خبر شك في أن يضبط نصر الله نفسه، خلافا للاسد.. هآرتس

الساعة 04:53 م|28 فبراير 2014

بقلم: عاموس هرئيل

          (المضمون: قد تكون للهجوم الذي وقع في الاسبوع الماضي على قافلة لحزب الله في داخل الارض اللبنانية نتائج تختلف عن نتائج الهجمات التي وجهت في الماضي الى قوافل سلاح في الارض السورية - المصدر).

          إن جبهة اسرائيل الشمالية أكثر حساسية الآن مما يبدو في وسائل الاعلام ومما يعرفه الجمهور. كانت الحكمة المعمول بها بين متخذي القرارات في الجانب الاسرائيلي تقول الى اليوم إن ما كان في الشمال هو ما سيكون بعد ذلك ايضا: فسيتدخل سلاح الجو الاسرائيلي مرة في كل بضعة اسابيع أو أشهر حينما يعاود رئيس سوريا بشار الاسد الحال التي كان عليها ويحاول أن ينقل منظومات سلاح متقدمة الى شركائه المقربين في حزب الله. سيتدخل سلاح الجو الاسرائيلي (بحسب مصادر اجنبية بالطبع) ويحبط الخطة. ولما كان الاسد مشغولا الآن بمشكلات اخرى في مقدمتها صراع البقاء القاتل الذي يقوم به في مواجهة المتمردين في سوريا، فان النظام في دمشق سيضبط نفسه في مواجهة الهجوم ويتظاهر بأن الحديث عن مطر يميز هذا الفصل. وبازاء حقيقة أن اسرائيل ايضا تحرص على عدم تناول تلك الواقعة علنا وبصورة مباشرة فان الطرفين يستطيعان الاستمرار على التظاهر بأن كل شيء على ما يرام والامتناع عن صدام مباشر.

          لكن حدث شيء مختلف هذا الاسبوع، فبحسب التقارير الواردة من لبنان كان الهجوم الأخير في ليل يوم الاثنين في الجانب اللبناني من الحدود. واعترف حزب الله الذي أنكر في البداية وقوع الحادثة، اعترف بعد يوم ونصف بأن اسرائيل هاجمت قافلة له واختتم معلنا باسلوب اسحق شمير: سنرد في الزمان والمكان الملائمين. وقد اقتبست المجلة الاسبوعية الامريكية "التايم" من كلام مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى مجهول قال إن هدف الهجوم كان صواريخ ارض – ارض حاولت سوريا تهريبها الى حزب الله. ونشرت الصحف اللبنانية تقارير مختلفة عن عدد القتلى في القصف – بين واحد الى اربعة من رجال حزب الله.

          لماذا يختلف هذا الهجوم عن الخمسة أو الستة التي سبقته ونُسبت الى اسرائيل في العام الماضي؟ لأن الهدف الذي هوجم هذه المرة كان لحزب الله بصورة واضحة. ولم يُصب رجاله فقط بل كان الهجوم لاول مرة في ارض لبنان. حينما يقع الهجوم في منطقة يسيطر عليها النظام في سوريا يكون اسهل على الاسد ومواليه الطمس على نتائجه. أما في لبنان فوسائل الاعلام أكثر حرية ويسارع عدد من الصحفيين ولا سيما مُعادي حزب الله الى نشر ما يعرفونه، هذا الى أن حزب الله جزء من الحلف الشيعي الذي تقوده ايران، وقد تكون تقديراته مختلفة شيئا ما. يبدو أنه ليس من الصدفة أن الهجمات السابقة وجهت الى قوافل سلاح وهي ما زالت على الارض السورية. فحرية حيلة الاسد للقيام بعمل مضاد مقيدة أكثر من حيلة حزب الله. وقد يكون استقرار الرأي على العمل في هذه المرة على ارض لبنان نتيجة ضرورة لوجود مواطنين بالقرب من القافلة في حين كانت ما زالت في الجانب السوري من الحدود، أو لمعلومات استخبارية جاءت وتم التحقق منها في آخر لحظة فقط، وقبل أن يوزع السلاح بين مواقع مختلفة في داخل لبنان.

          ضبط الاسد نفسه في الماضي في مواجهة ثلاث هجمات في داخل ارضه نُسبت الى اسرائيل قبل أن تنشب الحرب الاهلية في بلده بكثير وهي قصف المنشأة الذرية واغتيال مسؤول حزب الله الكبير عماد مغنية والجنرال السوري محمد سليمان. وأعلن حزب الله حسابا مفتوحا على إثر اغتيال مغنية في دمشق في شباط 2008. وأُحبطت منذ ذلك الحين 15 محاولة لضرب أهداف اسرائيلية في الخارج من قبل حزب الله وايران التي أرادت الانتقام لموت علماء الذرة فيها في عمليات نُسبت الى اسرائيل. ونجحت محاولة واحدة لحزب الله هي قتل خمسة سياح من اسرائيل وسائق حافلة بلغاري في عملية انتحارية في بورغاس في تموز 2012.

          لكن يُشك أن يكون الحساب قد أُغلق بذلك، من وجهة نظر المنظمة. فقد كشف "الشباك" قبل ذلك بشهر عن كمية كبيرة من المواد المتفجرة المختصة من طراز سي 4 في مكان خفي في الناصرة. ولم يُعرف من بثوا تلك المادة ومن كان يفترض أن ينقلوها لكنهم في الاستخبارات قدروا أنها كانت شحنة مرسلة هُربت من لبنان عن طريق قرية الغجر وكانت مُعدة لعملية اغتيال فنية لا لعملية انتحارية. وتمت تقوية الحراسة في المدة الاخيرة كما ورد في صحيفة "هآرتس" هذا الاسبوع حول مسؤولين اسرائيليين كبار بسبب تقدير أن حزب الله ما زال يبحث عن فرصة عملياتية لتنفيذ اغتيال. لأنه يوجد من وجهة نظر المنظمة جرح مفتوح آخر هو اغتيال المسؤول الكبير حسن اللقيس في قلب الضاحية في العام الماضي والذي تنسبه المنظمة ايضا الى اسرائيل.

          لم تنته المعضلة الاسرائيلية في الشمال ولم تُحسم في هذا الاسبوع. إن التوتر الذي يعلو ويهبط هو من مميزات هذه الفترة في ظل الزعزعة في العالم العربي. وقد قلّ جدا خطر حروب كبيرة مُدبرة مع جيوش عربية منظمة لكن زاد احتمال نشوب حرب محلية مع حزب الله في لبنان أو حماس في غزة أو حتى مع منظمات سنية متطرفة في سوريا ولبنان تجر الى صدام واسع النطاق.

          إن سياسة اسرائيل هي عدم الخروج لمعركة عسكرية واسعة لمواجهة زيادة قوة دولة أو منظمة عدوة (ما عدا عمليات احباط القدرة الذرية في العراق وسوريا). لكن تسلح حزب الله المستمر يزيد في حدة المعضلة. وقد قدر رئيس أمان اللواء افيف كوخافي في الشهر الماضي أن عدد الصواريخ والقذائف الصاروخية التي تملكها المنظمة الشيعية تزيد على 100 ألف، لكن ليست المشكلة هي الكمية فقط بل مدى الصواريخ وقدرتها. ويبدو أن الأكثر اقلاقا بين جميع منظومات السلاح في الجبهة الشمالية هو صاروخ الساحل – البحر يحونت الذي يُمكن من اصابة دقيقة جدا من مسافة 300 كم لا لسفن فقط بل لمواقع بنى تحتية في طول الساحل الاسرائيلي.

          في حديث مع صحفيين تم في غد الهجوم (لكنه نُسق قبل ذلك بوقت طويل) قال قائد قاعدة حيفا في سلاح البحرية العميد ايلي شربيط إن السلاح يعمل بالاعتماد على فرض عمل يرى أن كل منظومات السلاح التي تملكها سوريا قد انتقلت الى حزب الله ايضا. ويزعم الجيش الاسرائيلي أنه لا يملك معلومات استخبارية مؤكدة عن نقل صاروخ يحونت لكن هجومين على الأقل مما نُسب الى سلاح الجو في العام الماضي على ميناء اللاذقية في شمال سوريا كانا موجهين الى مخازن صاروخ يحونت. إن وجود صواريخ يحونت في حوزة حزب الله قد يشل النقل البحري الى اسرائيل في وقت الحرب وهو شيء كاد يحدث في حرب لبنان الثانية في 2006. وقد هدد الامين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطبة معلنة بأن منظمته سترد على فرض حصار بحري اسرائيلي آخر على بيروت (كما حدث في الحرب) باطلاق صواريخ على سفن تريد أن ترسو في "موانيء فلسطين". وصار حزب الله يملك صواريخ ساحل – بحر من انتاج الصين من الطراز الذي اصاب وكاد يغرق سفينة الصواريخ أحي حنيت في الحرب. فاذا نجح في أن يضع يده على صاروخ يحونت فان اسرائيل سترى ذلك مشكلة كبيرة.

          ليس من الصعب أن نخطط سيناريو يواجه فيه رئيس الوزراء نتنياهو برغم حذره الواضح استعمال القوة العسكرية منذ عاد الى الحكم في 2009، يواجه حيرة حاسمة. لنفرض أن الاستخبارات الاسرائيلية جاءتها معلومة عن تهريب ناجح لصاروخ يحونت الى لبنان، لكن يُعلم أن الصواريخ محفوظة في طبقة ارضية من مبنى مسكون في قلب بيروت – وهذه طريقة عمل معروفة لحزب الله والمنظمات الفلسطينية. فهل يتخلون أم يحبطون التهديد حتى لو كان ثمن ذلك احتمال خطأ يُحدث قتلا جماعيا للمواطنين؟ وحتى لو تم كل شيء كما ينبغي فان النجاح قد يأتي على إثره انتقام مجلجل من حزب الله.

       يعتمدون على ذلك

          برغم الأخطار في الشمال أدار وزير الدفاع موشيه يعلون في هذا الاسبوع نقاشا طويلا شارك فيه كثيرون في مسألة هدم بيت ساغي كايزلر في البؤرة الاستيطانية كيدا في السامرة. وسبق النقاش تحقيق أجراه رئيس هيئة الاركان الفريق بني غانتس.

          وكما أورد هنا حاييم لفنسون قبل اسبوع بنى كايزلر وهو نشيط يميني معروف بيتا جديدا في ظاهر البؤرة الاستيطانية شمالي رام الله واصلا بين كرفانين، ولما كانت السياسة المعلنة ليعلون هو أنه ينبغي هدم مبنى غير مرخص وغير مسكون، فقد اعتاد كايزلر أن ينام في البيت الذي ما زال في مرحلة الانشاء كي يُثبت زعم أنه قد أصبح مسكونا. وبرغم ذلك هدمت الادارة المدنية البيت في بداية شباط وأثارت عاصفة في حلقات المستوطنين وسلسلة زيارات مشايعة لكيدا من اعضاء كنيست من اليمين.

          عند يعلون توجه صارم لفرض القانون. فوزير الدفاع في هذه الشؤون "أصم" بالمعنى الجيد لهذه الكلمة. ولم يُضبط أحد مثله كما يبدو وهو في حفل مصادقة بين المال والسلطة أو وهو يودع اموالا في حسابات مصرفية خفية في الخارج. لكن وزير الدفاع من جهة اخرى ينظر الى رئاسة الليكود بعد نتنياهو ويتحدث الى المستوطنين والى الجناح الصقري الايديولوجي في الليكود. فكيف يسير بين قطرات المطر؟ إن اعلان مكتب الوزير بعد انتهاء استيضاح القضية مثال جيد على ذلك.

          استقر رأي يعلون على أن البيت غير مرخص ورد زعم المستوطنين أن الهدم كان انتقاما شخصيا من كايزلر وأعلن أنه يدعم ضباط الجيش الاسرائيلي والادارة المدنية والشرطة. لكنه اتفق في الوقت نفسه مع منسق اعمال الحكومة في المناطق اللواء يوآف (بولي) مردخاي على تأديب للضباط في الادارة المدنية بسبب خللين: الاول أنه في المباحثات السابقة عند الوزير عُرض الشأن في وثائق الادارة على أنه "هدم كرفانات"، في حين كان كايزلر قد وحدهما فجعلهما بيتا، وعرض صور غير محُدثة للمكان في النقاش المسبق عند الوزير. ويُبين الاعلان وكأنه بصورة عرضية أن يعلون شغل نفسه بهذه القضية الحرجة حتى قبل الهدم. فيجب أن نأمل أنه قد بقي له وقت هنا وهناك لمتابعة حزب الله ايضا.

          ومهما يكن الامر فان روح القائد تنتقل. إن يعلون بخلاف رفاقه في الليكود لم يتكمش بازاء حيلة المستوطنين الدعائية عن المظلمة التي وقعت بكايزلر. فهو يعرف الحقائق ويعلم أن انشاء البيت كان غير قانوني. لكن الوقت والطاقة اللذين خصصهما للحادثة أوحيا الى الجيش والى الادارة المدنية رسالة واضحة وهي أنه يحسن عدم مناوءة المستوطنين ولا سيما اذا كانت توجد عندهم قناة مباشرة الى مكتب الوزير، اذا لم يكن ذلك واجبا.

          اذا كان يبدو لكبار قادة الجيش في السنوات الاخيرة أنهم يحافظون على الهدوء الامني في الضفة كي يتيحوا للمستوى السياسي فرصة لحل الصراع بطرق سلمية فيبدو الآن – على خلفية مبادرة كيري خاصة – أن الامور انقلبت رأسا على عقب. فالى جانب الهدف العادل في حد ذاته وهو حماية أمن المواطنين الاسرائيليين فان الهدوء الذي يضمنه "الشباك" والجيش يُمكن من احراز هدف آخر وهو أن المستوطنين مستمرون على البناء بكامل النشاط وبتشجيع سافر من نتنياهو ويعلون.