خبر سفارة فلسطين في غزة ..بقلم/ شمس شناعة

الساعة 10:52 ص|08 فبراير 2014

بخطى ثقيلة ومتعثرة كاد أن يقع أكثر من مرة أثناء محاولته الوصول إلينا حيث نجلس، كنا نحتسي قهوتنا في مؤسسة "بيت الصحافة" بغزة، هذه المؤسسة التي تعتبر اليوم بمثابة ملتقى الصحفيين فى هذه الأيام

بدأ حديثه موجهاً الكلام لي، وجسده النحيل يرتجف وعيناه غارقتان بالدمع، "قل لي بالله عليك وين أروح؟ لمين أشكي؟"، ويضيف "لم يتبق أحد إلا وطرقت بابه فلم أجد عوناً ولا مساعدة لحل مشكلتي"،  "سفارة فلسطين فى غزه وين؟"، استوقفني سؤاله الأخير، لفتت انتباهي بقوة عبارته هذه، لكننا لم أستطع الابتسام، زملائي وأنا، مراعاة لمشاعر الرجل الذي لم يتوقف عن النحيب والبكاء، سألته "ما هي مشكلتك بالضبط؟ وماذا تقصد بعبارة سفارة فلسطين في غزة؟"، أجاب والقهر ينبع من كل خلجاته "قطعوا راتبي منذ ستة أشهر وأنا مصاب وأعيل أسرتي ووالدتي، وتقطعت بي السبل، لم أترك باباً إلا وطرقته بحثاً عن حلٍ لمشكلتي، لكن لا حياة لمن تنادي"، ويستطرد قائلاً "لم أستطع الوصول إلى رام الله لحل مشكلتي، ولا يوجد مكتب في غزة ليحل لنا مشاكلنا، فتمنيت أن يكون لهم سفارة في غزة حتى يصبح لنا عنوان نتوجه إليه كلما ضاقت علينا الدنيا وعصفت بنا الهموم".

كلمات جعلتني أشعر بالمرارة، لماذا وصل بنا الحال في قطاع غزة إلى هذا المستوى من التبعية والانتهاك، نحن محاصرون من العدو والحبيب والصديق والأخ، والكل ينهش في لحمنا، والجميع يحلم بأن يرتاح من الهم الذي اسمه غزة، حتى أهل غزة نفسها، وكأننا بتنا عبئاً على الدنيا التي ضاقت بنا بما رحبت، وتحولنا من رافعة للعمل الوطني وللثورة الخلّاقة في وجه المحتل، إلى مجموعات من "المتسولين" الذين يرون في "رام الله" اليوم ما كنا نراه في "تونس" في حقبة ما بعد الخروج من بيروت، من المسؤول عن كل ذلك؟ وما هو الثمن الذي يجب أن يدفعه لقاء تصحيح الأوضاع وإعادتها إلى نصابها؟.

موضوع قطع الرواتب بحجة أو بدون حجة "كيد"، هو جزء من الحصار المفروض على شعبنا، ولا ندري ما هو الهدف من ورائه، وما الذي سيجنيه من يقوم بهذا السلوك على المستوى الشخصي وعلى المستوى الوطني؟، وما هي الصفة الأخلاقية التي ينبغي أن تطلق على من يكيد للناس بتقاريره الخسيسة؟، ومن هو المسؤول الذي يطلب من "صغار القوم" أن يراقبوا الناس ليقطع أرزاقهم، وهو يعلم علم اليقين أن يفعل يقطع الأرزاق هو كمن يقطع الأعناق!!.

أسئلة يحار من يحاول الإجابة عنها من أبناء قطاع غزة، لذا فإنا نطالب قادتنا في رام الله أن يسعفونا بالإجابة عنها، وأن يحددوا لنا من اليوم إلى متى سيبقى الحال على ما هو عليه؟ ألم نكتف بعد من حالة الانقسام والانهزام التي نعيشها؟ أليس الواجب يقتضي أن نصالح الشعب قبل أن نصالح الفصائل؟ ألا يستحق الأطفال الذين قطعت رواتب آبائهم بسبب تقارير كيدية أن تعلو الابتسامة شفاههم في ظل أجواء محاولات التصالح؟ تعالوا إذن نصالح الصغار بتأمين أقواتهم، ثم نحاسب الكبار إن أخطأوا عندما تحين لحظة الحساب، وأخيراً نقول "ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء".