خبر المد يتحول ضد إسرائيل ويسلمها إلى مزيد من النبذ والعزلة

الساعة 07:38 ص|24 فبراير 2014

جوناثان كوك* - (ذا بالستاين كرونيكل) 13/2/2014

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

نادراً ما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محاصراً سياسياً على هذا النحو. وتشير محنته إلى عجز اليمين الإسرائيلي عن الاستجابة للمشهد السياسي المتحول، سواء في المنطقة أو في العالم الأوسع. ويتلخص سياق متاعبه في التزامه في العام 2009 بدعم إقامة دولة فلسطينية، تحت ضغط من الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً، باراك أوباما. وكان ذلك تنازلاً لم يرغب أبداً في تقديمه، وواحداً ظل يندم عليه منذ ذلك التاريخ.

وقد استغل وزير الخارجي الأميركي، جون كيري، ذلك الالتزام بفرض إجراء محادثات السلام الحالية. والآن، أصبح نتنياهو يواجه احتمال "اتفاق إطار" وشيك، والذي ربما يتطلب منه تقديم المزيد من الالتزامات في اتجاه نتيجة يمقتها تماماً.

على الجهة الأخرى، لا يقدم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أي مساعدة. فبدلاً من التشبث بمواقفه الخاصة، أصبح يعرض المزيد من التكيف بثبات. وقد أخبر صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً بأن إسرائيل يمكن أن تأخذ وقتها وتستفيد من خمس سنوات لإزالة جنودها ومستوطنيها من قطعة رئيسية من الأراضي الفلسطينية، وادي الأردن. كما أن الدولة الفلسطينية سوف تبقى منزوعة السلاح، في حين يمكن لقوات حلف الناتو أن تبقى "لوقت طويل، وفي أي مكان تشاء".

تشكل الجامعة العربية شوكة أخرى في خاصرة نتنياهو. فقد التزمت بدورها بتجديد عرضها الذي كانت قدمته في العام 2002، تحت اسم مبادرة السلام العربية، التي وعدت إسرائيل بإقامة علاقات سلمية مع العالم العربي مقابل موافقتها على قيام دولة فلسطينية.

في الأثناء، يقوم الاتحاد الأوروبي بتضييق الخناق على الاحتلال بهدوء وعلى مهل. ويجاهر الاتحاد بانتظام بإدانته لنوبات جنون البناء الاستيطاني الإسرائيلي، بما في ذلك الإعلان الأخير عن بناء 558 وحدة استيطانية في القدس الشرقية. وفي الخلفية يلوح في الأفق فرض المزيد من العقوبات على بضائع المستوطنات الإسرائيلية. ويمكن أن تقدم المؤسسات المالية الأوروبية مقياساً مفيداً للمزاج السائد وسط الدول الثماني والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولعل من اللافت أن أعضاء هذه المؤسسة أصبحوا رواداً غير متوقعين لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، مع قيام جدول صغير وثابت من البنوك وصناديق التقاعد بسحب استثماراتها من إسرائيل في الأسابيع الأخيرة.

في معرض إشارته إلى أن حملات المقاطعة و"نزع الشرعية" بصدد التسارع والاتساع، حذر كيري من أن سياسة إسرائيل التقليدية أصبحت "غير قابلة للاستدامة" ولا يمكن تحملها. وتنسجم هذه الرسالة فعلاً مع ما يقوله العديد من قادة الأعمال الإسرائيليين، الذين ألقوا بثقلهم خلف الخطة الدبلوماسية الأميركية. ويعتقد هؤلاء أن إقامة دولة فلسطينية ستكون المفتاح لكسب إسرائيل مدخلاً إلى الأسواق الإقليمية المربحة وتحقيق النمو الاقتصادي المستمر. ولا بد أن يكون نتنياهو قد ارتبك من الأنباء التي أفادت بأنه كان من بين أولئك الذين قابلوا جون كيري للتعبير عن الدعم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي، كان شلومي فوغل، صديق رئيس الوزراء الحميم منذ وقت طويل.

ربما يفسر الضغط على هذه الجبهات المختلفة دعوة نتنياهو السريعة في نهاية الأسبوع قبل الماضي لكبار وزرائه من أجل وضع استراتيجية لمواجهة مد المقاطعة المتنامي. وضمت الاقتراحات في تلك الاجتماعات شن حملة إعلامية بكلفة 28 مليون دولار، واتخاذ خطوات قانونية ضد المؤسسات المقاطِعة، وتكثيف مراقبة جهاز الموساد الإسرائيلي للناشطين في الخارج.

على الساحة المحلية، يعاني نتنياهو -المعروف بتقديره العالي للبقاء السياسي ووضعه فوق كل الاهتمامات الأخرى، من رحلة صعبة أيضاً؛ حيث يجري تقويضه من على يمينه على يد خصومه ومنافسيه من داخل الائتلاف.

هذا الشهر، أثار زعيم المستوطنين، نفتالي بينيت، خصومة علنية مع نتنياهو، متهماً إياه بأنه خسر "بوصلته الأخلاقية" في المحادثات. وفي الوقت نفسه، غير أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية من حزب "إسرائيلي بيتنا" اليميني المتطرف، مساره بكشل درامي أيضاً؛ حيث أخذ يتملق جون كيري ووصفه بأنه "صديق حقيقي لإسرائيل". وقد جعلت حنكة ليبرمان غير المتوقعة في الحكم من اشتباكات ومماحكات نتنياهو مع الولايات المتحدة تبدو، حسب كلمات محلل محلي، "صبيانية وغير مسؤولة".

إن هذه الضغوط المتزايدة على نتنياهو هي التي ينبغي أن يفهم المرء في ضوئها سلوكه الذي يصبح خاطئاً باطراد -وكذلك تنامي الصدع مع الولايات المتحدة. ثمة مزيد من الانفصال الذي أوقع أضراراً أخرى في العلاقة مع أميركا والذي لم يهدأ منذ الشهر الماضي، في أعقاب الشتائم التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي ضد كيري. وفي الأيام الأخيرة، أطلق نتنياهو أوثق حلفائه في الائتلاف ليهاجموا كيري بعنف مرة أخرى، حيث وصف أحدهم تصريحات وزير الخارجية الأميركي بأنها "مسيئة وغير محتملة".

في الرد على ذلك، أرسلت مستشارة أوباما للأمن القومي، سوزان رايس، تغريدة على "تويتر"، عبرت فيها عن استيائها. وقالت إن هجمات الحكومة الإسرائيلية كانت "بلا أساس على الإطلاق وغير مقبولة". ثم تبددت لاحقاً أي شكوك بأنها كانت تتحدث باسم الرئيس، عندما امتدح أوباما "شغف كيري الاستثنائي ودبلوماسيته المبدئية".

لكن نتنياهو يبقى، رغم الإشارات الخارجية، أقل وحدة مما يبدو -وبعيداً كل البعد عن الاستعداد للتسوية. إن لديه الجزء الأكبر من الجمهور الإسرائيلي وراءه، بمساعدة من أباطرة الإعلام، مثل صديقه شيلدون أندلسون، والذين يساعدون في تعزيز الإحساس الوطني بالحصار ودور الضحية. لكن الأهم من ذلك كله هو أن لديه شريحة كبيرة من المؤسسة الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية إلى جانبه.

لقد تغلغل المستوطنون وحلفاؤهم الإيديولوجيون عميقاً في المراتب العليا في كل من الجيش و(الشاباك)، جهاز الاستخبارات الإسرائيلية السري. وكشفت صحيفة "هآرتس" هذا الشهر أخباراً مقلقة أفادت بأن ثلاثة من أربعة من رؤساء الشاباك الآن يتبعون هذه الإيديولوجية المتطرفة.

بالإضافة إلى ذلك، تستثمر عناصر قوية في داخل المؤسسة الأمنية مالياً وإيديولوجياً في دعم الاحتلال. وفي السنوات الأخيرة، حلقت ميزانية الدفاع لتسجل مستويات قياسية، بينما تستغل طبقة كاملة من كبار الجيش واقع الاحتلال لتبرير منح نفسها رواتباً ومعاشات تقاعدية مضخمة بشكل فاضح.

هناك أيضاً أرباح تجارية كبيرة تُجنى من الحالة الراهنة، بدءاً من صناعات التكنولوجيا الفائقة إلى الاستيلاء على الموارد. وقد أضيء ما هو على المحك مؤخراً بإعلان يقول إن الفلسطينيين سيضطرون إلى شراء اثنين من الموارد الطبيعية من إسرائيل بكلفة كبيرة -الماء والغاز- واللذين كان ينبغي أن تكون لديهم إمدادات كبيرة منها لولا الاحتلال.

مع وجود جماعات المصلحة هذه من خلفه، ربما يتمكن نتنياهو المتحدي من اتقاء شر الهجوم الدبلوماسي الأميركي عليه هذه المرة. لكن كيري ليس مخطئاً حين يحذر من أنه سيتبين على المدى الطويل أن أي انتصار للتعنت الإسرائيلي سيكون باهظ الكلفة على إسرائيل نفسها.

ربما لا تفضي المفاوضات الحالية إلى اتفاق، لكنها ستشكل مع ذلك نطقة تحول تاريخية. إن نزع الشرعية عن إسرائيل هو عملية جارية حقاً، والطرف الذي يلحق أبلغ الضرر بإسرائيل ليس سوى القيادة الإسرائيلية نفسها.

 

*حائز على جائزة مارثا جيلهورن الخاصة للصحافة. آخر كتبه "إسرائيل وصراع الحضارات: العراق، إيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط". و"فلسطين المتلاشية: تجارب إسرائيل في البؤس الإنساني".