خبر الفشل الأميركي المضمون برغم تشديد الجهود.. حلمي موسى

الساعة 07:20 ص|03 مارس 2014

تدخل المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الأيام القريبة مرحلة بالغة الخطورة جراء تدخل الرئيس الأميركي باراك أوباما شخصيا لإنجاح خطة وزير خارجيته جون كيري للتوصل إلى اتفاقية إطار أو إلى ورقة عمل تمدد مهلة المفاوضات. ومن المقرر أن يلتقي الرئيس أوباما اليوم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي وصل للعاصمة الأميركية للمشاركة في المؤتمر السنوي للوبي الصهيوني «ايباك». ومعروف أن أوباما سيلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد حوالي أسبوعين في البيت الأبيض أيضا لاستكمال مساعيه لإنجاز حل مبدئي قبل نهاية شهر آذار.
ويقر المطلعون على التفاصيل أن تدخل الرئيس أوباما جاء في مرحلة حرجة من المفاوضات بعد أن بدا أن وزير الخارجية يكاد يعلن الفشل جراء عدم نجاحه حتى الآن في نيل موافقة الطرفين، ولو المتحفظة، على أفكاره. ومن الواضح أن التراجع في تحديد الهدف المراد من المفاوضات عبر أكثر من أي شيء آخر عن هذا الفشل. فكيري بدأ مداولاته بهدف معلن وهو التوصل إلى اتفاق للحل النهائي، رغم كل التشكيك الذي أحاط به. ومع اصطدامه المتلاحق بانعدام التقدم في المفاوضات تحول الحديث إلى البحث عن اتفاقية إطار أو إعلان مبادئ ووصل أخيرا إلى الحديث عن ورقة عمل غير موقعة تشكل أساسا لاستمرار المفاوضات.
ومن المؤكد أن تدخل أوباما جاء ليشير إلى أن الجهود التي بذلها وزير خارجيته، والتي دفعت وزير الدفاع الإسرائيلي لوصفه بـ«المهووس» بسببها، لن تذهب هباء وأنه يقف من خلفها. غير أن أوباما في ولايته الثانية صار أكثر إدراكا لواقع أن السياسة لا تتحدد وفق المبادئ وإنما وفق موازين القوى. ولذلك فإن اقتراحات وزير خارجيته، التي ترفضها إسرائيل جوهريا، أقرب إلى الموقف الإسرائيلي منها إلى الموقف الفلسطيني في أهم جوانب أي اتفاق وخصوصا في مسائل القدس واللاجئين. ولا يقل أهمية عن ذلك أن خطة كيري جاءت لتأخذ أيضا بمواقف إسرائيلية تعجيزية مثل إلزام الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية وإقرار منح تعويضات «للاجئين اليهود من الدول العربية».
وبديهي أن السلطة الفلسطينية التي سبق لرئيسها الراحل ياسر عرفات أن رفض خطة كلينتون تجد نفسها اليوم في وضع بالغ الصعوبة يحول دونها والقبول بخطة كيري. إذ ان خطة كيري تقترب أكثر من الإسرائيليين الذين باتوا اليوم يخضعون لسلطة حكومة أشد يمينية وأكثر تدينا من حكومة إيهود باراك العمالية في العام 2000 حينما طرحت خطة كلينتون. وتجد السلطة نفسها أيضا في وضع أضعف على الصعيدين الوطني والإقليمي نظرا للانقسام الداخلي من جهة ولتفتت الموقف العربي من جهة أخرى. وهنا لا تكفي مواقف التأييد من جانب أنصار الفلسطينيين في بعض الدول وخصوصا الأوروبية ممن يدعون لمقاطعة إسرائيل اقتصاديا وثقافيا. فمثل هذا التأييد كفيل بتحقيق إنجازات بعد سنوات طويلة في حين أن المطلوب من دعم ملموس حاليا لا ينتظر التأجيل.
وأيا يكن الحال فإن المعطيات تشير إلى أن احتمال أن يبدي بنيامين نتنياهو مرونة سياسية في التعاطي مع المقترحات الأميركية ليس كبيرا حتى في حال اعتباره ذلك مناورة سياسية. فاليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يهيمن تقريبا على أحزاب الائتلاف الحكومي وعلى رأسها الليكود، لا يستطيع تحمل فكرة دخوله في مفاوضات حول تقسيم القدس أو تقبل فكرة قيام دولة فلسطينية على أكثر من 90 في المئة من الضفة الغربية. ومع ذلك لا يمكن اعتبار ذلك مستحيلا.
غير أن ملاحظة ما كانت قد وصلت إليه المداولات حول خطة كلينتون تظهر حجم الصعوبات التي تنتظر التوصل إلى أي اتفاق يقترب من تلك الخطة. ولأسباب مختلفة فإن ما يرضي الإسرائيليين يبدو وكأنه مستحيل أن يرضي الفلسطينيين والعكس صحيح. لذلك تتحدث وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية عن نوع من التشاؤم يتزايد لدى الإدارة الأميركية بشأن احتمال التوصل إلى اتفاق حتى نهاية الشهر الجاري.
وتحدثت صحف إسرائيلية عن نجاح الإدارة الأميركية في عدم إهمال المفاوضات الفلسطينية رغم حدة التطورات في شبه جزيرة القرم بين روسيا وأوكراينا وانشغال المسؤولين الأميركيين بهذه الأزمة التي لا يبدو أنها ستجد حلا لها في الأسابيع القريبة. ولكن ذلك لم يعن البتة أن كبار المسؤولين في البيت الأبيض والخارجية الأميركية متفائلون باحتمال تحقيق اختراق وتوقيع اتفاقية إطار حتى نهاية آذار.
وبحسب المصادر الإسرائيلية فإن التشاؤم الأميركي بدأ قبل أسبوع ونصف اسبوع عند لقاء وزير الخارجية كيري بالرئيس عباس في العاصمة الفرنسية. فقد خرج الرئيس عباس من ذلك الاجتماع غاضبا ونشرت صحف فلسطينية أن غضبه نبع من كون كيري عرض إنشاء العاصمة الفلسطينية في بيت حنينا وليس في عموم القدس الشرقية. وبديهي أن هذا تراجع أميركي حاد عن خطة كلينتون التي قضت بتقسيم القدس الشرقية عموما والبلدة القديمة خصوصا. وهذا ما دفع بمعلقين للقول ان محاولة الأميركيين للتوصل إلى اتفاقية إطار تكاد تقترب من المستحيل.
ويبدو أن أي محاولات لتمييع الصورة ستفشل بسبب أن المطروح اليوم هو كيف ستتواصل المفاوضات بشكل يحول دون إعلان فشلها. فإذا كان هناك إصرار على إبرام اتفاق أو ورقة عمل مرفوضة بهذا القدر أو ذاك من الجانبين في بنود مختلفة فإن الفشل مضمون وسيتجلى في عدم تنفيذ المرحلة الرابعة من الإفراج عن قدامى المعتقلين. أما إذا ابتعد الأميركي عن إصراره ووجد سبيلا لإنزال الجانبين عن سلم الاعتراض فإنه بحاجة إلى صياغة عمومية لا تتضمن اختراقا أو إجبار الطرفين على موقف قد يفجر وضعيهما داخليا ولا يتحقق منه شيء في نهاية المطاف.