خبر تنفيس غضب - يديعوت

الساعة 11:24 ص|14 مارس 2014

ترجمة خاصة

تنفيس غضب - يديعوت

بقلم: اليكس فيشمان

(المضمون: يمكن النظر الى اطلاق القذائف الصاروخية على أسدود وعسقلان كأنه اطلاق من عدد من العُصاة يستغلون الفوضى في القطاع لضرب اسرائيل. لكن ذلك وهْم لأن الانفجار التالي لن يكون مجرد مسألة تنفيس غضب - المصدر).

إن عملية كسر الصمت التي أعلنها الجهاد الاسلامي في يوم الاربعاء هي في الحقيقة دعوة الى الاستيقاظ، وليس التحدي الذي تقيمه عسكريا بالضرورة وهو قبل كل شيء تحد سياسي للقيادة الاسرائيلية التي تعيش في شعور بأن الوضع في قطاع غزة كما هو اليوم يمكن أن يستمر الى الأبد.

في تقديرات الوضع التي قام بها وزير الدفاع وقادة الجيش في ساعات اطلاق الصواريخ الاولى على البلدات في الجنوب، تحدثوا عن عملية ليست أكثر من تنفيس غضب. وأوضحوا أنه لا توجد هنا في الحقيقة محاولة لجر اسرائيل الى مواجهة عسكرية شاملة في القطاع. ويشير "الشباك" على الدوام الى ضرورة الامتناع عن كل اجراء قد يجر حماس الى مواجهة عسكرية. وهو يرى أنه لا يجوز الانجرار بصورة آلية بافلوفية وراء رشقة الصواريخ الكبيرة بصورة مميزة من الجهاد الاسلامي.

يزعم مختصون أن الحديث عن عملية مخطط لها حصلت على موافقة قادة المنظمة والدليل على ذلك أن اطلاق الصواريخ تم بصورة منسقة على عدد من الجبهات. لكنهم يشيرون في نفس الوقت الى حقيقة أن الجهاد الاسلامي اختار أن يستعمل سلاحا قصير المدى وغير دقيق، على الخصوص – وهي قذائف صاروخية قطرها 4 إنشات. وكانوا يستطيعون أن يختاروا من ترسانتهم صواريخ لمدى متوسط أو طويل كانت ستقع في مراكز سكنية في جنوب البلاد ومركزها لكنهم لم يفعلوا ذلك. فقد أرادوا في الحاصل العام أن يرسلوا رسالة تحذير لـ "كسر الصمت" مع اسرائيل ومع حماس ومع المصريين. والاصوات في الجيش الاسرائيلي أكثر تنوعا فقيادة الجنوب تحث على عملية، بصورة طبيعية لكن قائد المنطقة سامي ترجمان قال في الماضي إن لنظام حماس في غزة دورا في الحفاظ على الاستقرار ايضا.

ونقول بايجاز إن القرار الذي اتخذ هذا الاسبوع في اسرائيل كان عدم التحمس للرد العسكري وعدم الانجرار الى مواجهة عسكرية غير مضبوطة. وعاد المصريون الذين لهم دور مركزي في حفظ التوازنات بين اسرائيل والقطاع، يُحذرون ويقولون إن غزة حبة بطاطا ساخنة يمكن أن تدحرج في كل لحظة لا نحو اسرائيل فقط بل نحوهم ايضا. ولهذا عادوا يطلبون من اسرائيل ألا تضر بالمصالح المصرية بعمليات عسكرية تقلب الطاولة.

كانت الردود الكلامية عندنا حماسية لأن اكثر من 70 قذيفة صاروخية هي تحد سياسي قبل كل شيء، ورئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع يعلون يعلنان عن سياسة اليد الشديدة في القطاع ويحذران من أن كل اطلاق نار سيُرد عليه ردا عنيفا. وهنا جاء الجهاد فقال: أطلقت 90 قذيفة صاروخية فماذا ستصنعون بي؟ هل تتجهون للحرب؟ وفي هذه الحال لا يستطيع رئيس الوزراء ووزير الدفاع أن يبيحا لأنفسهما الحديث عن الحاجة الى ضبط النفس واحتواء الحادثة. وحينها يتحدثان في اندفاع لأن الكلمات لا تكلف مالا.

كان الرد العسكري في مقابل ذلك موزونا جدا، فقد هوجم في الحقيقة 29 هدفا لكن اكثرها "أهداف عقارية" فارغة. وقيل للجمهور الاسرائيلي إن ذلك كان أكبر هجوم تم تنفيذه على أهداف في القطاع منذ كانت عملية "عمود السحاب"، لكنهم في غزة فهموا ما أرادوا.

يعلمون في جهاز الامن منذ زمن أن تنفيس الغضب في القطاع مسألة وقت فقط، فقد حطم عدد القتلى الذي اجتمع في الجانب الثاني نتاج عمليات للجيش الاسرائيلي مختلفة، ارقاما قياسية. وكان اولئك الرهط الثلاثة من المنظمة الذين قتلوا يوم الثلاثاء القشة التي قصمت ظهر البعير من وجهة نظر الجهاد الاسلامي. وليست سلطة حماس مهتمة بكف جماح الجهاد، فالسلطة من جهة غير قادرة على منح السكان الأمن الاقتصادي، وهي من جهة اخرى لا تشارك في مقاومة الصهاينة. وهذه السياسة تُحدث عند ناسها – ولا سيما في الذراع العسكرية – مشاعر قاسية من خيبة الأمل من القيادة المدنية لاسماعيل هنية ومحمود الزهار. ولا تستطيع قيادة حماس أن تصد تنفيس الغضب لأن الغضب سيتجه عليها آنذاك.

إن الجهاد الاسلامي في الحقيقة تلزمه تفاهمات مع حماس تتعلق بعمليات منسقة على اسرائيل، لكن حماس يصعب عليها أن تكف جماحه ايضا. وأصبحت نقطة الانطلاق في اسرائيل الآن هي أن قادة الجهاد الاسلامي في قطاع غزة ودمشق غير ناضجين الى الآن لمواجهة عامة مع اسرائيل ولهم مصلحة في احتواء المواجهة العسكرية. وهم مع ذلك محتاجون فينة بعد اخرى الى تقديم دليل للايرانيين يُسوغ المساعدة المالية الكبيرة التي يتلقونها منهم وأن ينفذوا عمليات على اسرائيل.

إن الأهداف التي تهاجَم في غزة تجمعها "أمان" بصورة تدريجية متصلة. وحينما يدخل هدف الى البنك يظل هدفا الى لا نهاية. ويمكن أن تكون الاهداف قادة سياسيين وعسكريين أو مواقع كمخازن وسائل قتالية ومصانع انتاج وآبار اطلاق وأنفاق وما أشبه. وتُقسم الاهداف الى درجات "نوعية" مختلفة. فليس حكم قائد عسكري في حماس كحكم موقع يشغله نشيط ارهابي مرة من آن لآن.

حينما يخرجون لعملية في حجم "الرصاص المصبوب" يُنفق بنك الاهداف الذي أنشيء في مدة سنوات دفعة واحدة. وتمر بضع سنوات اخرى لبناء بنك جديد يُمكّن من الاضرار الفعال بحماس في العملية التالية. وليس استقرار الرأي الآن على قصف اهداف نوعية في غزة أمرا لا شأن له حينما يكون القصد الى عقاب رمزي لاجل ردع، واحتواء الحادثة وانهاؤها في أسرع وقت ممكن. ومن المؤكد أصلا أن القادة العسكريين في غزة انتقلوا الى العمل السري بعد اطلاق الصواريخ فورا. فيجب أن يتم التقرير الآن هل تتجه اسرائيل الى "احراق" اهداف نوعية جُمعت بجهد كبير أو يحسن التحول الى الاهداف العقارية.

في حالة جو عاصف يوجد احتمال أكبر لأن يصيب هجوم على هدف نوعي يقع بالقرب من سكان غير مشاركين في القتال، أن يصيب اشخاصا لا صلة لهم باطلاق الصواريخ ويجر المنطقة الى جولة قتال اخرى لا حاجة اليها. ولا يجوز الاستخفاف ايضا بتقدير تعطيل فرح عيد المساخر. فلاسرائيل طريقة لعقاب الجهاد الاسلامي وردعه في الايام العادية ايضا. والتصفيات المركزة لاولئك الذين وقفوا وراء رشقة اطلاق الصواريخ هذا الاسبوع هي خيار دائما. فقد فقد الشخص الذي كان مسؤولا عن اطلاق القذيفة الصاروخية الاخيرة على ايلات بعد ذلك باسبوع رجليه في تصفية مركزة من الجو.

إن كل التقديرات العسكرية لا يمكن أن تحل محل إقرار سياسة نحو القطاع لأن الوضع هناك أخذ يتدهور. وسيكون في غزة انقطاع للكهرباء مخطط له مدة ثماني ساعات بسبب نقص الوقود الذي ارتفع سعره ضعفين ونصفا ويبدأ ذلك من الاسبوع القادم. وارتفعت اسعار الغذاء عشرات الدرجات المئوية بسبب فروق الاسعار بين السلع الاسرائيلية والسلع المصرية. ولم تعد اجهزة تصريف الماء تعمل لأنه لا يوجد ما يكفي من الوقود للمضخات، ومواد البناء لا تدخل وارتفع سعر الاسمنت ثلاثة اضعاف وأصبح 70 ألف عامل بناء عاطلين. وارتفعت الجريمة الى مستويات لم تعهدها غزة من قبل. ويبتعد صيادو الاسماك ثلاثة أميال عن الساحل ويمسك بهم سلاح البحرية الاسرائيلي، وحينما يتجهون جنوبا يلاقون الاسطول المصري، فقد أصبح القطاع في غليان اقتصادي واجتماعي دائم.

بعد رشقة القذائف الصاروخية هذا الاسبوع أغلقت اسرائيل معبر السلع في كيرم شالوم وأوقفت زيارات عائلات السجناء، وهذه خطوة ستثير على حماس مجموعة ذات تأثير كبير في الشارع الفلسطيني. ولا يريد أحد أن يشغل نفسه بغزة: لا مصر ولا اسرائيل ولا العالم. وليس الامر أمر الانهيار الاقتصادي فقط بل الازمة السياسية التي دُفعت حماس اليها منذ كان سقوط الرئيس مرسي. إن غزة دُمل سينفجر في وجوهنا جميعا. وما زال من الممكن في جولة اطلاق النار الحالية الحديث عن تنفيس غضب، ويمكن النظر الى اطلاق القذائف الصاروخية على أسدود وعسقلان كأنه اطلاق من عدد من العُصاة يستغلون الفوضى في القطاع لضرب اسرائيل. لكن ذلك وهْم لأن الانفجار التالي لن يكون مجرد مسألة تنفيس غضب.