خبر اتفاقية الإطار ويهودية الدولة خطوات أخرى على طريق طويل.. حلمي موسى

الساعة 05:24 م|24 فبراير 2014

منذ اصطدمت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية بالمشاكل الحقيقية للقضية في قمة كامب ديفيد ومحاولات حل هذه المشاكل في مفاوضات طابا بدا لبعض الإسرائيليين أن جوهر المشكلة يكمن في رفض الفلسطينيين الاعتراف بحق اليهود في دولة في فلسطين. وحينما دخلت المفاوضات في عهد إيهود أولمرت مرحلة حاسمة بشقيها، أولمرت - أبو مازن وليفني - أبو علاء ظهرت للمرة الأولى فكرة اشتراط اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية للتوصل إلى اتفاق. وكان واضحا أن هذا الاشتراط يعني تعقيد المفاوضات المعقدة أصلا.

فالمفاوض الفلسطيني اعترف في إعلان المبادئ في أوسلو بإسرائيل وسبق له أن أبدى اعترافا بإسرائيل كأمر واقع لتسهيل الاتصال بالإدارة الأميركية منذ مطلع الثمانينيات. ولكن ذلك لم يكن كافيا في نظر الإسرائيلي الذي انتقل من مرحلة التساؤل والتجريب (عهد رابين) إلى مرحلة التشكيك (عهد إيهود باراك الذي سعى لـ"نزع القناع" حسب قوله) إلى مرحلة العرقلة (عهد نتنياهو). وفي كل مرحلة كان اشتراط الاعتراف من جانب الفلسطينيين بيهودية الدولة يعبر عن درجة مختلفة من درجات الرغبة في التوصل لاتفاق أو رفض ذلك.

ومن دون مبالغة يعتبر شرط الاعتراف بيهودية الدولة حاليا أحد أبرز العوائق أمام التوصل إلى اتفاق رغم أنه ليس الأبرز ولا الوحيد. فهناك مناقشة واسعة على أعلى المستويات في إسرائيل لهذا الشرط حيث يرفضه كثيرون، بينهم الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ورئيس الموساد السابق مئير داغان، ويعتبرون أن لا حاجة البتة له. ولكن من يصرون عليه، وبينهم تسيبي ليفني التي كانت بين أول من تبنوا هذا الشرط، يندرجون بين من يعقدون التسوية أو يرفضونها. ولكنهم جميعا يعتقدون أن اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة يعني إقرارا بحق اليهود التاريخي من ناحية وتنازلا عن حق العودة من ناحية أخرى.

وبديهي أن المفاوض الفلسطيني يرفض هذا المنطق ويراه ابتزازا يصعب القبول به لأنه بأثر رجعي وينفي عمليا مبررات النضال الوطني الفلسطيني. وفضلا عن أنه يحرم الفلسطيني من أمانيه وآماله ويمنع على الأقل من تبقى على أرضه من الفلسطينيين داخل مناطق 48 من المطالبة بحقوقه والإقرار بأنه غريب، فإنه يطالب الفلسطيني بتبني الرواية الصهيونية التي قادت لطرد أغلبية أهله من وطنهم. وقد حاول المفاوض الفلسطيني المحاججة طوال الوقت بأن إسرائيل لم تقم برضى فلسطيني واستندت إلى قرار للأمم المتحدة (التقسيم) لم تلتزم به أصلا ونالت اعترافات لا يجادل فيها. كما أشار إلى أن الدول حرة في تعريف نفسها دينيا والآخرون ليسوا ملزمين بالاعتراف بذلك، وأخيرا إن هذا الأمر ابتزاز لأن إسرائيل لم تشترط ذلك على الدول العربية، مصر والأردن، التي وقعت اتفاقيات سلام معها.

ولكن الأميركي الذي يساند الإسرائيلي غالبا في كل مواقفه مال على الأقل نحو هذا الاشتراط في مباحثاته من أجل التوصل إلى اتفاقية إطار. وقد أشار إلى ذلك كل من المبعوث الأميركي مارتين إينديك في لقائه مع زعماء اليهود في أميركا والسفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو. والأميركي يقول ذلك صراحة للإسرائيلي لكنه يحاول دس السم في العسل للفلسطيني من خلال البحث عن صياغات التفافية ذات طبيعة خداعية. ويحاول الأميركي إقناع الفلسطيني بأنه مقابل كلام سينال حقوقا على الأرض من دون أن يضمن البتة هذه الحقوق.

ولأن المفاوض الفلسطيني يدرك أن المساعي الأميركية لن تقود إلى تسوية، على الأقل في المستقبل المنظور، فإنه لا يريد أن يقدم تنازلا جوهريا وتاريخيا مقابل كلام إسرائيلي عن خطوط 1967 لا تعني شيئا في ظل مبدأ تبادل الأراضي الذي قام على أساس فرض وقائع على الأرض بالقوة. ومن الجائز أن هذه هي الإشكالية الأهم في نظر المفاوض الفلسطيني الذي يؤمن أن حكومة نتنياهو غير جاهزة لا لتقسيم القدس ولا للعودة إلى حدود 67 ولا حتى لمبدأ الدولة الفلسطينية القابلة للحياة. ولهذا فإن العمل ضمن هامش مناورة محدود في ظل ضعف فلسطيني فاضح وبيئة إقليمية عربية مشتتة يجعل مهمة التصدي للجهد الأميركي بالغة الصعوبة.

فأميركا تمسك بالسلطة الفلسطينية من خناقها عبر إمدادات الدول المانحة وتجعل الخيار عسيرا. والوقت ينفد ولا إشارات واضحة حول تبدل أجواء في الأفق. وهذا يجعل الرهان من جانب قيادة السلطة على الرفض الإسرائيلي كبيرا. لكن في بعض الجوانب يبدو الموقفان الإسرائيلي والفلسطيني من بنود اتفاق الإطار وكأنهما صورة مرآة. كل طرف لا يستطيع هضم هذا البند أو ذاك لكنه يخشى اتهامه بأنه أفشل المفاوضات، ويكون عليه بالتالي تحمل العواقب، لذلك، فإنه يناور منتظرا أن يُفْشِلَ الطرفُ الآخرُ الاتفاقَ قبله.

عموما، هناك جهات تعتقد أنه رغم كل ما تقدم، من الجائز أن يتوصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى اتفاق إطار مقبول ظاهريا لدى الطرفين ومرفوض عمليا جراء جملة التحفظات. وتؤمن هذه الجهات أيضا أنه إذا حدث ذلك فإن الأمر لا يعني اقتراب التسوية وإنما يعني إطالة أمد التفاوض بانتظار حدوث معجزة أو تغيير ظروف إقليمية ودولية. وبكلمات أخرى، فإن اتفاقية الإطار، إذا تم التوصل إليها لن تختلف كثيرا عن اتفاقيات أوسلو التي تدور المفاوضات على بنودها منذ التوقيع عليها قبل أكثر من عشرين عاما.