خبر ماذا أعدّ الفلسطينيون لليوم التالي؟ .بقلم: طلال عوكل

الساعة 09:31 ص|24 فبراير 2014

الأشهر السبعة التي مضت على بدء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية كانت أكثر من كافية لكي يخرج الرئيس محمود عباس بتصريح لا يخلو من الغضب ولغة التحدي، يعلن من خلالها فشل الجهود الأميركية حتى الآن في تحقيق أي تقدم.

تصريح الرئيس عباس جاء بعد لقائه وزير الخارجية الأميركي جون كيري في باريس في التاسع عشر من هذا الشهر، وكان ربما ينتظر من كيري صيغة مقبولة، لاتفاقية اطار تسمح بتمديد المفاوضات، التي سبق أن أعلن استعداده لقبول تمديدها في حال كانت هناك فائدة من ذلك.
إذا كان الأميركيون معنيين بأن لا يقفلوا ملف المفاوضات على فشل، سيؤدي إلى توسيع مساحة الصراع والاشتباك، فإن عليهم أن يبحثوا عن الثمن الذي يجعل الفلسطيني يوافق على تمديد المفاوضات، مع أن تمديدها لا ينطوي على جدوى إن كان الهدف التوصل إلى تسوية مقبولة ومستقرة.
الثمن الذي على الأميركي أن يفكر في الحصول عليه من إسرائيل، يفترض واقعياً أن يكون من خارج ملفات التفاوض، التي لم تتحرك مواقف الإسرائيليين إزاءها قيد أُنملة إلاّ في اتجاه المزيد من التعنت، والمزيد من الشروط.
لا ينبغي للأميركي، الذي يدير المفاوضات، أن يتوقع من الفلسطيني القبول بتمديد المفاوضات، بذريعة، الانتخابات التشريعية النصفية للكونغرس، والتي يسعى الحزب الديمقراطي لتعزيز مكاسبه منها، فسواء كان يملك فيها الأغلبية أو الأقلية فإن الأمر سواء بالنسبة للفلسطيني الذي يتأكد يوماً بعد آخر حقيقة أن الحزب الديمقراطي الأميركي تاريخياً هو الأكثر دعماً لإسرائيل، والأشد التزاماً بأمنها ومصالحها والأكثر إخلاصاً للتحالف، رغم التصريحات المجنونة التي تصدر عن مسؤولين إسرائيليين ضد كيري وإدارة أوباما.
التصريحات التي تصدر عن مجانين السياسة الإسرائيلية ضد كيري ومنها اتهامه بالانحياز للفلسطينيين، ينطوي على قدر من العنجهية، والاستهتار الذي يصل إلى حد الاستهانة بإدارة أوباما، التي تلقت فيما مضى العديد من الإهانات، لم تتلق عنها الردود المناسبة، بل أدت إلى تراجع الإدارة الأميركية عن مواقفها المعلنة.
كفلسطينيين ليسوا معنيين بالانتخابات الأميركية، لا النصفية، ولا الشاملة ولا حتى الرئاسية، فلقد جربوا الكل، جربوا الديمقراطيين، وجربوا الجمهوريين والنتيجة واحدة، وهي أن أميركا لا يمكنها أن تتخلى عن حليفتها الاستراتيجية والتاريخية، ولا ترى لها سياسة خاصة تخرج عن اطار السياسات الإسرائيلية.
في الواقع فإن كيري الذي يحلم بأن يستغل الظروف العربية والفلسطينية الصعبة لفرض تسوية يقبلها الفلسطينيون، قد وضع هو قبل غيره حجر الأساس المضمون لإفشال مساعيه، تبنى الشرط الإسرائيلي القائل بيهودية الدولة.
اعتلى كيري الشجرة، وهو غير قادر وربما غير مقتنع بالنزول عنها، حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى إفشال التسوية التي يسعى وراءها، فهو لا يستطيع مخالفة الأسس التي تقوم عليها السياسة الأميركية، ومنها قضية يهودية الدولة، لكن ربما يمكن للفلسطينيين أن يستعموا لكيري وأن يتعاطوا مع أفكاره لو كانت المشكلة في الموقف الأميركي تتصل بشرط يهودية الدولة، غير أن المشكلة أكبر وأوسع من ذلك بكثير وهي تطال كل الحقوق الفلسطينية، وكل ملفات التفاوض، وعلى نحو لا يفترق عن المواقف الإسرائيلية.
والحقيقة، أيضاً، هي أنه لا يوجد في إسرائيل على مستوى السياسة الرسمية من يخالف نتنياهو وعصابته الرأي، إلاّ ربما في قضايا ثانوية.
في الحكومة لا يوجد يمين ويسار، ووسط، الكل يتمترس حول مواقف يمينية متطرفة، تنضح بالعنصرية، وترفض التخلي عن فكرة مواصلة الاحتلال والسيطرة على الشعب الفلسطيني.
لو أخذنا على ذلك مثالاً، السيدة تسفي ليفني ابنة جهاز الموساد، وهي وزيرة العدل، والمسؤولة رسمياً عن ملف المفاوضات، وتوصف على أنها وسطية، والبعض يصنفها على أنها من المعتدلين، وهي، أيضاً، تابعت من موقع متقدم في السياسة الإسرائيلية المفاوضات التي جرت بين حكومة ايهود اولمرت، والجانب الفلسطيني.
تقول ليفني إنها تأمل في التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، وان طلب إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين هو طلب ممكن أن ينفذ وأن ينتهي عندما تتم إقامة الدولة المستقلة التي تكون الحل القومي لجميع الفلسطينيين.
تفسر ليفني ما تقصد بالحل القومي لجميع الفلسطينيين وهو المعادل اللغوي ليهودية الدولة، فتقول إنه ليس حلاً للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، انما هو حل للفلسطينيين في مخيمات اللاجئين وكل الفلسطينيين الذين يعيشون معنا كمواطنين متساوي الحقوق والذين سيكون الحل القومي لهم في الدولة الفلسطينية.
هكذا تقدم ليفني المفهوم والمضمون الإسرائيلي الأميركي، لشرط يهودية الدولة، أو الحل القومي، سيان، وهو يعني أن يوافق الفلسطينيون، ليس فقط على شطب حق اللاجئين في العودة، وإنما على منح إسرائيل الحق في طرد 20% من مواطنيها الفلسطينيين أصحاب الأرض، إلى الدولة الفلسطينية، التي لا تتسع، لمواطنيها الذين يناهز عددهم الملايين الخمسة.
وبالتوازي، تعبر السياسة الأميركية عن سذاجة منقطعة النظير حين تطلب من الدول العربية المضيفة للاجئين بأن يقدموا لها قوائم بأرقام ومعطيات كاملة حول أعداد الفلسطينيين، الذين يحضر لهم كيري جوائز ترضية بالتجنيس والاستيعاب أو/ و التعويض.
كيري يتصرف وكأن المسألة محلولة، أو قابلة للحل، ويأمل أن يوافق الفلسطينيون على تسوية، وفق المحددات والشروط الإسرائيلية الأميركية التي لا يمكن بحال القبول بها، مهما كانت النتائج المترتبة عن رفضها.
إزاء هذا الفشل الذي يتوقعه الكل وليس فقط الرئيس محمود عباس وطاقم المفاوضات الفلسطيني، يعرف الجميع بأن إسرائيل تخطط على المدى البعيد، وأنها تحضر البدائل لكل احتمال، وأنها تتوخى دائماً أن تكون في موقع المبادر الذي يربك الخصم، ويقطع الطريق على مبادراته، وأنها وفق الوقائع التي تواصل تأكيدها وتوسيعها، على الأرض قد تلجأ إلى خطوات انفرادية تربك الخيارات الفلسطينية.
الخيار الفلسطيني الذي يواصل الدكتور صائب عريقات تأكيده، هو أن الفلسطينيين في حال فشل المفاوضات، مستعدون للذهاب إلى الأمم المتحدة، بطلب الانضمام إلى مؤسساتها بما في ذلك محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، ولتشديد المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، قد يكون ذلك جزءا من استراتيجية فلسطينية لا نعلم تفاصيلها، ولكن ما نعلمه هو أن الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية لا بد أن ترتكز في الأصل على حوار وتوافق وطني استراتيجي، وعلى خطوات عملية، لتجميع أوراق القوة الفلسطينية، بما في ذلك وحدة المؤسسات الوطنية، والسؤال هو: أين نحن كفلسطينيين من كل هذا، ولماذا لا نبدأ بالتحضير، أم ان القيادة الفلسطينية ملتزمة بالتوقف عن أي تحرك، خلال فترة التفاوض، وليس فقط الالتزام بوقف السعي نحو الأمم المتحدة؟