خبر التقدير الاستراتيجي السنوي لإسرائيل عبر مراكز الأبحاث .. حلمي موسى

الساعة 06:23 م|14 فبراير 2014

أفلحت مراكز الأبحاث في إسرائيل في احتلال مكانة مميزة في الحياة العامة وخصوصا السياسية. وشكلت المؤتمرات التي تعقدها مراكز مثل مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب INSS ومركز هرتسليا منتديات بالغة الأهمية لمناقشة تطورات الفكر السياسي في إسرائيل واقتراح حلول لمشكلات الواقع. وقد اكتسبت هذه المراكز أهمية دولية نظرا لما تقدمه من تقارير وتحليلات وتقدير موقف. وغدا التقدير الاستراتيجي السنوي لمركز INSS واحدا من الأدبيات الضرورية لفهم وجهة الأحداث في المنطقة عموما ومكانة إسرائيل فيها.
وقد استقطب مركز دراسات الأمن القومي اهتماما بارزا في الأيام الأخيرة جراء عرض عدد من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين لوجهات نظرهم في واقع يزداد تقلبا وحساسية. ورغم أن المركز عرض خطة لانسحاب من طرف واحد في الضفة الغربية إلا ان قادة الحكم في إسرائيل كانوا في واد آخر. فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تحدث أمام المؤتمر بلغة تشكك في أي احتمال للتسوية في حين أو وزير الدفاع موشي يعلون كان قاطعا في تقديره أن لا مجال للتسوية قبل أجيال. وتقريبا فإن لغة الخطاب السياسي الرسمي كانت واحدة ترفض تغيير الواقع الراهن رغم كل التحذيرات من خطورة واستحالة استمراره.
ويعرض التقدير السنوي الأخير الصادر عن مركز دراسات الأمن القومي لأهم التطورات المحتملة في العام المقبل فيوضح أن الحوار الغربي مع إيران سيقود إلى إعادة رسم مناطق النفوذ الخليج العربي. ويبين التقدير أن إزالة العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل ضمان العرقلة الفعلية لمشروعها النووي، وفي ظل غياب الخيار العسكري يضعف احتمال فرض الاعتدال على الموقف الإيراني.
ولا يقل أهمية عن ذلك أن "التعادل" – حسب التقدير السنوي - بين النظام السوري والقوى المناوئة له والقناعة بأن الحرب الأهلية ستطول يزيدان من أثر هذه الحرب على المنطقة. فقد قلص انغماس سوريا في حرب داخلية مخاطر الحرب التقليدية على إسرائيل لكنه بالمقابل زاد احتمالات الخطر من جماعات جهادية. وتنظر إسرائيل بخطورة لموجات اللجوء السوري إلى دول مثل الأردن ولبنان وترى أن ذلك قد يقود إلى مزيد من عدم الاستقرار في هذه البلدان لأسباب اقتصادية اجتماعية قد تقود إلى هزات سياسية وإلى تعمق الشرخ الطائفي. وفي كل حال يعتقد التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي أن الحل في سوريا يعتمد كثيرا على توافق بين القوى العظمى.
وتنظر إسرائيل باهتمام بالغ إلى التطورات والصراعات في مصر والتي أفضت إلى إطاحة العسكر بحكم الإخوان المسلمين في الصيف الفائت. ويعتبر التقدير أن بين عوامل زيادة المعارضة لحكم الإخوان المسلمين فشلهم في بلورة ائتلاف مع قوى أخرى ومحاولة مرسي تركيز الصلاحيات بين يديه إضافة إلى الفشل في الحكم والعجز أمام المصاعب الاقتصادية. ويرى التقدير أن من السابق لأوانه تحديد وجهة الأمور سواء لاستقرار الحكم بعد الانتخابات أو نجاح الإخوان في زعزعة الاستقرار السياسي في مصر في السنوات المقبلة. ومع ذلك تهتم إسرائيل أساسا باستمرار التعاون الأمني مع مصر وخصوصا ضد الجهاديين في سيناء وانتظام العلاقة المصرية الأميركية بوصفها ضمانة لمعاهدة السلام.
لكن الوضع في الأردن يحظى باهتمام متزايد وخصوصا في الجوانب الاقتصادية الاجتماعية التي كانت أصلا محرك الأجواء التي قادت إلى أحداث الربيع العربي. ويعتبر التقدير أن هذه الأوضاع تفاقمت في الأردن جراء حركة النزوح الكثيفة من سوريا فضلا عن تزايد المطالبات بإصلاحات سياسية. ويرى أن التحدي الاقتصادي أمام الحكومة الأردنية تفاقم الأمر الذي يهدد الاستقرار في الأردن خصوصا بسبب تمركز القوى الإسلامية المتطرفة في سوريا. ويلحظ التقدير وجود حوار دائم بين إسرائيل والأردن لمعرفة مدى قدرة الأولى على مساعدة الثانية في ترسيخ الاستقرار على أراضيها والذي يعتبر "مدماكا هاما في الاستقرار الإقليمي عموما، وفي البيئة الاستراتيجية لإسرائيل خصوصا".
ويشير التقدير الاستراتيجي إلى الارتباك الذي تعيشه السياسة التركية والمخاوف هناك من تفكك الدولة السورية وانعكاس ذلك على الوضع الداخلي التركي خصوصا في كل ما يتعلق بالأكراد وبالتطرف الإسلامي. يضاف إلى ذلك التدهور في العلاقات التركية المصرية بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في القاهرة وتوتر العلاقة التركية العرقية والعلاقات التركية الإيرانية. كما أن تنامي دور المجتمع المدني واحتجاجاته تزيد من حالة عدم الاستقرار في تركيا من دون أن يعني ذلك بوضوح سقوط حكم حزب العدالة والتنمية التركي. ولم تغير المحادثات الجارية مع إسرائيل بوساطة أميركية من حجم التوتر القائم بين الحكومتين لدرجة أن التقدير لا يتوقع تحسنا قريبا.
وبديهي ألا يقفز التقدير الاستراتيجي عن الدور الروسي في المنطقة وخصوصا بسبب العلاقة مع النظامين السوري والإيراني. ويلحظ تنامي هذا الدور من الناحية السياسية أيضا بالاتفاق النووي مع إيران وبعقد مؤتمر جنيف 2 بشأن سوريا بالتنسيق مع أميركا وبمحاولة تعزيز العلاقات مع إسرائيل والدول العربية المعتدلة على حد سواء. ومع ذلك يشير التقدير إلى أن روسيا لا تزال في موقع متأخر مقارنة بالغرب في كل ما يتعلق بالنفوذ في المنطقة.
وأخيرا وليس آخرا تبقى أميركا ودورها حيث يلحظ التقدير الفجوة بين تراجع قوة أميركا والانطباع عن تقليص اهتمامها بالشرق الأوسط وكثافة نشاطها فيه. ويشير إلى أن هذا النشاط يشهد على سعي للمحافظة على المصالح الأميركية في مواجهة المصالح الروسية والصينية.