خبر لماذا نرفض خطة كيري.. مصطفى الصوّاف

الساعة 10:03 ص|27 فبراير 2014

مصطفى الصواف

بعيدا عن الأسباب والتداعيات التي جعلت الإدارة الأمريكية في الفترة الحالية بوضع القضية الفلسطينية أولوية على أجندتها في أعقاب الاتفاق الذي وقع بين إيران ومجموعة 5+1 والذي أسفر عن تحجيم تخصيب اليورانيوم في المشروع النووي الإيراني ، وبعد أن نجحت الإدارة الأمريكية وفق ما تراه نجاحا في كل من العراق وأفغانستان كان لابد أن تسعى الإدارة الأمريكية للتقدم في الصراع الفلسطيني الصهيوني بعد أن تهيأت الظروف الإقليمية المحيطة بفلسطين وحالة الفوضى والضبابية التي تعيشها المنطقة بعد محاولة أمريكا والصهاينة من تشجيع الانقلاب على حالة الديمقراطية التي عاشتها مصر عقب ثورة يناير وإقصاء الشرعية المصرية المتمثلة بانتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر كأول رئيس مدني منتخب وما يحمله مرسي من فكر إسلامي ومشروع لإعادة الاعتبار لمصر كدولة قائدة واستعادة مكانتها في المنطقة الإقليمية وتصديرها للقضية الفلسطينية الأمر الذي اقلق أمريكا وإسرائيل وكذلك مشروع الديمقراطية ونجاح الثورات اقلق الرجعية العربية المتمثلة في السعودية والإمارات فكان تحالف الشيطان الذي نجح في إفشال التجربة الديمقراطية المصرية بالانقلاب العسكري للفريق السيسي وعودة حكم العسكر الذي نجحت الثورة في إسقاطه وإسقاط رأسه وفشلت في إنهاء النظام الحاكم في مصر والذي سرعان ما تحرك في إسقاط نتاج الثورة الديمقراطي.

الولايات المتحدة تحسن استغلال الظروف ووجدت أن البيئة الإقليمية لن تمر في مرحلة ضعف أكبر من هذه المرحلة وبعد أن أنهت الموضوع الإيراني ولو بشكل مؤقت حتى تلتزم إيران بالاتفاق ووقف التخصيب العالي كان لابد أن تلتفت إلى الموضوع الفلسطيني قبل بلورة تحالفات جديدة في المنطقة في غير صالح المصالح الأمريكية والكيان الصهيوني والإجهاز على المشروع الفلسطيني وحلم إقامة الدولة وتحقيق العودة للمهجرين الفلسطينيين الذين لازالوا يحلمون بالعودة ويحتفظون بأوراق الطابو ومفاتيح منازلهم وطرح مشروع للسلام كما يحلو للإدارة الأمريكية تسميته وهو في حقيقة الأمر مشروع لتصفية القضية الفلسطينية بما يحقق الأهداف الصهيونية ومشروع نتنياهو القائم على السيطرة على الأرض الفلسطينية كاملة وصولا إلى البديل الأردني والذي يعتبر به الصهاينة أن الأردن هو دولة الفلسطينيين وأن فلسطين هي دولة يهود كاملة وهذا هدف صهيوني بعيد الأمد بدايته مشروع كيري بعد أن فشل أوسلو في تحقيق الهدف الصهيوني.

لماذا نرفض خطة كيري؟

خطة جون كيري وزير الخارجية الأمريكية لا يحمل في حقيقة الأمر مشروعا للسلام حتى في حده الأدنى لو وافقنا محمود عباس وحركة فتح في مشروع الدولتين لشعبين ومساندة المبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت عام 2002 والتي شكلت انتكاسه حقيقية وعلنية تتبناها الدول العربية، هذه المبادرة التي كتبها خبير أمني سياسي أمريكي وتبناها مع الأسف الملك السعودي عبد الله واعتبرتها غالبية الدول العربية مشروعا للحل للصراع القائم على الأرض الفلسطينية.

نحن ومعنا جزء كبير من الشعب الفلسطيني وكل الأمة العربية والإسلامية إلا المستسلمين الخانعين المتصهينين من أمة العرب والمسلمين ممن لا ثقة لهم بمقدراتهم والمأسورين بنظرية التبعية والذل للغرب وأمريكا وهم فئة قليلة وإن كانت تملك القدرات الإعلامية والمالية المؤثرة على عقول المجتمعات العربية التي تعاني من ضعف في الذاكرة وضحالة في الثقافة وحالة من الجهل تجعل إمكانية السيطرة قائمة ما لم يقم الغيورين بحملة كي للوعي العربي والفلسطيني بشكل دائم مع تجنيد كل الإمكانيات.

خطة كيري قائمة على تحقيق المصالح الصهيونية وتتبنى الخطة التي طرحها نتنياهو في خطابه الأول الذي ألقاه يوم أن تولى الحكومة السابقة في بار ايلان والذي حدد فيه مشروعة القائم على ما يلي:

1- يهودية الدولة والقدس عاصمة الكيان الأبدية وهي غير قابلة للتقسيم ولن تكون جزءا من أي عملية تفاوض مع العرب أو الفلسطينيين.

2- لا عودة للاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين التاريخية التي هُجروا منها خلال حرب عام 48 مع إمكانية إعادة بعض آلاف منهم إلى الدولة الفلسطينية المرتقبة والناتجة عن أي عملية تفاوض.

3- الحدود مع الأردن ( غور الأردن ) هي حدود أمنية عسكرية الإسرائيلية لا يمكن إخلائها ويجب بقاء قوات الاحتلال على امتداد الحدود مع الأردن حماية لأمن الكيان وعدم ثقة الاحتلال بالفلسطينيين والأردنيين أو أي طرف آخر حتى لو كان الأمريكان أو حلف الناتو.

4- لا عودة إلى حدود عام 67 وإبقاء المستوطنات في الضفة الغربية مع إمكانية إجراء تبادل أراضي وليس كل الأراضي ، فالاحتلال يريد القدس وما حولها وفي نفس الوقت يريد التخلص من الكثافة السكانية الفلسطينية في فلسطين المحتلة من عام 48.

هذه هي خارطة الطريق التي رسمها نتنياهو والتي يتبناها كيري في خطته لتصفية القضية الفلسطينية مع إدخال بعض الرتوش والتعديلات هنا أو هناك بما يحفظ ماء وجه السلطة ومحمود عباس ويقلل من تحفظات الجانب الصهيوني.

كيري لا يطرح اتفاق، وما يطرحه أتفاق إطار، واتفاق الإطار يعني أن ما يتم التوقيع عليه هو مجموعة مبادئ كلية والجزئيات يتم التفاوض عليها وهذا يعني أطالة أمد التفاوض بين الجانبين مما يشكل عملية تفاوضية تتعثر عند كل نقطة وان السنوات التدريجية الثلاث التي يقبل بها عباس ستكون أشبه بالسنوات الخمس التي شملها اتفاق أوسلو بعد التوقيع كتاريخ لإعلان الدولة الفلسطينية والتي لم تتحقق رغم وعود الرؤساء الأمريكان .

تجهيل وضبابية

حتى اليوم لا يوجد مصدرا رسميا يمكن أن يتحدث عن محتويات خطة كيري وكل ما يتداوله الإعلام هو معلومات مسربة عبر وسائل إعلامية صهيونية غير مؤكدة حتى مصادر رسمية صهيونية على أي مستوى سياسي ، والجانب الفلسطيني يؤكد في كل مرة انه لم يقدم له أي خطة أو مشروع وان كل اللقاءات ما يتم فيها حديث ولم تقدم أي ورقة للجانب الفلسطيني أو الجانب الإسرائيلي وان اللقاء لم تتبلور عن خطة مكتوبة وحتى ما يصرح به كيري نفسه والمصادر الأمريكية تقول أن كيري يبلور خطة وفق الرؤية الأمريكية لفرضها على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ولا خيار لهم إلا القبول بها وليطرح كل فريق تحفظاته على الخطة لا رفضها، وسمعنا جميعا عن التهديدات سواء للسلطة وهي التي تتأثر بها سواء من الاتحاد الأوروبي أو من الإدارة الأمريكية والمتعلقة بالدعم المالي الذي يشكل شريان الحياة للسلطة ، أما الجانب الإسرائيلي فالمقاطعة لمنتوجات المستوطنين أو لبعض الأنشطة أو غيرها هي التي يلوح بها الأوروبيون والأمريكان والتي لا تشكل تهديدا وجوديا للكيان على عكس التهديدات التي تستهدف عباس ومشروعه.

مواجهة مشروع كيري

الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبعض العرب يسعون إلى إنهاء الملف الفلسطيني الصهيوني ولكل منهم حجته ومصالحة ولا نريد أن نفصل في هذا الأمر لأن الجميع وصل إلى ضرورة إنهاء القضية الفلسطينية بأي شكل حتى لو كان على حساب الحقوق الفلسطينية وثوابته وهؤلاء جميعا يدركون أن ما يعطل أي مشروع للتصفية والإجهاز على القضية الفلسطينية يقتضي القضاء على المقاومة الفلسطينية ويدركون أن بقاء المقاومة يعني عدم الاستقرار للكيان الصهيوني وعدم توفر الأمن وبقاء الكيان في عد استقرار فوصل هذا الثالوث إلى قناعة تامة بضرورة تصفية المقاومة، وهذا المراد تحقيقه من الحصار المصري لقطاع غزة والهادف إلى تجفيف منابع المقاومة ووقف وصول الأسلحة وأدواتها إلى القطاع فكانت حرب الأنفاق التي يشنها الجيش المصري والذي ينفذ مخطط أمريكي قديم بدأ في نهاية عصر مبارك وكلنا يعلم الجدار الحديدي واليوم السيسي يكمل هذا المشروع.

وفي سياق تدمير المقاومة يأتي التدبير لعدوان واسع وكبير على قطاع غزة مؤجل إلى حين الوصول إلى اللحظة المناسبة التي تمكن الاحتلال تحقيق هدفه الذي فشل فيه في العدوانيين السابقين وسيبقى مشروع تصفية المقاومة هدف يسعى إليه الاحتلال والثالوث سابق الذكر.

الوسائل

مواجهة مشروع كيري تتطلب تحريك القطاعات الشعبية والدبلوماسية والعربية والمقاومة، ونقول المقاومة كعنصر فاعل في دوائره المعتمد في الأراضي الفلسطينية مع إبقاء الباب مفتوح لتوسيع هذا الدائرة وهذا يعتمد على طبيعة المواجهة وتطوراتها.

يجب على القوى الفاعلة والرافضية لخطة كيري التصفوية العمل على تحريك الشارع الفلسطيني في كل أماكن التواجد لمواجهة خطة كيري وعدم الاكتفاء بتظاهرات موسمية أو في بعض المناسبات بل تحريك الشارع وخاصة في الأماكن المؤثر على الاحتلال تفعيلا جادا ومستمرا وإن أدى هذا الأمر إلى شهداء ودماء وهذا التفعيل مطلوب منه أن يصل إلى مرحلة الانطلاق بانتفاضة ثالثة مدعومة بتحرك في القطاع وأماكن اللجوء وتفعيل بعض الأحرار في العالم المؤمنون بحق الشعب الفلسطيني في دولته وتحرير أرضه.

ضرورة تفعيل المقاومة في الضفة الغربية كونها الأكثر قربا واحتكاكا مع العدو ومستوطنيه رغم حالة التضييق والملاحقة من قبل الاحتلال وأجهزة السلطة، لأن عنصر المواجهة المسلحة قادر على إفشال خطة كيري القائمة على الأمن والاستقرار للاحتلال ومستوطنيه.

المقاومة في قطاع غزة إلى جانب الفعاليات الشعبية متطلب ضروري للمواجهة وإفشال مشروع كيري وفق خطة محكمة من قبل المقاومة في تحديد الكيفية والطريقة والزمان والمكان والذي يحقق الأهداف المرجوة.

القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني يتعرض لمؤامرة كبيرة ستعطل مشروع التحرير لسنوات ولكننا على يقين أننا في نهاية المطاف منتصرون، وان خطة كيري ستمر كغيري من مشاريع التصفية للقضية التي أفشلها الشعب الفلسطيني بإرادته وتضحياته، وحصان الرهان لازال الشعب الفلسطيني والذي يشكل العنصر الأساس والأقوى في المواجهة مدعوما بمقاومته التي بها يتم إفشال كل هذه المشاريع والتي تشكل العمود الفقري الذي يعتمد عليه الشعب الفلسطيني في استرداد الحقوق وإعادة الأرض والإنسان، وهذا يتطلب تحرك الجميع وان ينهض الكل بمسئولياته كاملة في مواجهة المشروع الصهيوني وعدم الركون جانبا بدعوى أن هناك من يقوم مقامه.

لننهض جميعا في مواجهة خطة كيري بكل الوسائل المتاحة لدينا وهي ليست بسيطة بل عظيمة وقادرة على تحقيق الهدف وتحريك الشارع العربي والإسلامي رغم كل الضبابية والسواد الذي يغلف المنطقة وستكون القضية الفلسطينية هي العامل المهم في إنهاء هذه الحالة وأول الطريق نخو عودة الروح لفلسطين والمنطقة.