خبر الاعتراف بيهودية الدولة يدين تاريخنا وينزع شرعية كفاحنا

الساعة 07:34 ص|24 فبراير 2014

أطلس للدراسات

كتب وقيل الكثير عن مخاطر الاعتراف بيهودية الدولة، واجتهد كثيراً الكتاب والمحللون بتعمق كبير في عرض المخاطر التي ينطوي عليها مثل هذا الاعتراف، الذي تصر على طلبه حكومات اسرائيل وإدارات البيت الأبيض، لكن ولأنه يعتبر الموضوع الأخطر المطروح بقوة على طاولة المفاوضات، ولأن الـ "لا القاطعة" الفلسطينية يبدو أنها لم تعد كذلك، ولأن بعض السياسيين يصرون على العبث والاستهتار بقضايانا المصيرية عبر إطلاق بالونات الفحص أو التمهيد أو التسويق لمخرجات "مبدعة" تتحايل على الاعتراف بيهودية الدولة بصيغ مبهمة؛ فإن الفلسطينيين جميعاً، شعباً وقوىً وقيادات وكتاب، عليهم مسؤولية التصدي لهذا المطلب وافشاله ورفضه، وفضح كل محاولات الترويج له بشكل أو بآخر، ويجب أن تصل رسالتهم القطعية المقنعة لكيري وللعالم أجمع، باعتباره أكثر من مجرد خط أحمر، بل جوهر الكينونة الفلسطينية.

منذ الثلاثين من مايو 2003 بات مطلب وشرط اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة يشكل اجماعاً اسرائيلياً، وحظى بمباركة وتبني الإدارات الأمريكية، وقد أدخلته حكومة شارون في ذلك العام باعتباره مطلباً ضمن التحفظات الأربعة عشر على "خارطة الطريق"، وقد أضيف هذا المطلب بين قوسين بعد بند خاص يطالب الفلسطينيين بالتخلي عن حق العودة، لذلك نظر إليه في حينه، ولا زال البعض ينظر اليه، إما باعتباره شرطاً تعجيزياً هدفه استجلاب رفض فلسطيني، كذريعة تتذرع بها الحكومات الاسرائيلية للتهرب من استحقاقات التسوية، أو اعتباره مطلباً لقطع الطريق على حق العودة وإسقاطه، وإسقاط ومصادرة الحقوق التاريخية لفلسطينيي الـ 48.

وسعت أمريكا وإسرائيل إلى تمريره وتسويغه وتسويقه باعتباره مطلباً عادلاً ورديفاً للاعتراف الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، والحالة هذه فليس المطلوب من القيادة الفلسطينية سوى الاعتراف بمبدأ حل الدولتين، دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني ودولة يهودية للشعب اليهودي، واعتبرتا أي رفض فلسطيني لهذا المطلب بمثابة رفض غير مقبول، وغير مفهوم، ويضع علامات استفهام حول النوايا الفلسطينية الحقيقية، وحول جدية القيادة الفلسطينية ورغبتها في التوصل لسلام ينهي النزاع، ويقوم على أساس دولتين لشعبين.

يعتبر نتنياهو رئيس الحكومة الأول في اسرائيل الذي يفهم ويوظف هذا المطلب في سياقة الأيديولوجي التاريخي التوراتي، وهو يستخدم كلا القدمين الخاصتين بهذا المطلب، القدم السياسية للمناورة ونصب الفخ بإحكام في تحديه للرئيس عباس أن يلفظ أربع كلمات (أوافق على إقامة دولة يهودية) لإظهار أبو مازن على أنه رافض لمبدأ حل الدولتين، وهو من جهة أخرى يستخدم ويوظف القدم التوراتية الأيديولوجية والتاريخية عندما يشرح للعالم ببلاغة لغوية الحق التاريخي لليهود في أرض فلسطين، وجوهر هذا الحق التوراتي والتاريخي يقوم على أراضي الضفة (القدس ونابلس وبيت لحم والخليل)، وهذه بالنسبة لنتنياهو التوراتي هي قلب أراضي الدولة اليهودية، وقد ذكر ذلك في خطابه التوراتي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول من العام 2012، حيث اعتبر أراضي الضفة هي أراضي الآباء والأجداد التي أقيمت عليها ممالكهم بحكم الوعد الالهي لبني إسرائيل، وأن حكومته عندما تتنازل عن الضفة لصالح إقامة دولة فلسطينية فإن هذا سخاء صهيوني اضطراري، بحكم واقعية حكومته وقبولها التعامل مع الفلسطينيين في الضفة باعتبارهم أمراً واقعاً.

وعليه فإن نتنياهو والخطاب التوراتي السائد في الخطاب السياسي الاسرائيلي اليوم يفتح عيوننا على الخلفيات والأبعاد الحقيقية لمطلب الاعتراف بيهودية الدولة، التي تتمثل في:

- الاقرار الفلسطيني والعربي بتهويد أرض فلسطين، الأمر الذ يعتبر اقراراً منا بحقهم الديني والتاريخي في أرض فلسطين.

- يهودية الدولة تعني يهودية الأرض، ولا يعقل أن يكون النقب أو الجليل أو يافا وعسقلان وتل أبيب يهودية، ولا تكون نابلس والخليل وبيت لحم يهودية، وهي المدن التي أقيمت عليها ممالكهم حسب الزعم الصهيوني والتوراتي، وبهذا فإننا ننزع حقنا وشرعيتنا عن إقامة دولتنا على أراضي الـ 67 لأنها أراضٍ يهودية، ويبقى لنا ان نستند إلى حق وشرعية الأمر الواقع كما يقول فعلاً نتنياهو.

- اننا بهذا الاعتراف ندين روايتنا وندين شرعية وجودنا وشرعية كل تاريخنا الكفاحي في التصدي للحركة الصهيونية وفي النضال من أجل تحرير فلسطين، فالصهيونية بهذا المعنى ليست حركة استعمار واحلال واغتصاب، بل حركة تحرر وعودة.

- ان اعترافنا بيهودية الدولة يحقق لهم أقصى مطامحهم الصهيونية في أن يتحول الاعتراف العربي والفلسطيني بهم من اعتراف بدولة قائمة بحكم الأمر الواقع أو بحكم اتفاقيات تسووية إلى اعتراف مبدئي بحق تاريخي، وهو بذلك إنجاز سياسي معنوي ثقافي أيديولوجي تاريخي للصهيونية، يعادل انجاز إقامة دولة اسرائيل في ميدان الثقافة والفكر والخطاب السياسي.

- يسقط حق عودة اللاجئين كتحصيل حاصل، بل وربما يسقط عنهم حقهم في التعويض، وربما نصبح نحن مطالبين بأن نعوض اليهود عن فترة استغلالنا وإقامتنا فوق أرضهم، علاوة على مصادرته لحقوق فلسطينيي الـ 48 ويمنح العنصريين الصهاينة حججاً قانونيه ومرجعيات تاريخية في مضايقتهم وسن قوانين عنصرية تسلبهم حقوقهم.

استثمرت اسرائيل هزيمة العرب سنة 67 في تحقيق انتصار سياسي، تمثل في اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو، وانتزاع الاعتراف بها ككيان سياسي، وهي تريد اليوم أن تنتزع منا إدانة لأنفسنا وتاريخنا وتضحياتنا وفكرنا وخطابنا، فنحن بهذا الاعتراف لسنا إلا مهاجرين عرب دخلاء على هذه الأرض، ولننسى ما تعلمناه وعلمناه لأطفالنا عن تاريخنا العريق في أرض فلسطين وعلاقتنا بالكنعانيين واليبوسيين، ولنعد كتابة التاريخ استناداً الى أراجيف وأساطير اليهود.