خبر السلام الاقتصادي « مقايضة الوطن بالمال » ..بقلم : أمين أبو عيشة

الساعة 07:33 ص|24 فبراير 2014

– أستاذ الاقتصاد والمحلل المالي

فتشت وبحثت في مكتبتي عن كتاب كنت قد قراءته قبل خمسة عشر عاماً ، وجدته مغبراً فنفضته و فتحت ضفتيه وتصفحت بين جنباته وزواياه لأجد تاريخا عصيبا ومضحكاً ، تاريخا مستنسخا يعيد نفسه كان عنوانه حينها السلام الاقتصادي وسنغافورة الضفة الغربية وقطاع غزة ، لكن التوقيت تأخر طويلاً ، أتدرون ما اسم هذا الكتاب أنه كتاب الشرق الأوسط الجديد لعراب السياسة الصهيونية في منطقتنا العربية شمعون بيرس .

 تأملت في خباياه وأبحرت بأفكاره لأجدها نفس الأفكار لمكامن وحبال الرؤية الإسرائيلية لما يسمي بالسلام ،  لكن اليوم وجدتها نفسها بلغة متشابهة بل متجانسة رغم أن صورة الرجل اختلفت من بيرس لكيري ، لكن بقيت الوظيفة والمهام والمسؤولية على حالها لم تتغير و لن تتبدل .

  يُعد كيري لمن لا يعرفه ، غراب و عراب السياسة الأمريكية بالمنطقة العربية ، فإذا كان شمعون بيرس قد عبر عن فكرة منذ سنوات وتحديداً في العام 1993م و دعا وروج من خلالها إلى جمع دول المنطقة في سوق مشتركة وإلى دمج إسرائيل فيها بعد إعادة تشكيل جديد لهذه المنطقة وبالتالي السيطرة الصهيونية الاقتصادية على الوطن العربي والتحكم في نفطه ثرواته ،  وإنهاء عزلة الكيان العبري  والقضاء الكلي على المقاطعة العربية وترسيخ  التطبيع ، وبالتالي اجتياح المنطقة العربية والسيطرة على مقدراتها واختراق منظومتها الحضارية والثقافية والأمنية ولا نبالغ إن قلنا الأيدلوجية والفكرية - ، وهو ما يشكل مشروعا مضاداً لمشروع وحدة الدول العربية وتكاملها الاقتصادي ، فالزيت هنا لا يمكن أن يمتزج في الماء ..... ، وإذا ما أريد لمشروع الشرق الأوسط الجديد أن يصبح أمراً واقعاً ، فإنه سيكون بكل تأكيد على حساب مشروع الوطن العربي الكبير.  ...

 

إن طريحات شمعون بيرس في الماضي وكيري اليوم تعزز المبدأ الميكافيلي الذي يقوم على أن " الغاية تبرر الوسيلة " وهو بذلك الفعل يؤخر وببطيء من إمكانية حل نهائي للقضية المركزية " فلسطين "  التي التف عليها الكيان الصهيوني ، وبشيء من التفصيل والإيضاح  يعدم إمكانية العودة للاجئين وحل مسألة القدس والأسري وإزالة المستوطنات والنقاط والانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967 م .

إن عجز الاحتلال عن امتلاك رؤية أو حل سياسي للصراع العربي الصهيوني ، جعله يتخفي بدهاء وخداع ومكر خلف عباءة الاقتصاد ليحمي بها حدوده وكيانه الغريب واللقيط والسقيط ، الذي لم تكفل ولن تضمن له كل الاتفاقيات والمعاهدات والعقود التي وقعت سواء مع مصر في عام 1978م أو الأردن في 1994م أو الفلسطينيون في أوسلو من العام 1993م في جعله كياناً أمناً مطمئنا، في ظل هذه الأوضاع والعناصر برزت وطفت وصفحت على السطح خطة كيري الاقتصادية في إطار ما يسمي بناء " الثقة " وذلك من أجل تهيئة الأجواء لعودة الطرفين إلى حلبة عفوا " حظيرة " المفاوضات _ تهدف هذه الخطة في مجملها توسيع دائرة السيطرة للسلطة الفلسطينية على مناطق ج وتطوير بنيتها التحتية وتخفيض بعض القيود المفروضة على عمليات البناء في هذه المناطق وبالمنظور المالي وبلغة الأرقام تتضمن الخطة ضخ حوالي 4- 10 مليار دولار أمريكي تستهدف ترميم جسد وبنيان القطاعات الاقتصادية الفلسطينية الإستراتيجية و الحيوية والتي تتضمن ( المياه , الطاقة , السياحة , الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات , الزراعة , الصناعات الخفيفة , المقاولات و البناء , مواد البناء ) , تكون هذه المبالغ على شكل استثمارات مالية في الأراضي المحتلة والتي من شان هذه الأموال أن تعمل على زيادة إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني بحوالي 50% خلال 3 سنوات قادمة ، كما من شأنها أن تخفض معدلات البطالة بنسبة الثلثين وتبقيها في حدود 8% فأقل وتزيد متوسط الرواتب بنسبة 40% ، مع السماح للسلطة باستغلال الفوسفات من البحر الميت وإعطائها حق تطوير حقول الغاز قبالة شواطئ غزة ، ...

صحيح أن الاستقرار السياسي متطلب أساسي للولوج لاقتصاد قوي وعفي وان القوة العسكرية والسياسية شرط ضروري لأي دولة لكي تحافظ على أركان منظومتها السيادية والوطنية ، لكن دون شك وريبة يبقي الاقتصاد ضرورة لها لكي تحمي قرارها الوطني .... قد تقود في لحظة ما عربة السياسة عربة الاقتصاد ، لكن غالباً ما تقود عربة الاقتصاد كل العربات وهنا تكمن الإشكالية بين أولوية اقتصاد أو حرية سياسة ووطن ، بين منظومة سيادية وسياسية - وقرار اقتصادي وطني مستقل – إن هذه العملية ليست إلا تجميلا لواقعا سياسيا رهنه الاحتلال لسياسته التعسفية والقمعية فالوجه القبيح سببه الاحتلال فبقاءه أو زواله هو الداء والدواء– وفي الختام أقول قد نستطيع في يوم من الأيام أن نطبع نقدا لكننا لن نستطيع أن نصنع وطنا ،،، اعت كتابي لمكتبتي _ وتذكرت أجدادي رحمه الله عليهم حينما قالوا وما زالوا الذي يُجرّب المُجرب عَقلَهُ مخرّب) .