خبر بين شبه جزيرة القرم وفلسطين- هآرتس

الساعة 09:11 ص|20 مارس 2014

بقلم: دمتري شومسكي

تذكر التقارير الصحفية الغربية حينما تستعرض المواجهة العسكرية الحالية بين روسيا واوكرانيا بسبب شبه جزيرة القرم، تذكر سنة 1954 باعتبارها نقطة بدء الازمة. ففي تلك السنة نقل حاكم الاتحاد السوفييتي آنذاك نكيتا خروتشوف شبه الجزيرة من حكم الجمهورية السوفييتية الاتحادية الاشتراكية الروسية الى حكم الجمهورية السوفييتية الاشتراكية الاوكرانية. لكن من العجب الشديد أن السياق التاريخي غير مطلوب بتاتا لفهم ما يحدث هناك الآن.

نُقل شبه جزيرة القرم وهو من أكثر المناطق كسموبولوتية في الاتحاد السوفييتي، والذي تلخصت العلاقة بينه وبين اوكرانيا بالتجاور الجغرافي، على يد السلطة السوفييتية من روسيا الى اوكرانيا تمهيدا للاحتفال بمرور 300 سنة على "مجلس برسليف". والحديث عن مؤتمر القوزاق الاوكرانيين برئاسة بُهدان حملنيتسكي، الذي عقد في كانون الثاني 1654 في المدينة الاوكرانية برسليف التي اجتمع فيها ممثلو فرق القوزاق العسكرية الثلاث – تلك التي تمردت قبل ذلك بسنوات على مملكة بولندة – لتوانيا – كي يتباحثوا مع رسل القيصر الروسي ألكسي، في قضية العلاقات المستقبلية بين اراضي اوكرانيا التي يسيطر عليها المتمردون الاوكرانيون ودولة موسكو القيصرية.

إن المصادر التاريخية التي تتناول تلك الحادثة قليلة جدا، لكن كان من المعتاد في التاريخ الروسي والسوفييتي على اختلاف حقبه اعتقاد أنه اتُخذ في المؤتمر القرار التاريخي على "الوحدة" بين روسيا واوكرانيا والذي لم تكن ماهيته الاستعلائية التي لا مساواة فيها تحتمل لبساً: فقد مد "الروس الكبار" (كما سمى الروس أنفسهم دائما في عهد القياصرة) يد المساعدة الى "الروس الصغار (كما كان الروس يسمون الاوكرانيين)، وأنقذوهم من نير الاستعباد الاجنبي، وبذلك انشأوا علاقة تاريخية لا انفصام لها بين روسيا الكبرى و"البلد الطرف لها" (إن كلمة اوكرانيا في اللغة الروسية القديمة معناها "البلد الطرف").

يحسن أن نقف على المعنى الرمزي لذلك الامر: فقد كان تطبيق السيطرة الحكومية للجمهورية الاوكرانية على شبه جزيرة القرم، والذي كان معناه في ظاهر الامر تعزيز سلطات الحكم الذاتي الاوكرانية، كان فيه في حقيقة الامر ما يُصدق وكالة روسيا الاستعلائية على اوكرانيا، بحسب الرواية الروسية المهيمنة. ولذلك كان يجب على اوكرانيا كي تخرج الى طريق جديد بصفة دولة مستقلة بكامل المعنى مع تفكك الاتحاد السوفييتي، فورا، أن تعيد شبه جزيرة القرم الى الاتحاد السوفييتي وأن تتخلص دفعة واحدة من الرمز الواضح لتعلق اوكرانيا بالاستعمار الروسي. بيد أن اوكرانيا، كما حدث اكثر من مرة في تاريخ الدول فضلت سيادة وهمية على سيادة حقيقية؛ فقد صعب عليها أن تتخلى عن ذخر من الارض أصبح من نصيبها بتفضل من "الأخت" الكبرى السخية، وهكذا بقي معها اقليم ليس له أي صبغة ثقافية اوكرانية، وفيه شيء يتيح طلب سيطرة جديدة من قبل تلك "الأخت".

وعلى هذه الخلفية يصعب ألا نعجب من مسيرة حماقة طالبي خير اوكرانيا الوهميين في الغرب ولا سيما في الولايات المتحدة الذين لا يعترفون باستفتاء الشعب في شبه جزيرة القرم، والذي بين أن 93 بالمئة من سكانها يؤيدون التوحيد من جديد بين شبه الجزيرة والاتحاد الروسي – ويدعون الى ابقاء القرم تحت السيطرة الاوكرانية لأجل اوكرانيا الحرة المستقلة.

لو أن حرية الاوكرانيين كانت هي التي تشغل زعماء الاتحاد الاوروبي والادارة الامريكية لحثوا اوكرانيا على تبني نتائج استفتاء الشعب وعلى تحرير نفسها من السيطرة على الارض التي فيها ما يكبلها من جديد الى الهيمنة الروسية. لكن الرغبة القوية في تضييق خطوات روسيا في البحر الاسود مع مقدار كبير جدا من الجهل بالعلاقات بين الأعراق في شرق اوروبا، تعمي عيني الغرب وتجعله يعرض رمز خضوع اوكرانيا لروسيا على أنه رمز الى سيطرة الاوكرانيين على مصيرهم.

يمكن أن نتعلم من قضية شبه جزيرة القرم درسين رئيسين: الاول – أنه يحدث احيانا أن يكون معنى السيطرة على ارض ما لسبب من الاسباب، العبودية الذاتية. والثاني – أن وضع السيطرة على ارض ما الذي يعني العبودية الذاتية قد يتم تصويره على أنه وهْم حرية بفضل اصدقاء عميان. ويبدو أن هذين الدرسين لهما صلة بالعلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين.