خبر في المفاوضات، الايديولوجيا في جهة والواقع في جهة اخرى - هآرتس

الساعة 09:15 ص|23 فبراير 2014

في المفاوضات، الايديولوجيا في جهة والواقع في جهة اخرى - هآرتس

بقلم: بيتر باينرت

(المضمون: بقدر ما يعترف بعمق المقاومة الفلسطينية للصهيونية، هكذا يعترف بان تقسيم بلاد اسرائيل الانتدابية الى 22 في المئة و 78 في المئة بين دولة يهودية وفلسطينية كان انجاز صهيوني يثير الانفعال وهزيمة فلسطينية تاريخية - المصدر).

 

اليهودي الذي ينتقد السياسة الاسرائيلية في الضفة الغربية سيتهم المرة تلو الاخرى بالسذاجة من يهود آخرين. "أنت لا تفهم"، يقولون له صبح مساء. "فالفلسطينيون لا يعارضون المستوطنات فقط، فهم ببساطة غير معنيين بدولة يهودية بأي حدود كانت".

 

حبذا لو كان هؤلاء المنتقدون على خطأ. ولكنهم غير مخطئين. فعلى اي حال، يرى الفلسطينيون في المستوطنات تعبيرا بارزا عن القمع الصهيوني، ولكن كل فلسطيني اعرفه يرى في الصهيونية السياسية نفسها – مجرد فكرة الدولة التي تسمح بتمثيل خاص لليهود – ايديولوجيا عنصرية تقوم على أساس التطهير العرقي. من هذه الناحية، عندما يدعي الصقور اليهود بان الفلسطينيين لا يعارضون فقط السيطرة الاسرائيلية على الخليل بل وايضا السيطرة الاسرائيلية على تل أبيب، فانهم محقون تماما.

 

فلماذا، إذن، مواصلة الانتقاد للمستوطنات؟ لانه يوجد فارق بين ما يؤمن الناس به في قلوبهم وبين ما يبدون الاستعداد لقبوله لحظة الحقيقة. والامر صحيح بالتأكيد بالنسبة لليهود. فها هي تسيبي لفني مثلا؛ فقد تربت في احضان اسرائيل الكبرى – دولة يهودية تسيطر على كل الضفة الغربية (وربما ايضا على الضفة الشرقية من الاردن). "يمكن ان نلتقط ذلك من الحماسة التي كانت تنشد بها أناشيد بيتار اليوم ايضا"، اشار صديق العائلة قبل بضع سنوات، "الى اي درجة كانت محبة اسرائيل الكبرى مغروسة فيها".

 

وعلى الرغم من ذلك، فان لفني مستعدة لان تهجر طواعية الحلم الذي لا يزال يفعم قلبها لانها تعتقد بانه في الواقع سيكون السعي الى تحقيقه مصدر معاناة وألم لابناء شعبها.

 

ذات الشيء صحيح ايضا بالنسبة للفلسطينيين. فأمر واحد أن تؤمن من ناحية اخلاقية بان اسرائيل بصفتها هذه ليست شرعية، وليس مهما ما هي حدودها. وأمر آخر تماما هو مواصلة القتال حتى خرابها باي حدود كانت، في الوقت الذي سيفرض هذا الكفاح على ابنائك حياة بؤس بلا دولة.

 

السؤال الحرج ليس اذا كان الفلسطينيون يريدون وجود اسرائيل. فهم بالفعل لا يريدون وجودها بشكل جارف. السؤال هو اذا كان الفلسطنيون يعتقدون بانهم اذا ما ابتلعوا القرص المرير وقبلوا وجود اسرائيل، سيحصلون بالمقابل على دولة خاصة بهم.

 

ولهذا فان المستوطنات ثانوية بالفعل. وذلك لانها عندما تسلب الاراضي التي سيقيم عليها الفلسطينيون دولتهم فانها تقنع الفلسطينيين بان قبول وجود اسرائيل في حدود 1967 لا يساعدهم في شيء. فالمستوطنات تعزز حماس وغيرها من الجماعات المتطرفة، التي تدعي بان لا معنى لقبول وجود اسرائيل لان ليس في التنازل عن احلام الفلسطينيين ما يحسن واقع الفلسطينيين. على اليهود أن يفهموا هذا التعليل لانه ذات التعليل الذي يطرحه نفتالي بينيت تجاه تسيبي لفني: لماذا التنازل عن حلمنا بالسيطرة المطلقة على البلاد، في الوقت الذي ليس في هذا التنازل ما يؤدي بالطرف الاخر الى قبول سيادتنا في اي قسم منها؟

 

ليت الصقور اليهود اليوم كأبيهم الثقافي، زئيف جابوتنسكي، مؤسس الصهيونية الاصلاحية. فجابوتنسكي لم يتوقع أن يقبل الفلسطينيون بالترحاب دولة يهودية. وكتب يقول ان "كل سكان أصيليين يرون في اراضيهم وطنهم القومي، يؤمنون بانهم اسيادها الوحيدون ويريدون الحفاظ على هذه السيادة الى الابد". وادعى جابوتنسكي بان التحدي الصهيوني ليس في اقناع الفلسطينيين بحق الصهيونية – الامر الذي ما كان اليهود أنفسهم يوافقون عليه لو كان الوضع معاكسا. الهدف هو اقناع الفلسطينيين بانه لا يمكن الحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني بقوة الذراع.

 

بعد أكثر من ستين سنة من قيام دولة اسرائيل، تحقق هذا الهدف بشكل ذي مغزى. فاسرائيل أقوى بكثير من ناحية اقتصادية وعسكرية من خصومها الفلسطينيين، العرب والمسلمين. ومنظمة التحرير الفلسطينية، بعد صراع امتد عشرات السنين كان هدفه تصفية اسرائيل، اعترفت رسميا بحق الوجود لاسرائيل في اتفاقات اوسلو في 1993. ورغم كل اخطاء وجرائم م.ت.ف في العقدين اللذين مرا منذئذ، لم تتراجع عن هذا الاعتراف. وبالفعل، يعترف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بهذا الحق بشكل أضح مما فعل ذلك ياسر عرفات. وقد اقترحت الجامعة العربية كلها ثلاث مرات – في 2002، 2007 وفي 2013 – الاعتراف بوجود اسرائيل، اذا ما عادت اسرائيل الى خطوط 67 ووافقت على حل "عادل ومتفق عليه" لوضع اللاجئين الفلسطينيين

 

الصعب. وحسب استطلاع أجراه خليل الشقاقي، الاحصائي الشهير وذو السمعة، فان معظم الفلسطينيين يؤيدون حل الدولتين.

 

لم تغير اسرائيل حلم الفلسطينيين، ولكنها غيرت ما يراه الكثير من الفلسطينيين مخرجا ممكنا. الخطر الاكبر اليوم هو ان تكون سياسة الاستيطان الاسرائيلية دمرت هذا الانجاز. فمن خلال السياسة الاقليمية ذات الحد الاقصى في الضفة الغربية، تشجع اسرائيل عمليا الفلسطينيين بان يطالبوا لانفسهم بسياسة اقليمية ذات حد اقصى خاصة بهم.

 

بقدر ما يعترف بعمق المقاومة الفلسطينية للصهيونية، هكذا يعترف بان تقسيم بلاد اسرائيل الانتدابية الى 22 في المئة و 78 في المئة بين دولة يهودية وفلسطينية كان انجاز صهيوني يثير الانفعال وهزيمة فلسطينية تاريخية. هذه هزيمة يبدي بعض الفلسطينيين الاستعداد لابتلاعها كي يوفروا على ابنائهم اهانة ان يكبروا تحت قانون عسكري، بلا جوازات سفر، بلا حق انتخاب وبسيطرة جيش أجنبي. من هو صهيوني ويرفض هذه الصفقة، لا بد يعتقد بان في اللحظة التي يمنع فيها عن الفلسطينيين دولة خاصة بهم، قادرة على أن تقف على قدميها، فانهم سيتبنون رفض حقوق المواطن خاصتهم او يفقدوا رغبتهم في الكفاح في سبيها. وهذه حقا سذاجة.