خبر تساؤلات الخليج الصعبة ..محمد السعيد إدريس

الساعة 11:34 ص|11 مارس 2014

منذ ما يقرب من أسبوعين تقريباً، وبالتحديد يوم الخميس (27 فبراير/شباط الفائت) نظم كلُّ من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالاشتراك مع "مركز الخليج للأبحاث" (جدة) أول ندوة مشتركة بين المركزين العربيين المهمين تحت عنوان "اتحاد دول الخليج العربية: آفاق المستقبل" الندوة عقدت في القاهرة بمشاركة نخبة من المفكرين والخبراء والأكاديميين المصريين والخليجيين (السعودية والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان)، وغابت دولة قطر عن المشاركة، وهذا الغياب كان له مغزاه ومدلوله . كان هدف الندوة هو تقديم رؤى علمية للمعوقات التي تعرقل وتؤجل الأخذ بدعوة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز (قمة الرياض 2011) تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى "اتحاد خليجي" ينهض بالعلاقات بين دول المجلس من إطار التنسيق والتعاون المحدود إلى إطار آخر أرحب من الاندماج في إطار اتحادي يحفظ لكل دولة خصوصياتها، لكنه ينهض بتحويل الدول الست إلى تكتل اقتصادي، سياسي، أمني، قادر على أن يصمد أمام التحديات وقادر على تحقيق الأهداف والطموحات .

في هذه الندوة أوضحت أن الانخراط في هذا المشروع الاتحادي "النبيل" في هذه الظروف الخليجية والعربية والإقليمية شديدة الصعوبة التي تواجه فيه الدولة الوطنية أو "الدولة القطرية" العربية تهديدات وجودية في ظل تنامي دعوات التقسيم أو إعادة التقسيم، وتصاعد التهديدات الإرهابية والصراعات الطائفية التي تتهدد وتستهدف كيان ووحدة دول عربية كثيرة تكاد تكون "سباحة ضد التيار" . لم أقصد أن أكون متشائماً ازاء هذه الدعوة ولكن كنت أتعمد إثارة الهمم لتحويل دعوة الاتحا من إطارها الأخلاقي والتبشيري إلى الإطار "العملياتي"، بالتوجه الفعال نحو عمليات التوحيد والاتحاد التي يجب أن تبدأ بتوفير "الإرادة السياسية الاتحادية" أو الإرادة السياسية الاندماجية، هذه الإرادة تعبر عن امتلاك الرؤية العلمية اللازمة لنجاح عملية الاتحاد، وأولى خطواتها أن تتحول إلى "عملية" (Proess)، بمعنى التدرجية المنظمة القادرة على تحقيق تراكم الفعل الاتحادي، والرؤى الاتحادية الرشيدة التي تشتمل على تحقق خمسة ادراكات .

أول هذه الادراكات الوعي بأنه لا توجد صيغة مقدسة وثابتة للاتحاد، أي البدء بذهنية منفتحة وغير مغلقة على كل النماذج والتجارب الاتحادية، وانتقاء الملائم منها للظروف السياسية والخصائص الخليجية، وما يناسب الجميع أو أغلب الدول المرشحة لعضوية الاتحاد . وثانيها، ضرورة توفير القدر الأكبر من الطمأنينة والثقة لدى الدول الأصغر بحيث لا تجور إرادة الكبير على الصغير، مع مراعاة عدم تحويل مخاوف الصغير إلى عائق أمام الإرادة الجمعية، أي "التوازن العادل للإرادات" بين كل الأعضاء . وثالثها، البدء بما هو ممكن ومتفق عليه من الخطوات الاتحادية، وبما هو ضامن للطمأنينة والثقة، والقادر على التغلب على كل المخاوف والشكوك، ورابعها، التدرج الوظيفي والزمني، وأن تكون مشاركة كل دولة اختيارية في ما تراه مناسباً زمنياً لظروفها الآنية، بما يعني عدم لزوم مشاركة كل الدول الأعضاء في كل المؤسسات وكل الوظائف وترك الأمور اختيارية بحيث تقبل كل دولة بما يناسبها ويخدم مصالحها، وتؤجل المشاركة في ما تراه فوق طاقتها أو غير مناسب لظروفها، وخامساً وأخيراً، الإدراك الواعي بأن الاتحاد أو الاندماج أو التكامل ليس معادلة ربحية صفرية، يحصل فيها طرف على كل المكاسب ولا يحصل غيره على شيء، ولكنه معادلة الكسب للجميع "بقواعد عادلة" تكفل الرضا الذي هو أساس كل نجاح .

الأسئلة التي اهتمت بها الندوة المذكورة كانت كثيرة وتشعبت بين البحث في الأبعاد والدوافع السياسية، امتداداً إلى الدوافع الأمنية والأخرى العسكرية والاقتصادية من دون تجاهل لكل ما هو مثار من تحديات ومعوقات . وبقدر أهمية كل تلك الأسئلة ورجاحة وأهمية الإجابات عنها، فإن الخلاصة المهمة التي خرجت بها الندوة هي أن الوحدة الخليجية لا يمكن الفكاك منها، إذا كان هناك من يتدبر للمستقبل ويحتاط للحاضر وتحدياته في داخل كل دولة خليجية وعلى المستويين العربي والإقليمي، حيث يتعرض النظام العربي لواقع شديد الصعوبة الآن في ظل تداعيات موجة "الثورات العربية" وتعرض الأمن والاستقرار السياسي لدول عربية مركزية للخطر خاصة مصر وسوريا إضافة إلى ليبيا والعراق، وفي ظل سيولة أنماط التحالفات الإقليمية والدولية خاصة الدور الإيراني المتصاعد، والتقارب الأمريكي - الإيراني وما استتبعه من تقارب إيراني - تركي، وتقارب تركي - "إسرائيلي"، وتحالفات تركية مع جماعات إرهابية بمشاركة أطراف عربية .

هذه النتيجة المحصلة للندوة تواجه الآن اختباراً صعباً في ظل التطورات المتسارعة في أنماط العلاقات داخل دول مجلس التعاون الخليجي ابتداء من القرار الثلاثي (السعودي - الإماراتي - البحريني) بسحب سفراء الدول الثلاثة من قطر يوم الأربعاء الماضي (5 مارس/آذار الجاري) بسبب "عدم التزام الدوحة بما ثم التوافق عليه سابقاً" حسب البيان الذي صدر عن الدول الثلاث، ثم إصدار المملكة العربية السعودية قراراً باعتبار جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة وتنظيم النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) منظمات إرهابية .

القرار السعودي أعقب قرار سحب السفراء بأقل من 48 ساعة وهذا يعني أن المملكة تساوي بين الإخوان وهذه المنظمات التكفيرية الإرهابية الثلاث . ما يعني أن المملكة أضحت تتعامل مع "جماعة الإخوان" باعتبارها منظمة إرهابية، وهي المنظمة المدعومة أمريكياً وقطرياً ومن تركيا .

الخطوة السعودية ربما تعقبها خطوات مماثلة أخرى ما يعني أن التصعيد في الخلاف مع قطر هو الأرجح، خصوصاً أن الدوحة مازالت متمسكة بموقفها من خلال الترويج بأن "قطر حريصة على استمرار مجلس التعاون وعلى عضويتها فيه، وتحاول الحصول على موافقة من دول المجلس على حرية قرارها وعلاقاتها وممارساتها في ما لا يخص شؤون مجلس التعاون" . لكن بيان الدول الثلاث أوضح أن الخلافات مع قطر ليست حول مسائل خارج شؤون مجلس التعاون وبالذات المسألة المصرية، ولكن حول قضايا تخص الشؤون الخاصة بدول المجلس، وأن الدول الثلاث "بذلت جهوداً كبيرة مع قطر للاتفاق على الالتزام بمبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات وأفراد عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي ودعم الإعلام المعادي" .