خبر الصراع على الوعي ..لماذا يطالبوننا بيهودية الدولة؟

الساعة 07:51 ص|20 فبراير 2014

أطلس للدراسات

تنشط في هذه الآونة فكرة إعادة تعريف وتجسيد دولة الكيان الصهيوني المزروع عنوة كـ "دولة يهودية"، رغم أن هذه الدولة كانت قد عرفت قبل عشرين سنة كـ "دولة يهودية ديمقراطية". في السنوات الأخيرة مع صعود اليمين تتواصل حملات عنيفة لتصفية تعريف "يهودية الدولة وديمقراطيتها" لتعزيز الجانب اليهودي على حساب الجانب الديمقراطي الذي ظل الاسرائيليون يتمسحون به لتملق العالم والتغطية على الجريمة الكبرى التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني وتشريده واغتصاب ارضه.

وكان هذا الأسبوع قد طرح قرار يوجه المؤسسات التعليمية لتعزيز هذا الفهم، وكان الكنيست الاسرائيلي في العام 2003 أقر قانوناً لضرورة تعميق فكرة يهودية الدولة وضرورة انتزاع اعتراف دولي وفلسطيني على وجه خاص. ومنذ ذلك الحين برزت محاولات الحكومات الاسرائيلية إلى انتزاع اعتراف الطرف الفلسطيني والتأييد الأمريكي، إلى جانب تعزيز الفكرة على أرض الواقع من خلال سن قوانين عنصرية تهدف إلى الحد من الوجود والنشاط الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية. وفي مؤتمر أنابوليس، الذي عقد من قبل الولايات المتحدة وتحت إدارة كونداليزا رايس، اشترط الوفد الاسرائيلي للتوقيع على وثيقة ورقة مشتركة مع الوفد الفلسطيني أن تتضمن الوثيقة بنداً يتعلق باعتراف الفلسطينيين بـ "يهودية الدولة".

وفي مبادرة سلام "خارطة الطريق" التي قدمت في العام 2002 من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش والرباعية الدولية لبدء محادثات سلام تنتهي بتسوية نهائية بنهاية العام 2005، ورغم أن هذه الخطة جاءت بالتنسيق الكامل مع حكومة إسرائيل إلا أن اسرائيل أرفقت موافقتها على الخطة بضرورة اعتراف الفلسطينيين بـ "يهودية الدولة".

فيما يتعلق بالموقف الأمريكي الرسمي من الموضوع؛ يمكن الإشارة الى رسالة التطمينات التي بعث بها الرئيس الأمريكي جورج بوش في العام 2004 إلى حكومة إسرائيل، وتضمنت تأكيداً على التزام الولايات المتحدة بأمن اسرائيل ورفاهيتها كـ دولة يهودية، إلا أن تبنى مصطلح "يهودية الدولة" برز بشكل أوضح مع إدارة الرئيس أوباما في خطابه 2010 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن التزام الولايات المتحدة بالاعتراف بإسرائيل بصفتها دولة يهودية.

الفكرة في العقل الاسرائيلي موجودة مبكراً مع وضع الأسس الأولى للفكرة الصهيونية، التي وضع لبناتها ثيودور هرتسل، ومع قيام إسرائيل على أنقاض شعب آخر، لكنها ظهرت بشكل سافر مع سيطرة اليمين المتطرف، بزعامة نتنياهو على الحكم، الذي حولها إلى شرط أساس مسبق لأي تسوية مقبلة.

والسؤال: لماذا تصر أركان الحكومة الاسرائيلية على هذا المطلب؟ ما هي الأهداف الكامنة؟ وما هي النتائج الخطيرة المترتبة في حال رضوخ الطرف الفلسطيني – لا سمح الله – المعروف أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قبلت بوجود إسرائيل في رسالة خطاب الاعتراف 1993 التي اعترفت فيها المنظمة بقيادة ياسر عرفات بحق إسرائيل في الوجود والعيش بأمان وسلام، ومعروف أيضاً أن الدول الخارجية لا علاقة لها بتحديد ديانة أو هوية لدولة أو كيان آخر، فهوية دولة ما أو ديانته هي من الأمور الداخلية التي تخص هذا الكيان دون سواه، الدول والمجتمعات الخارجية لا علاقة لها البتة بتحديد التوجهات الأيدلوجية أو القومية أو الدينية لكيان ما. فلماذا هذا الإصرار الغريب والعنيد من قبل حكومة نتنياهو على انتزاع اعتراف فلسطيني بما يسمونه "اسرائيل كيان قومي للشعب اليهودية"، رغم أن هذه الصفة وردت في قرار التقسيم 1947؟

هذه ببساطة هي عقدة الجاني الاسرائيلي الذي لا يريد للجريمة التي ارتكبها قبل ست قرون وست سنوات أن تظل مفتوحة وبلا نهاية. النقطة التي يحاول قادة الكيان ان يوحدوا مجتمعهم حولها هي انه من المحظور ان يظل الفلسطينيون الذين اقتلعوا من أرضهم وشردوا في منافي الأرض شهوداً أحياء على هول ما فعله الصهاينة بحقهم. فبدلاً من أن يقترن السلام باعتراف اسرائيلي عن جريمتهم الأولى  التي ألحقوها بنا كفلسطينيين في العام 1948، والمؤسسة لكل ما تلاها من جرائم، وأن يتحملوا المسئولية كاملة عن تشريد أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني في منافي العالم والرغبة في انصاف الضحية عما حل بها وذلك بتحقيق حق العودة والتعويض عن الظلم الذي حل بنا جيلاً بعد جيل؛ تراهم يمعنون في الجرم حد التبجح والاستخفاف بمطالبتنا أن نساعدهم، ليس فقط في إسدال الستار على الجريمة الأولى 48، وإنهاء ملف اللاجئين، بل أيضاً بالاعتراف الذاتي من تلقاء أنفسنا بالتعريف الأيدلوجي الذي يضعونه لكيانهم القائم فوق جثثنا وأنقاض بيوتنا. وأن نشرع لهم المسوغ في إنكارهم حقنا كلاجئين من العودة إلى ديارنا – الحق الذي كفله القانون الدولي – ليس هذا فقط، بل أيضاً منحهم الأساس القانوني لممارسة سياسة التطهير العرقي، آجلاً أم عاجلاً، بحق مليون ونصف فلسطيني من أهلنا المتبقين داخل فلسطين 1948، واتخاذ ما تراه من تشريعات لصالح المكون الديمغرافي للسكان للحفاظ على "أغلبية يهودية".

بتاريخ 6/2 نشرت "معاريف" مقالاً لغيورا ايلاند وهو من كبار الاستراتيجيين ذوي الشأن في دولة الكيان بعنوان "نظرية الاعتراف" يتحدث عمّا أسماه الموقف السلبي للفلسطينيين، والذي يتبدى حسب رأيه ممّا أسماه رفض أبو مازن المطلق ليهودية الدولة، يدعو إلى فهم الروح العامة الفلسطينية، ويقول ان هذا يتطلب العودة للوراء، لا الى 48، بل الى 1917 و1937. في 1917 وتصريح بلفور الذي أيد إنشاء وطن قومي لليهود في أرض إسرائيل، فقد كان ذكر "عرب إسرائيل" في ذلك التصريح مهيناً فقد دعوا "غير اليهود" ولم يعترف البتة بقوميتهم. ويضيف "إن الروح العامة الفلسطينية لم تقبل ولن تقبل فرض أن اليهود شعب وقومية، وأن لدولة اسرائيل الحق في أن توجد دولة يهودية، وإن طلب أن يوافقوا على أن اتفاق السلام اليوم هو نهاية الصراع ونهاية المطالب والتخلي عن حق العودة إهانة لتراث موجود منذ نحو من 100 سنة.

 وبرأي ايلاند ان ضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة اسرائيل أمر ملح، وفي غاية الأهمية لخمسة أسباب يوضحها على النحو التالي:

أولاً: الاعتراف الفلسطيني بأن اسرائيل دولة يهودية يجعل من الصعب الدفع قدماً بأفكار تحويل دولة اسرائيل إلى "دولة جميع مواطنيها" أو اسوأ من ذلك "دولة شعبين".

ثانياً: سيخدم إسرائيل في الصراع المحقق الذي سيحدث في الساحة الدولية بينها وبين مئات آلاف الفلسطينيين الذين سيأتون الى دولة فلسطين من سوريا والأردن ولبنان، ويريدون تحقيق حقهم في العودة الى "البيت الحقيقي"، في حيفا وتل أبيب.

ثالثاً: سيجعل من الصعب على "عرب إسرائيل" أن يطلبوا حقوقاً قومية مساوية.

رابعاً: سيُصعب على جهات أوروبية، تحاول أن تدفع قدماً بحقوق الأقليات في داخل إسرائيل، البدء مثلاً مع المس بهوية الدولة اليهودية.

خامساً: أن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية سيُسهل طلب ألا يستطيع "عرب إسرائيل" حمل جواز سفر مزدوج "اسرائيلي وفلسطيني"، وألا يوجد للدولة الفلسطينية أي ادعاء يتعلق بمكانة عرب اسرائيل.

ويضيف: "إن هذه الأمور مهمة، لأنه يصعب أن نؤمن بأن يغير اتفاق دائم، حتى لو تم احرازه ونفذ؛ أن يغير الروح الفلسطينية العامة التي ترى أنه يجوز لليهود أن يسكنوا أرض إسرائيل، لكن لا يجوز لهم أن يسكنوا دولة قومية لهم. إن الاعتراف بأن اسرائيل دولة يهودية موضوع جوهري لا يقل شأناً عن مواضيع الأمن أو الحدود، لأنه يحدد نقطة الانطلاق الاسرائيلية إلى صراعات تنتظرها بعد الاتفاق إذا تم احرازه".

 ويختم مقاله بالقول "على حسب المبادرة العربية؛ سيفضي اتفاق اسرائيلي فلسطيني واتفاق مع سوريا أيضاً إلى تسليم العالم العربي بوجود اسرائيل، ومن المهم أن يشمل هذا التسليم أيضاً اعتراف بحقنا في الوجود كدولة يهودية، لا اعترافاً واقعياً فقط بوجود دولة تسمى اسرائيل".

 

المطلوب فلسطينياً

وفي مواجهة هذا المخطط الذي خرق وعي المفاوض الفلسطيني، في ظل خالة الضعف والتراجع الذي يعيشه العالم العربي؛ فإن من الضروري على قوى المجتمع الفلسطيني والسلطة الفلسطينية وضع استراتيجية نضالية متكاملة، وإيصال رسالة إلى كل مكونات المجتمع الاسرائيلي بأن شعب فلسطين لن يمرر أية محاولات تنتقص من حقوقه التي كفلتها الشرعية الدولية، وأن خيار السلام يمر فقط من بوابة إنهاء الاحتلال والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بتقرير مصيره مثل باقي شعوب الأرض قاطبة.