خبر سيستمر الامريكيون على الاتصالات بايران .. برغم مشاركتها في سفينة السلاح .. هآرتس

الساعة 01:17 م|07 مارس 2014

بقلم: عاموس هرئيل

 

          (المضمون: لم تعد امريكا تتحدث عن محور الشر الذي تقوده ايران بل عن احتيال بين معسكرات الصقور في منطقة الشرق الاوسط لحماية مصالحها حتى لو اقتضاها ذلك التعاون مع ايران - المصدر).

 

          جاء الكشف عن سفينة السلاح الايرانية التي اعترضها مقاتلو الوحدة البحرية 13 في البحر الاحمر، في ذروة خلاف أخذ ينشأ بين القدس وواشنطن. وهذا الجدل هو نتيجة حتمية تقريبا للاتفاق المرحلي الذي وقعت عليه طهران والقوى العظمى في جنيف في تشرين الثاني لكف البرنامج الذري الايراني. وبرغم أن التنسيق الامني والاستخباري بين الولايات المتحدة واسرائيل مستمر كالعادة (فقد أجاز البيت الابيض في يوم الاربعاء أن معلومات استخبارية مشتركة بين الدولتين أفضت الى التعرف على السفينة الايرانية)، فانه ينشأ جدل في مسألة نوايا ايران والصورة التي ينبغي العمل بها على مواجهتها.

 

          تحفظت اسرائيل من التنازلات المبالغ فيها في رأيها، التي قامت بها الولايات المتحدة في الاتفاق المرحلي دون مقابل كاف من ايران، لكن دعاواها لا تقف عند هذا فهم في القدس يخشون لا من أن الادارة الامريكية مستعدة لمصالحات اخرى فقط بل من أن يكون الرئيس براك اوباما ومساعدوه قد أقنعوا أنفسهم بأن هجوم ابتسامات الرئيس الايراني حسن روحاني تعبر عن تغيير حقيقي في توجه طهران وأنه سيكون من الممكن بعد ذلك تخفيف العقوبات وتمكين الايرانيين من الدخول من جديد في نادي الدول ذات الشرعية حتى لو كان ذلك من الباب الخلفي. ويبدو أن الولايات المتحدة أصبحت تبحث بحثا فعالا عن مجالات تلاقي مصالح مع ايران آملة أن تجندها الى جانبها كلما كان ذلك الامر يخدم المصلحة الامريكية.

 

          بدأ الشك الاسرائيلي بعد التوقيع في جنيف فورا. وقد يشهد النشاط الذي أظهرته الادارة الامريكية لاحباط المبادرة الى سن قانون جديد التي قادتها الايباك في مجلس النواب الامريكي (بتشجيع اسرائيلي صامت)، لاعداد موجة جديدة من العقوبات على ايران، قد يشهد على التزام شفهي أعطاه الامريكيون للايرانيين قبل التوقيع على الاتفاق. وكذلك تُستقبل التصريحات الحازمة التي تصدر عن واشنطن صبح مساء وتتعلق بالحاجة الى منع ايران من الوصول الى القدرة الذرية، في شك كبير في القدس. وقد قدم وزير الخارجية الامريكي جون كيري على ذلك مثالا جيدا في هذا الاسبوع في خطبته في مؤتمر الايباك. فقد التزم في الحقيقة أن الولايات المتحدة تعتقد أن عدم وجود صفقة نهائية مع ايران أفضل من صفقة سيئة، لكنه أوضح في الوقت نفسه للجمهور الاضرار المتوقعة لعمل عسكري لضرب المواقع الذرية. فقد نُسي الخيار العسكري الامريكي إن كان قد وجد أصلا منذ زمن. وسيفي اوباما بوعده، فهو سيتحقق من ألا يكون لايران سلاح ذري في مدة ولايته، أي حتى كانون الثاني 2017 لا أقل ولكن لا أكثر بيقين.

 

          لم تعد امريكا تتحدث منذ زمن عن محور الشر بل عن مداورة مركبة بين معسكرات الصقور الكثيرة في الشرق الاوسط. وهي ترى اللاعبين الجدد في القيادة الايرانية وروحاني في مقدمتهم، تراهم شركاء عقلانيين يمكن التعاون معهم وقت الحاجة. وتستطيع الولايات المتحدة في الحقيقة أن تستعين بالايرانيين في قضايا اقليمية كثيرة لهم تأثير فيها. وقد تسهم ايران في إقرار الوضع في افغانستان بعد استكمال خروج القوات الامريكية من هناك في نهاية السنة، وطهران هي صاحبة أكبر تأثير في الحكومة الشيعية في العراق؛ وايران أولا وايران قبل كل شيء هي جهة ينبغي أن يُحسب لها حسابها في سوريا. فلولا دعمها ودعم روسيا لنظام بشار الاسد، لاستسلم الرئيس منذ زمن لمئات منظمات المتمردين الذين يعملون على اسقاطه. وقد تم وزن امكان ضم الايرانيين الى المباحثات في جولات المباحثات الاخيرة في مستقبل سوريا التي أجريت في سويسرا هي ايضا.

 

          إن علامات تغيير ما في التوجه الامريكي نحو سوريا تتصل في الأساس بزيادة قوة الفصيلتين الرئيستين المنسوبتين الى القاعدة وهما داعش وجبهة النصرة. وقد قال رئيس الاستخبارات الامريكي الجنرال جيمس كلابر في المدة الاخيرة في شهادته أمام مجلس النواب إنه تُصاغ خطط في المنظمات التي تعمل بوحي من القاعدة في سوريا، لاجراء عمليات جديدة على ارض الولايات المتحدة. ويسأل الامريكيون أنفسهم مؤخرا كما هي حال دول غربية اخرى: أيهما أفضل: هل انتصار الحلف القاتل بين الاسد وايران وحزب الله في الحرب الاهلية أم انتصار المعارضة التي قد تُحكم في سوريا دولة شريعة اسلامية على مذهب الاسلام السني المتطرف تكون استمرارا لما يحدث الآن في أجزاء ما في جنوب العراق. فاذا كان الامكان الثاني اسوأ فقد لا تكون ايران منبوذة نبذ كراهية. وعلى هذه الخلفية أصبحت تُنشر تقديرات تتعلق بتبادل معلومات استخبارية يجري بصورة غير مباشرة بين حزب الله وهو عضو في المعسكر الشيعي المعادي وبين رجال استخبارات غربيين. ففي مكان يظهر فيه فجأة ما يبدو أنه شيطان أكبر، لن ترفض امريكا بالضرورة تعاونا محدودا مع أعداء الأمس ايضا. ويبدو هذا كله من وجهة نظر اسرائيلية مثل محاولة سيئة جدا لتدريج الأشرار: فالمعسكران من وجهة نظر اسرائيل مرفوضان بنفس القدر.

 

          إن تصريحات رئيس الوزراء ووزير الدفاع بعد ضبط السفينة أبرزت مشاركة ايران في القضية لأن سوريا لاعبة ثانوية فقط. إنها في الحقيقة مدت بالصواريخ التي كان يفترض أن تصل آخر الامر بطريقة غير مباشرة معوجة الى قطاع غزة، لكنهم في "أمان" يظنون أن السوريين جُندوا للعملية ليكونوا تغطية في الأساس، فقد كان دورهم أن يطمسوا على الأيدي الحقيقية وراء الشحنة المرسلة كما كان الاسمنت في الحاويات يرمي الى اخفاء الصواريخ ذات قطر 302 ملم.

 

          إن النجاح العملياتي والاستخباري المدهش للجيش الاسرائيلي بمساعدة الموساد يُترجم الآن الى خطاب سياسي. فقد أصبحت اسرائيل تستخدم ضبط السفينة لتُبين للغرب أنه لا يمكن الاعتماد على الايرانيين: فهم كما يستمرون على دعم الارهاب وتطوير صواريخ بعيدة المدى، فلن يحجموا عن خداع القوى العظمى للاستمرار على مشروعهم الذري. وقد كانت واشنطن كما قلنا آنفا مشاركة في تفاصيل العملية حتى في الوقت الذي أُعدت فيه. لكن في الوقت القريب سيعرض رجال استخبارات اسرائيليون المعلومات عن الوسائل القتالية التي تم ضبطها - وعمن يقف وراء تهريبها - على دول اخرى في الغرب ايضا. ومن المؤكد أن تنكر ايران وسوريا كل صلة بالسفينة، لكن يُشك في أن يستقبل المجتمع الدولي إنكارهما بتصديق كبير.

 

          أشار وزير الدفاع موشيه يعلون الى أن الهدف النهائي للتهريب كان الجهاد الاسلامي في غزة. وهذا تقدير معقول بسبب القطيعة بين حماس وسوريا وبينها وبين ايران لكن بقدر أقل، وبسبب الحرب الاهلية في سوريا والمذبحة التي ينفذها نظام الاسد في معارضيه. وعلى كل حال من المحتمل أن المهربين كان سيصعب عليهم نقل السلاح الى القطاع بسبب الضغط الذي تستعمله مصر في المنطقة الحدودية في رفح ونشاطها للكشف عن الأنفاق وتدميرها. ففي هذا الاسبوع أخرجت محكمة في القاهرة حماس خارج القانون في مصر، وهذه شهادة اخرى على التوتر الضخم بين مصر وغزة. إن ضغط حكم الجنرالات في القاهرة يُخرج حماس عن توازنها – وهذه الجبهة ايضا حساسة برغم الهدوء النسبي الذي يسودها الى الآن.

 

          إن اعتراض السفينة بالقرب من سواحل السودان خطوة مُتمة لسلسلة الهجمات الجوية المنسوبة الى سلاح الجو الاسرائيلي على الحدود بين سوريا ولبنان منذ أكثر من سنة. وتعمل اسرائيل في جميع الاحوال بعيدا عن حدودها لاحباط نقل سلاح يمكن من وجهة نظرها أن يعرضها تعريضا جوهريا للخطر. وحينما يُكشف عن محاولة لادخال سلاح في ضمن قائمة مغلقة من الوسائل المتقدمة (ولا سيما البعيدة المدى) ليكون قريبا منها، تتدخل. وهذا هو جوهر "المعركة بين المعارك" التي عرّفها الجيش الاسرائيلي حتى قبل نشوب الربيع العربي. وقد أُعطيت التقارير الصحفية عن هجمات اولى في السودان في 2009 لكن يبدو أنها اتسعت منذ ذلك الحين في ظل الاضطراب الاقليمي العام.

 

          هناك تذكير آخر بتعقد الواقع الجديد حُصل عليه في اليوم نفسه باحباط محاولة وضع شحنة ناسفة في الحدود السورية. ينسب الجيش الاسرائيلي محاولة العملية الى نظام الاسد بمساعدة من حزب الله كما يبدو. ويُفسر ذلك بأنه محاولة لتصفية حساب بسبب الهجوم الجوي الذي نسب الى اسرائيل قبل اسبوع ونصف في البقاع اللبناني. فقد أعلن حزب الله بأنه سينتقم – وتساءلوا في اسرائيل ألن يشعر الامين العام لحزب الله حسن نصر الله بأنه يلتزم العمل أكثر من الرئيس الاسد الذي ضبط النفس بعد سلسلة طويلة من الهجمات الجوية.

 

          قال رئيس هيئة الاركان بني غانتس في الشهر الماضي إن اسرائيل تلقت تحذيرا من تضعضع الوضع في الحدود السورية في منتصف 2011 حينما حاول متظاهرون فلسطينيون وسوريون اجتياز الجدار في هضبة الجولان في ذكرى النكبة والنكسة. ومنذ ذلك الحين حسّن الجيش جدا استعداده على طول الحدود فقد انشأ من جديد الجدار القديم ووضع قوات نوعية معززة وانشأ مؤخرا ايضا فرقة ميدانية جديدة مختصة بعمليات الامن الجاري. وقد آتى هذا الجهد ايضا ثمراته هذا الاسبوع لكن يمكن أن نخمن أن توجد بعد ذلك محاولات عمليات اخرى – من قبل النظام السوري ومن قبل منظمات المتمردين التي تسيطر الآن على نحو من 80 بالمئة من المنطقة شرقي الحدود مع اسرائيل.