمين الخليجيين في الدعوة للإصلاح السياسي في دولهم الذي يعني الحد من الحكم المطلق الذي تمارسه الأسر الحاكمة الخليجية , فجاءت عملية تجريم الانتماء للإخوان المسلمين لتسهل على السلطات ملاحقة هذه الدعوات وإسكات أصوات المنادين بالإصلاح تحت طائلة القانون. وسبب آخر قد يكون له دور في هذا القرار السعودي وهو أن السعودية أرادت حسم خلافها مع أمريكا حول التعامل مع الإخوان المسلمين , حيث ترى أمريكا إمكانية توظيفهم لخدمة سياستها في المنطقة كبدائل محتملة للأنظمة الاستبدادية الفاسدة المنتهية الصلاحية , بينما ترى السعودية فيهم خطراً على نظامها ووحدانية تمثيلها للإسلام بعد أن فشلت  في استيعابهم في إطار دائرتها ومشروعها السياسي في المنطقة.