خبر أميركا وإسرائيل تغير في العلاقة..! بقلم: أكرم عطا الله

الساعة 01:23 م|09 فبراير 2014

قبل حوالي خمس سنوات كتب صحافي إسرائيلي عن حكومة نتنياهو قائلا "تبدو كمن يقود سيارة بسرعة جنونية في الطريق المعاكس للسير" هذا بعد انتخاب نتنياهو عام 2009 وتشكيل حكومته من اليمينين القومي والديني ورفض الائتلاف مع حزب كاديما الذي تجاوز مقاعد الليكود آنذاك، وكان واضحا أن رئيس الوزراء حينها اختار الاحتلال والاستيطان بينما كان العالم يتهيأ لخيار آخر ادعى نتنياهو موافقته في خطبة بارايلان ليمارس لعبته الشهيرة في التضليل.
اليوم يكتب صحافي آخر من هآرتس قائلا "في القدس فقط لا يفهمون إلى الآن، فهم لا زالوا يتمسكون بمفاهيم قرون سابقة وأفكار عصور مختلفة، يصرون على عدم فهم أن إسرائيل مجبرة على أن تفعل شيئا كي تجعل لنفسها موضعاً من جديد وكي تضع نفسها مرة أخرى بجانب التاريخ".
لكن آربيه شابيط يذهب أبعد من تلك النصيحة كاشفاً عن انحسار مؤيدي إسرائيل في البيت الأبيض وهو القلعة التي مارست الدولة العبرية كل نفوذها على جميع قادتها من رؤساء الولايات المتحدة من جناحه الغربي الذي يعج بالمساعدين والخبراء والمستشارين وصانعي السياسة. هناك حيث التغير الذي طرأ في السنوات الأخيرة بحيث بدا كأنه يمثل أميركا مختلفة، أميركا جاءت قبل خمس سنوات فقط كما تروي امرأتان، هناك حيث تغير موظفو هذا الجناح في عهد أوباما عمن سبقه، فالبيت الأبيض مليء بالشباب والنساء والسود وذوي الأصول الإسبانية والمثليين ولا يكاد يوجد رجل أبيض كبير السن، وهؤلاء حسبما ينقل شابيط ليس خيارهم الاحتلال أو الاستيطان، وحتى نتنياهو في هذا المكان يبدو مثل الديناصورات، فليس هناك قواسم مشتركة ولا تماس قيمي بين قيم الحزب الحاكم في إسرائيل والحزب الأميركي، منظومة العلاقات بين الاثنين هي مواجهة قد تكون آثارها كارثية، هكذا تقول صحيفة هآرتس.
الآن يبدو أن المركبة المعاكسة لحركة التاريخ توشك على التصادم الذي يبدو محققا حين يصدر التحذير الأخير من أحد ركابها وهو وزير المالية يائير لابيد بأن إسرائيل ستتعرض لعزلة اقتصادية وخسارة قد تصل إلى أكثر من ثلاثة وعشرين مليار شيكل، وقبلها كان جون كيري يصدر تحذيراً فهمته إسرائيل على أنه تهديد قوبل بإدانة وهجوم على وزير الخارجية الأميركي وإشارات من أوروبا من الواضح أنها كلها تقول أنه إذا لم تقبل إسرائيل بحل الدولتين ستشهد أوضاعا صعبة، لكن الرد الإسرائيلي المتجاهل للتغيرات الدولية يقول أن إسرائيل تعرضت لعزلة سابقاً ولم تنهر، ولكن في تلك الإجابة ما يوحي بأن إسرائيل تصر على الرسوب في مادة التاريخ.
العلاقة بين إسرائيل وأميركا تتغير وليس فقط موظفو البيت الأبيض ولا الإدارة الأميركية فقط، سواء الرئيس الأميركي أوباما نفسه الذي وقف نتنياهو بكل قوته ضد إعادة انتخابه متحالفاً مع الملياردير شلدون أولسون المؤيد لنتنياهو ومنافسه حينها ميت رومني، أو حتى تعيين جون كيري نفسه وصولا للأزمة التي أثارتها إسرائيل اثر تعيين تشاك هاغل كوزير للدفاع، فالتباين بين إسرائيل والولايات المتحدة آخذ بالاتساع وهو مدعاة للمراقبة لقراءة السياسة بشكل مختلف، فالسياسة سمتها التغيير وهناك تغيرات في إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأميركية وكذلك تغيرات شهدتها المنطقة كان لا بد من أن تؤثر على تلك العلاقة.
أولى هذه الأسباب أن انحسار العلمانية في إسرائيل وزيادة الكتلة الدينية والقومية أحدث شرخا في علاقة إسرائيل باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، فإسرائيل تدين باليهودية الأرثوذوكسية والتي كلما تعززت تساهم في التباعد مع يهود الولايات المتحدة الذين يدينون بيهودية محافظة، والأرثوذوكسية التي بدأت تسيطر على إسرائيل في السنوات الأخيرة أخذت تعبر عن ذاتها في الكثير من القوانين الدينية، والتي أحدثت اغترابا لدى اليهود الأميركيين، لهذا شهد اللوبي اليهودي هناك لأول مرة انشقاقاً في خيارات مرشحي الكونغرس السابق.. بالرغم من تأييد إسرائيل نتنياهو للمرشح الجمهوري، فقد أعطى الكثير من يهود أميركا أصواتهم للرئيس أوباما.
ثاني هذه الأسباب أن إسرائيل التي بدت خلال عقود ماضية كذراع للقوة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية أو مثل "بلطجي الحي" فشلت قواتها في دخول مئات الأمتار في لبنان عام 2006 وتلقت صفعة شكلت على إثرها لجنة تحقيق، ثم صدعت العالم بالصراخ من النووي الإيراني، وبهذا بدت كأنها لم تعد قادرة على القيام بدور البلطجي بل هي بحاجة إلى حماية، وخاصة حين بدأت حرب لبنان كانت رايس تعلن عن أن هذه الحرب تدشن شرق أوسط جديدا، بالإضافة لتواجد القوة الأميركية في المنطقة سواء في العراق أو قطر لم تعد الحاجة الأميركية لإسرائيل بنفس أهميتها السابقة.
إلى حد ما لا تصلح العلاقات التاريخية القديمة لتفسير التفاهم الأميركي الإسرائيلي، وربما يمكن القول أن السنوات الماضية هي سنوات من التباين والاختلاف بين السياسة الأميركية والإسرائيلية، تباين في الملف الإيراني، خلاف في الملف الفلسطيني، خلاف على الاستيطان، وقد مارست الولايات المتحدة سياسة لم تكن متطابقة مع إسرائيل كما اعتادت عليه العلاقات في العقود الماضية حين كانت السياسة الأميركية في المنطقة ليست أكثر من ساعي بريد للمواقف الإسرائيلية، وخاصة من الملف الفلسطيني وما كتب عما دار في مباحثات كامب ديفيد ممن حضروا تلك المفاوضات أكدوا ذلك.
لا يعني ذلك أن موقع الأمن الإسرائيلي تراجع في السياسة الأميركية لأن إسرائيل لا زالت الدولة الأولى التي تحظى ببوليصة تأمين أميركية والضغط الأميركي الحالي على إسرائيل بهدف تحقيق اتفاق هو جزء مما تراه الإدارة الأميركية وبعض المفكرين الإسرائيليين ضرورياً للحفاظ على إسرائيل وضمان استمرارها واستقرارها، لأن خياراتها دون إقامة الدولة الفلسطينية هي خيارات سيئة، وربما أن الرئيس الأميركي حين وضع رؤيته لحل الدولتين كان يستمد قوته من موقف ست منظمات يهودية أميركية التقته في كانون الاول 2009 وطلبت منه التدخل لإرغام نتنياهو على القبول بحل الدولتين، حيث أعلن أوباما رغبته بالحل لإنقاذ إسرائيل من نفسها.
فاليمين في إسرائيل يدفع الأمور نحو الاستعصاء لتنحسر الخيارات أمام نهم الاستيطان بخيار الدولة الواحدة أو دولة الابرتهايد، وهنا ما يرى مفكرو اللوبي والإدارة الأميركية ضرورة التدخل قبل أن يدفع جهل اليمين نحو أمر واقع يصبح من المستحيل التراجع عنه، وقد بدأت تصدر من اليمين آراء تدعو إلى ضم أجزاء من الضفة وإعطاء الجنسية لفلسطينيين هناك، ويعتبر موشيه أرنس وزير الدفاع الأسبق المنظر الرئيسي لهذه السياسة.
وبغض النظر عما يحدث في المفاوضات ووجهة الحل، على إسرائيل أن تعترف لاحقاً بواقع لا تريد أن تراه، وهو أن العالم يدير ظهره لها وليس فقط موظفو البيت الأبيض، فقطار مقاطعة إسرائيل قد انطلق ولا مجال لوقفه، وكل يوم تضاف لقائمة المؤسسات واحدة جديدة، ولا مجال للعودة، فالعالم مل الاحتلال.