خبر عباس طالب بالإفراج عن اسير عبر رسالة سُلمت لكيري!

الساعة 08:44 ص|17 مارس 2014

غزة

يتوجه الرئيس محمود عباس إلى الولايات المتحدة متسلحاً بمرونة تتيح له التخلص من «اتفاق الإطار» المقترح الذي يراه الفلسطينيون خطراً استراتيجياً على حقوقهم الوطنية، لكن ربما سيكون عليه مقابل ذلك أن يقبل بدائل أقل ضرراً.

وفيما يزداد التشاؤم يوماً بعد يوم إزاء مستقبل مفاوضات التسوية مع إسرائيل التي تنتهي مهلتها في نهاية نيسان (أبريل)، يلتقي الرئيس الأميركي باراك أوباما اليومً الإثنين الرئيس الفلسطيني في واشنطن في محاولة لكسر الجمود.

وتشير التقديرات إلى أن الرئيس عباس يحمل معه إلى العاصمة الأميركية رفضاً قاطعاً لـ «اتفاق الإطار» الذي أعده وزير الخارجية جون كيري، لكنه يبدي انفتاحاً مدروساً على خيارات أميركية أخرى مثل تمديد المفاوضات حتى نهاية العام، في حال توافر خطوات تحظى بشعبية في الشارع الفلسطيني، من قبيل إطلاق سراح أسرى من وزن مروان البرغوثي وأحمد سعدات، والتوقف عن طرح عطاءات جديدة للبناء في المستوطنات.

وقوبل «اتفاق الإطار» الأميركي المقترح برفض فلسطيني قاطع، لأنه يُنزل سقف الحقوق الفلسطينية إلى المستوى الذي يقبله اليمين الإسرائيلي، ويقدِّم مرجعية جديدة للعملية السياسية بين الجانبين تقل كثيراً عن المرجعية الدولية التي شكلت أساساً لهذه المفاوضات منذ انطلاقتها قبل أكثر من عقدين.

ورفض الفلسطينيون بشدة قضيتين جديدتين أدخلهما «اتفاق الإطار» المقترح على العملية السياسية، وهما: الاعتراف بإسرائيل وطناً قومياً للشعب اليهودي، وبقاء وجود عسكري إسرائيلي في أراضي الدولة الفلسطينية.

كما سجل الفلسطينيون أيضاً تحفظاً عن غالبية البنود الأخرى في الاتفاق، مثل إقامة عاصمة للدولة الفلسطينية في جزء من القدس الشرقية، وإبقاء مستوطنات تحت السيادة الإسرائيلية في أراضي الدولة الفلسطينية، وعدم تحديد مساحات تبادل الأراضي، وقضية اللاجئين والمياه.

وقال مسؤول فلسطيني رفيع لـ «الحياة» إن الجانبين الأميركي والإسرائيلي توافقا على «اتفاق الإطار»، مشيراً إلى أن التحفظات العلنية التي يبديها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو على الاتفاق ليست سوى مناورة لتسويغ الضغط الأميركي على الجانب الفلسطيني.

ويتوقع مقربون من الرئيس عباس أن يتعرض لضغوط أميركية في هذه الزيارة من أجل قبول «اتفاق الإطار» كأساس للمفاوضات. وقال مسؤول رفيع لـ «الحياة» إن الرئيس الفلسطيني سيقدم عرضاً مقابلاً يتضمن تمديد المفاوضات مقابل تجميد كامل للاستيطان، وإطلاق سراح جميع الأسرى المرضى وكبار السن والقادة والنساء والمعتقلين الإداريين.

ووجّه عباس قبل شهر رسالة إلى الإدارة الأميركية يطالب فيها بإطلاق الفئات المذكورة من الأسرى، في ما يبدو تمهيداً لهذه اللحظة المتوقعة. وقال مسؤول رفيع إن الرسالة تضمنت مروان البرغوثي بالاسم.

وتشير التقديرات إلى أن عباس يتجه لتنصيب مروان البرغوثي خليفة له في زعامة حركة «فتح» والقيادة الفلسطينية. ويشكل تطور من هذا النوع، في حال حدوثه، خطوة كبيرة تلاقي تقديراً كبيراً لدى الشارع الفلسطيني ومن حركة «فتح» والحركة الوطنية الفلسطينية، التي تفتقر لوريث مقنع بعد مغادرة عباس المشهد السياسي، المتوقعة في غضون سنوات جراء تقدمه في السن.

ويبلغ عباس من العمر 79 عاماً، وعلى رغم أنه لا يخفي تمسكه بالقيادة ومقاومته اختيار نائب له، إلا أن نجاحه في تحرير مروان البرغوثي، الذي يحظى بشعبية واسعة في الشارع الفلسطيني، وتهيئته لوراثته سيشكلان فقرة مهمة في تاريخه السياسي الذي يفتقر لإنجازات كبيرة جراء فشل العملية السلمية، التي شكلت على الدوام خياره الأول وشبه الوحيد، وتعطل المسار الديموقراطي جراء الانقسام الذي وقع في عهده. وسيمكّنه هذا أيضاً من إبداء المرونة المطلوبة للمضي قدماً في المسار السياسي الإجباري الذي رسمته الإدارة الأميركية.

وقال مسؤولون فلسطينيون إن الرئيس عباس يتوجه إلى واشنطن معتمداً استراتيجية الرئيس الراحل ياسر عرفات التي تقوم على كلمة «لعم» بدلاً من نعم أو لا. وسيمكّنه هذا الأسلوب المرن من ضمان تحرير الدفعة الرابعة والأخيرة من أسرى ما قبل أوسلو، التي تتضمن 14 أسيراً من فلسطينيي الداخل من حملة الهوية الإسرائيلية.

ولا يخفي عدد من أركان الحكومة الإسرائيلية معارضته إطلاق سراح هذه الدفعة المقرر نهاية الشهر الجاري، والاحتفاظ بهم ورقة ضغط على الجانب الفلسطيني لمواصلة المفاوضات التي تنتهي في التاسع والعشرين من الشهر المقبل.

وطالب الجانب الأميركي علناً الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بتمديد المفاوضات حتى نهاية العام الجاري. وستعتمد موافقة الرئيس عباس على الطلب الأميركي على عاملين: الأول سحب «اتفاق الإطار» من التداول، والثاني اتخاذ خطوات ذات شعبية في الشارع الفلسطيني تسمح بمواصلة التفاوض من دون اعتراضات أو احتجاجات.

وقال مسؤول فلسطيني قريب من المفاوضات إن «المطلب الأهم بالنسبة للفلسطينيين هو تجميد الاستيطان، لكن الكل يعرف أن الإدارة الأميركية فشلت في حمل إسرائيل على ذلك. والمؤكد أيضاً أن إسرائيل لن تقبل هذا الطلب، لهذا من الممكن الاتفاق على عدم طرح عطاءات بناء جديدة، وإطلاق سراح الأسرى القادة والمرضى وكبار السن والنساء والإداريين».

ويبدو أن الرئيس عباس يميل إلى قبول تمديد المفاوضات حتى نهاية العام الجاري في حال الحصول على ثمن من هذا النوع، وهو ما يرجح أن يحظى بقبول الجمهور الفلسطيني، الذي يدرك أن الاستيطان سيتواصل سواء كانت هناك مفاوضات أم لا، ويعرف أيضاً أنه ليس بين أيدي الفلسطينيين خيارات عملية حاسمة خلال هذه الفترة يؤدي استخدامها إلى تغيير المعادلة القائمة ووقف الاستيطان. وأعلنت إسرائيل خلال المفاوضات التي بدأت في التاسع والعشرين من تموز (يوليو) الماضي، عن عطاءات لبناء عشرة آلاف وحدة استيطانية جديدة، الأمر الذي يسهّل عليها قبول وقف إصدار عطاءات استيطانية جديدة خلال هذه الفترة.

وقبل أربعة أيام من لقاء عباس وأوباما، بدت الإدارة الأميركية وكأنها تنأى بنفسها عن إصرار نتانياهو على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل «دولة يهودية»، ما يهدد بنسف جهود كيري. وفي هذا الصدد، انتقد وزير الخارجية الأميركي إصرار إسرائيل على هذه المسألة، وقال في جلسة استماع أمام الكونغرس الخميس: «من الخطأ أن يواصل بعض الأشخاص طرح هذا الأمر مراراً وتكراراً على اعتبار أنه المعيار الأساسي لموقفهم إزاء احتمال قيام دولة (فلسطينية) وتحقيق السلام. ونحن أوضحنا موقفنا هذا»، لكن من دون أن يذكر نتانياهو بالاسم.

وأضاف أن «قضية يهودية الدولة حُلّت في 1947 من خلال قرار الأمم المتحدة رقم 181 (حول تقسيم فلسطين)، والذي يذكر الدولة اليهودية أكثر من 30 أو 40 مرة».

وبعد ثمانية أشهر من الجهود الأميركية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأكثر من عشر زيارات للمنطقة، تحدث كيري بنبرة تشاؤم، مشيراً إلى أنه لم يتحقق تقدم يستحق الذكر حتى الآن، لافتاً إلى أن مستوى انعدام الثقة بين الجانبين هو «الأسوأ» وأن اتفاق السلام ما زال «ممكناً، لكنه صعب».

يذكر أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أكدت خلال اجتماعها الأربعاء برئاسة عباس «رفضها الحازم لأي وثيقة تتضمن انتهاكاً لمرجعية عملية السلام، التي تتمثل في قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية». وشددت «على رفضها الحازم لاستبدال تلك المرجعية بمرجعية جديدة سقفها أدنى بكثير»، وكذلك «رفضها الحازم أي تمديد في المفاوضات بعد الموعد الذي تحدد لها» في 29 نيسان. وقالت إن الأفكار المتداولة «تحاول أيضاً انتزاع الاعتراف بيهودية الدولة (إسرائيل) من أجل إلغاء التاريخ والحقوق الفلسطينية».