خبر القاعدة وعقدة الابن الضال ..بقلم د. وليد القططي

الساعة 07:46 ص|20 فبراير 2014

قد تلجأ العائلة – في كثير من الأحيان – للتبرؤ من الابن الضال الذي يرتكب أفعالاً تسيء إلى العائلة , وذلك للتنصل من تبعة أفعاله المسيئة , ولتنئى بنفسها من تحمل مسئولية أعماله الخاطئة , وتنسى أنها المسؤولة – في الغالب – عن ضلال هذا الابن لما لها من دور رئيسي في تشّربه لثقافتها واستقائه من معين فكرها وتربيته على قيمها وعاداتها وتقاليدها . أو قد يكون لظاهرة الابن الضال علاقة بعقدة أوديب في مدرسة التحليل النفسي حيث يحمل الإبن في عقله الباطن مشاعر عدائية لوالده يترجمها في الخروج عن طاعته والتمرد عليه , فهل ينطبق ذلك على العلاقة بين القاعدة كحالة فكرية وتنظيمية خرجت من عبائة الفكر السلفي الوهابي وهل يعني ذلك أن القاعدة هي الإبن الشرعي الذي ضل عن أبيه – السلفية الوهابية – ثم عقّهُ وتمرد عليه .

لم يكن أسامة بن لاذن مؤسس القاعدة مؤسساً لمدرسة فكرية إسلامية جديدة , ولم يكن له أي انتاج فكري مستقل , بل كان نتاجاً للمدرسة السلفية الوهابية السعودية حيث تلقى تعليمه في كافة المراحل المدرسية والجامعية بجدة في المملكة العربية السعودية التي تدّرس كافة المراحل التعليمية الدين الإسلامي وفقاً لرؤيتها الخاصة المنبثقة من المدرسة السلفية التي ترجع في أصولها إلى الأئمة أحمد بن حنبل وأحمد بن تيمية وابن قيم الجوزية والتي أحياها في الجزيرة العربية الأمام محمد بن عبدالوهاب بالتحالف مع محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى فأصبح للدعوة الجديدة دولة تطبق أفكارها التي تتمحور حول عقيدة التوحيد وتنقية الإسلام مما طرأ عليه من بدع وخرافات وشعوذة , والعودة إلى بساطة الإسلام كما فهمه المسلمون الأوائل من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رضوان الله عليهم , غير أن الدعوة الجديدة حملت في بذورها نبته التكفير عندما اعتبرت بعض المعاصي والآثام والبدع شركاً بالله يفوق أحيانا شرك كفار قريش , وعندما حملت فكر الفرقة الناجية من النار , وأفرطت في اتهام مخالفيهم من أصحاب المذاهب الإسلامية الآخرى بأنهم أهل بدع وضلال وفسق يصل إلى الكفر في كثير من الأحيان , وعندما عملوا على تزوير التراث الإسلامي بحذف كل ما يخالف مذهبهم وعندما هدموا ودمروا كل الآثار الإسلامية بما فيها الخاصة بالرسول – عليه الصلاة والسلام – في الجزيرة العربية إضافة إلى مواقفهم الجامدة من كثير من القضايا المعاصرة كالمرأة والفن الحرية .

 في هذه المدرسة السلفية الوهابية نشأ أسامة بن لاذن الذي حين غادر للقتال في افغانستان عام 1982 كان منسجماً تماماً مع هذه المدرسة , بل كان يرى في النموذج السعودي المثال الذي يجب أن يُحتذى في كافة البلدان الإسلامية , واستمرت هذه الرؤية حتى عاد إلى السعودية عام 1989 وحدوث الغزو العراقي للكويت 1990 واستقدام القوات الأمريكية والغربية للملكة العربية السعودية للمشاركة في حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي بدعوة من النظام السعودي وبتغطية دينية من المراجع الإسلامية في المملكة وعلى رأسهم مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز بن باز , فكانت هذه بداية الفراق وفك الارتباط بين أسامة بن لاذن والفكر الديني الرسمي للملكة بسبب معارضة أسامة بن لاذن لوجود الأمريكان في الجزيرة العربية استناداً إلى الموقف الشرعي الذي يحّرم وجود الكفار في جزيرة العرب والاستعانة بالكفار في الحروب , فنفُى إلى السودان بسبب موقفه هذا , وسُحبت منه الجنسية السعودية عام 1994 , وأُجبرت عائلته على التبرؤ منه . وعندما سيطرت حركة طالبان على كابول ومعظم أفغانستان وطردت المجاهدين القُدامى منها الذين أنهكتهم الحروب فيما بينهم , فعاد أسامة بن لاذن إلى أفغانستان عام 1996 ليبدأ مرحلة جديدة شهدت التأسيس الحقيقي لتنظيم القاعدة بالتعاون مع المجاهدين القُدامى وأهمهم الدكتور أيمن الظواهري أحد أقطاب حركة الجهاد الإسلامي المصرية والمتأثر بفكر سيد قطب الذي يلتقي بفكر أسامة بن لاذن فيما يتعلق بالجهاد ضد الأنظمة ( الكافرة ) ومفاهيم الولاء والبراء والحاكمية والجاهلية . وليتم إعلان الانطلاقة الجديدة للجهاد تحت اسم ( الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبين ) التي عُرفت فيما بعد باسم ( قاعدة الجهاد ) ثم عُرفت اختصاراً باسم ( القاعدة ) التي سرعان ما أظهرت عدائها للنظام الملكي السعودي وترجمت ذلك في سلسلة عمليات كان أبرزها تفجير الخُبر الذي قُتل فيه الكثير من الجنود الأمريكان والسعوديين والمدنيين , مما أدى إلى الإعلان الرسمي لضلال أسامة بن لاذن وتنظيم القاعدة بفتوى رسمية من رأس الهرم الديني في المملكة وهو المفتى الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بفتوى رقم ( 25041 )  قال فيها " إن المدعو الضال أسامة بن لاذن وتنظيم القاعدة متقرر لدى العلماء ضلال مسلكهم وشناعة جرمهم , وأنهم بأقوالهم وأفعالهم ماجروا على المسلمين إلا الوبال والدمار " .

وهذا التأصيل الفكري لنشأة القاعدة لا ينفى العوامل الأخرى الخارجية وأهمها هيمنة الأمريكان على بلاد المسلمين , وغطرسة الكيان الصهيوني ,  واستبداد الأنظمة الحاكمة وفشلها في حل مشكلات شعوبها المستعصية كالفقر والبطالة والفساد والاستغلال الاقتصادي واحتكار السلطة السياسية والظلم الاجتماعي ... إضافة إلى عنف أجهزة الأمن تجاه المعارضين مما دفعهم إلى التطرف وغيرها من العوامل .

وخلاصة الأمر أن تنظيم القاعدة من رأسه إلى كافة فروعه المتحالفة فيما بينهما أو المقاتلة فيما بينها , بما تمثله من فكر لا يقبل الاجتهاد , وثقافة لا تقبل الاختلاف , ورؤية أُحادية لا تقبل الآخر , ومذهب متطرف جامد , وعقيدة تكفيرية تفجيرية ..هي إبن شرعي ضال خرج عن طاعة أبيه ( السلفية الوهابية ) وعقه وتمادى في تمرده حتى اتهمه بالضلال والكفر . والنهاية لهذا الابن الضال لن تكون تقليدية بعودة الابن الضال إلى حضن عائلته كما هي في الإنجيل أو في الأفلام العربية لأن الأمور تجاوزت هذه النهاية التقليدية , والعقدة استحكمت حلقاتها واستعصت على الحل .