خبر لقاء نتنياهو أوباما ... لا جديد

الساعة 07:28 ص|06 مارس 2014

اطلس للدراسات

قمة نتنياهو أوباما لم تحمل أي جديد على مستوى التصريحات، فنتنياهو - حسب أوباما - يسعى بشجاعة لإحراز السلام، ويجري مباحثات بناءة، وأمريكا ستبقى إلى جانب إسرائيل، تضمن أمنها في إطار الدولة اليهودية، وعلى عكس تصريحات أوباما لصحيفة "بلومبرغ" فقد أظهر في لقاءه المتلفز مع نتنياهو دفئاً وحرارة، ولم يتطرق لمواضيع الخلاف التي ينوي بحثها معه، أما نتنياهو فقد أصر في أن يعلن رغبته في الرد على تصريحات أوباما لبلومبرغ حينما قال أن شعب إسرائيل يتوقع منه الثبات والصمود، وهو تلميح واضح لرفضه انتقادات أوباما أو أي مطالبات لا تتماشى مع مواقفة المعلنة، كما ركز على أمرين: اتهام الفلسطينيين كرافضين للسلام، والموضوع الإيراني.

انتهاء اللقاء حسب الجدول الزمني، أي دون أي تمديد ودون أن يتبعه أي تصريح صحفي، ربما يعطي مؤشراً عن فشل أوباما في احراز أي تقدم في القضايا الخلافية، سوى الاتفاق ربما على ألا يستغل نتنياهو في اليوم التالي منصة مؤتمر الايباك للتصعيد الخطابي ضد أوباما، فنتنياهو بدا في ايباك على خلاف المرات السابقة أقل اهتماماً بمناكفة إدارة أوباما، وأكثر حزما في أمن اسرائيل ويهوديتها، والجديد أنه استخدم تعبيرات بيرس عن السلام، راغباً في تحميل كل اللوم على الطرف الفلسطيني، "الذي يرفض وضع حد لصراع دموي طويل، ويقابلون خطوات اسرائيل تجاه السلام بالانتحاريين وأعمال القتل".

المقاطعة وإيران شغلت حيزاً كبيراً في خطاب نتنياهو في الايباك، كما شغلت حيزاً في اللقاء مقاطعة المقاطعين واتهامهم باللاساميين، كان المطلب والشعار الذي أطلقه نتنياهو، وهو هدف عملت عليه حكومة نتنياهو، حيث شرعت القوانين، ويبدو أنه في أمريكا يقود حملة مشابهة ضد المقاطعين، حتى ان سكارليت جوهانسون وصودا ستريم وجدت لها مكاناً في خطابه، ومن المنتظر أن يكمل هجومه ضد المقاطعة في لقاءاته القادمة في لوس انجلوس مع مدراء شركات الهايتك ومع ممثلي هوليود، هجوم نتنياهو ضد المقاطعين ينبع من أمرين: الأول الخوف الحقيقي من أبعاد موجة المقاطعة، والثاني انه يجد فيها قضية توحد يهود أمريكا في تضامنهم مع إسرائيل، وفرصة لاتهام كل منتقدي اسرائيل بدوافع لاسامية.

كذلك الأمر بالنسبة ليهودية الدولة؛ فقد أفرد لها مساحات نوعية في تصريحاته وخطابه، حيث يستغلها بذكاء شديد، مستغلاً سطحية الاعلام والمتلقين وعدم رغبتهم التعمق في دراسة ونقد أبعاد وخلفيات مطلب الاعتراف بيهودية الدولة، فهو يقدمها للمستمع وكأنها رديفة لمبدأ اقامة الدولتين، وهو يعرضها ليعرض نفسه من خلالها كساعٍ للسلام، ويعرض الفلسطينيين كرافضين، ويستخدمها للاختباء خلفها والتهرب من استحقاقات السلام باعتبارها بالنسبة له شرط أولي للتقدم.

لا يمكن القطع بما دار بين الرجلين داخل الغرفة البيضاوية، في ظل انعدام التسريبات وشح المعلومات، لكن يبدو واضحاً أن ثمة اتفاق على يهودية الدولة، وتبادلية الأراضي، وعدم عودة اللاجئين، ولا زال الخلاف قائماً حول ما يتعلق بإطار حدود الـ 67، والقدس، وتجميد البناء في المستوطنات، والسيادة في الاغوار، رغم أن الامريكيين يتبنون في معظمها موقفاً منحازاً لإسرائيل على حساب الفلسطينيين.

أمريكا تتبنى مبدأ التسوية كمبدأ رئيسي في كل القضايا الجوهرية، تسوية في القدس الشرقية، وتسوية في موضوع السيادة، وتسوية في حدود الـ 67، وتسوية في موضوع الاستيطان، وهو مبدأ ظالم للفلسطينيين ويراعي مطالب الاحتلال، حيث يفترض بالطرفين قبول حلول وسط، وهو عملياً يطالب الفلسطينيين بالتسليم بوقائع الاحتلال، وأنهم سيحصلون على أقل مما يطالبون به في جميع قضايا المفاوضات، والقضية الوحيدة التي يغيب عنها مبدأ التسوية هي قضية اللاجئين.

إن ما ظهر أنه نفاذ صبر أوباما على نتنياهو من خلال تصريحات الأول حول عدوانية المستوطنات وزمن نفاذ حل الدولتين، ومطالبة نتنياهو بتقديم البديل إن لم يرغب بما تقترحه أمريكا؛ هو حقيقة يعبر عن انزعاج وغضب أمريكي من نتنياهو لم تستطع أن تطفئه برودة أجواء واشنطن، غضب نابع من رفض نتنياهو لكل ما تعرضه أمريكا رغم تحيزها الكبير وتبنيها المطالب الإسرائيلية، وهي تشعر انها مضطرة رغماً عنها لملء فيها بالماء والدفاع عن مصالح الاحتلال، والتنكيل بالفلسطينيين، والاصطفاف خلف اليمين الإسرائيلي، رغم إدراكها أن ذلك سيلحق ضرراً كبيراً لسمعتها، ويطعن في نزاهة وساطتها، وربما يضطر الفلسطينيين إلى تحديها ومجابهتها والبحث عن بدائل لاحتكارها رعاية المفاوضات.

لكن ورغم تهديدات أوباما، ومن قبله كيري، ورغم لاءات نتنياهو ورفض الفلسطينيين مبدأ يهودية الدولة؛ فإنه من المرجح أن أمريكا ستمضي قدماً في إعداد ورقة الإطار التي لا بديل عنها أمريكياً الا إعلان الفشل، ستسعى أمريكا قبل ذلك لممارسة المزيد من الضغوط على الفلسطينيين فيما يتعلق بيهودية الدولة والقدس، لكنها في كل الأحوال ستقدم ورقتها ربما في نهاية الشهر الجاري، ورقة هدفها ليس الحل، بل تأجيل إعلان الفشل وتمديد المفاوضات، ومما يرشح فإنها ستعتمد على محاولة التوفيق بين مطالب الطرفين، محاولة إبداء نوع من التوازن الظاهر، مثلاً أساس الـ 67 مع يهودية الدولة، مع السماح لكل طرف بتقديم تحفظ عام على بعض ما جاء في الورقة.

الرئيس عباس الذي بات يدرك ما ينتظره من ضغوط سيمارسها عليه أوباما في لقائهما في 17 الجاري، ويدرك أنه من الصعب عليه أن يكون هو، وليس نتنياهو، من يقول "لا" للمبادرة الامريكية، كما من الصعب أيضاً أن يقول "نعم" ويقدم تنازلات غير مسبوقة؛ يبدو أنه يبحث عن مطالب مستحقة للاستمرار في المفاوضات، مطالب هي بحد ذاتها تضع نتنياهو أمام اختبار صعب، اختبار يكشفه كرافض وكمتمسك بالاستيطان، فالرئيس سيطالب بتحرير المزيد من الأسرى وتجميد البناء في المستوطنات كأمر لا بد منه لاستمرار المفاوضات، مطلب تجميد البناء في المستوطنات أثناء المفاوضات كان مطلباً عادلاً وشرعياً في السابق، وهو اليوم أكثر استحقاقاً وأكثر شرعية، لا سيما بعد أن نشر مكتب الاحصاء الاسرائيلي أن المستوطنات زادت في العام الأخير بنسبة كبيرة جداً بلغت 123%.

تجميد الاستيطان، علاوة على شرعيته وعدالته، يشكل طوق نجاة للفلسطينيين، ويحظى بإجماع فلسطيني في حال كان التجميد كلي، ويلقي الكرة في الملعب الاسرائيلي والأمريكي، حيث سيكون من الصعب على أمريكا والغرب عامة اتهام السلطة وتبرئة نتنياهو.