خبر ماذا يجري لـ / وفي تنظيم فتح في قطاع غزة؟ ..د ابراهيم ابراش

الساعة 10:59 ص|03 فبراير 2014

ما أن يمر شهر أو بضعة شهور إلا ونسمع عن مشاكل تواجه تنظيم حركة فتح في قطاع غزة وعن إقالة أو استقالة الهيئة القيادية العليا للتنظيم، وكان آخرها ما جرى يوم 31 يناير الماضي، فأين يكن الخلل هل هو في قيادات فتح في القطاع؟ أم في اللجنة المركزية لفتح؟ أم هناك أسباب وخفايا لا يدركها الجمهور الفتحاوي؟.

إذا وضعنا جانبا دور إسرائيل في إعاقة استنهاض حركة فتح كحركة تحرر وطني، والإعاقات التي تضعها حركة حماس أمام حرية التحرك لتنظيم فتح في قطاع غزة، ومن خلال متابعتنا ما يجري في تنظيم فتح في القطاع وما نسمع من ذوي الشأن التنظيمي من قيادات وعناصر،يمكن حصر الإشكالات الداخلية في القضايا التالية:

أولا: على مستوى الرؤية والرسالة السياسية والفكرية

تنظيم فتح في قطاع غزة يدفع ثمن ضبابية الرؤية السياسية وعدم الحسم في هوية فتح عند قيادة حركة فتح. فالاستمرار بالمراهنة على المفاوضات والتسوية السياسية يدفع القيادة لتأجيل عملية استنهاض حركة فتح كحركة تحرر وطني إلى حين استيضاح مصير المفاوضات. وهكذا لا يعرف الفتحاويون أي فتح يريدون: هل فتح حركة التحرر الوطني والمقاومة؟ أم فتح السلطة؟ أم فتح (الجمعية الخيرية)؟.

نعتقد أن فتح كحزب قائد وطنيا وكحكومة ظل في قطاع غزة يمكنها أن تكون كل ذلك ولكن مع تحديد الأولويات ووضوح المواقف، ومادمنا لم ننجز الدولة المستقلة وما دامت إسرائيل تهدد وتتوعد الرئيس، وكيري يريد فرض شروط مجحفة على الفلسطينيين، فنحن بحاجة لفتح حركة التحرر الوطني ولو كان ذلك على حساب مواجهة محدودة مع الاستحقاقات التي تفرضها التسوية على السلطة، وفي نفس الوقت عدم تجاهل المطالب والاحتياجات الضرورية لأبناء فتح.

ثانيا: غياب مهام محددة لتنظيم فتح في قطاع غزة

بالإضافة إلى الإشكال العام الأول المتعلق بالرؤية السياسية والفكرية فإن تنظيم فتح في غزة ونظرا لوقوع غزة تحت حكم حركة حماس مع استمرار الاحتلال والحصار، بات في حالة إرباك حول مهامه وكيفية التصرف في مواجهة حركة حماس والاحتلال والحصار. غياب الرؤية عند القيادة المركزية يؤثر سلبا على تنظيم غزة،وهكذا عندما يتم تكليف هيئة قيادية بقيادة التنظيم فلا يُحدد لها أهداف محددة لا سياسية ولا اجتماعية وهذا يفقدها مصداقيتها عند قاعدتها وعند الفصائل الأخرى.

وعليه فإن الهيئة القيادية لفتح في القطاع لا تستطيع أن تعطي إجابات واضحة لقاعدتها أو للجمهور العام حول المسائل السياسية والفكرية محل الخلاف،بل إن غالبية الجيل الجديد من شباب فتح لا يعرفون عن حركة فتح سوى ما تقدمه من مساعدات ورواتب والرئيس أبو عمار وتاريخ مشوش عن بطولات فتح.

يُفترض أن يشكل تنظيم فتح في القطاع حكومة ظل مُلِمة ومتابعة لكل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية والصحية الخ، وهذا ما لا يوجد لأسباب متعددة كغياب الرؤية كما ذكرنا، بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات المادية وضعف الكادر القادر على ذلك.

ثالثا: عدم تجديد الأطر القيادية

من يتابع التغيرات التي تطرأ على الهيئة القيادية في قطاع غزة سيلاحظ أن نفس الأشخاص تقريبا هم من يتولى مناصب في الهيئات القيادية المتعاقبة دون دخول شخصيات جديدة سواء من جيل الشباب أو من الفتحاويين القدامى ذوي الكفاءة ممن لم تُسنح لهم الفرصة لتولي مناصب قيادية.

مع كامل الاحترام للقيادات المخضرمة للتنظيم ولتاريخهم النضالي وإدراكنا للصعوبات التي يواجهونها وخصوصا تدخل أعضاء من المركزية بشؤونهم،إلا أن هذه القيادات تولت مناصب متعددة وجربها التنظيم والشعب خلال سنوات الخير وقبل أن تسيطر حماس على غزة، ولم يكونوا موفقين في عملهم، بل إن فتح خسرت الانتخابات وخسرت قطاع غزة في ظل وجودهم على رأس التنظيم والسلطة.

سيكون من العبث الإصرار على استمرار نفس الأشخاص في مواقعهم القيادية،وخصوصا انه خلال عملهم ونتيجة تكرار التغيير في الهيئة القيادية بإقالة بعضهم وتعيين آخرين منهم ثم إقالة هؤلاء وعودة الأولين الخ، تولدت عداوات وانعدام ثقة بين بعضهم البعض مما يجعل من الصعب أن يُشكل من بينهم هيئة قيادية منسجمة،بالإضافة إلى العداوات وانعدام الثقة بينهم وبين القاعدة.

رابعا: عدم تفرغ اللجنة المركزية للعمل التنظيمي وتغليب الخاص على العام

كيف يعقل أن حزبا قائدا لشعب يخضع للاحتلال ويواجه تحديات جسام داخلية وخارجية أن لا يمتلك مؤسسة قيادة حزبية متماسكة و متفرغة للعمل السياسي التنظيمي، بل كل عضو لجنة مركزية له وظيفة لا علاقة لها بالعمل التنظيمي وتشغل كل وقته. مع افتراض أهمية هذه المواقع والوظائف للشعب الفلسطيني إلا أن أشخاصا كثيرين يمكنهم شغلها من غير أعضاء المركزية، ولذا يجب أن يكون أعضاء اللجنة المركزية متفرغين للعمل التنظيمي وخصوصا في هذه المرحلة العصيبة للحركة ولفلسطين.

لأن أعضاء اللجنة المركزية يتولون وظائف تُدر عليهم المال والامتيازات فهم يمنحون للوظيفة من وقتهم وجهدهم أكثر مما يمنحونه للعمل التنظيمي. بل الأخطر من ذلك، فلأن عضوية اللجنة المركزية تمنح هذه الامتيازات وضمان استمرارهم فيها فإن كل عضو مركزية يصبح همه كيفية الحفاظ على موقعه وضمان انتخابه في المؤتمر القادم وفي سبيل ذلك يتواصل مع الأطر الأدنى في التنظيم ويؤسس علاقات خاصة ويُقدم تسهيلات وخدمات لهذه الأطر ليس لخدمة تنظيم فتح ولكن لضمان أنصار ومؤيدين لينتخبوه في المؤتمر القادم.

خامسا: تجاوز أعضاء اللجنة المركزية للهيئة القيادية

عندما يتم تكليف هيئة قيادية عليا في القطاع يفترض بهذه الهيئة أن تكون المرجعية الوحيدة لكل الشأن الفتحاوي في القطاع وان تتواصل اللجنة المركزية أو الرئيس مع قطاع غزة من خلال هذه الهيئة القيادية. ولكن ما كان يجري انه بعد تشكيل الهيئة القيادية تصبح كشاهد زور، حيث يتواصل أعضاء اللجنة المركزية بطريقة منفردة مع أفراد وشخصيات فتحاوية لحل مشاكلهم أو تقديم تسهيلات لهم من وراء ظهر الهيئة القيادة، ويسعى كل عضو مركزية لكسب مؤيدين له من الهيئة القيادية والهيئات القيادية الأدنى من خلال علاقات خاصة وشخصية، كما أن أعضاء المجلس التشريعي واللجنة المركزية والثوري وحتى شخصيات غير فتحاوية في قطاع غزة يتجاهلون الهيئة القيادية ويتواصلون مباشرة مع الرئيس أو اللجنة المركزية ليحلوا مشاكل الناس أو يحاولوا ذلك.

عدم التزام واحترام اللجنة المركزية للهيئة القيادية العليا للتنظيم في غزة والخلافات الخفية بين أعضاء اللجنة المركزية يشجع كل محتج أو معارض للهيئة القيادية في قطاع غزة بدلا من أن يبحث عن حل المشكلة من خلال الهيئة القيادية والتسلسل التنظيم،يقوم بالاتصال مباشرة مع عضو لجنة مركزية وقد يجد منه التشجيع والتحريض بدلا من صده والطلب منه الالتزام بالأطر القيادية. وبذلك بوعي أو بدون وعي تعمل اللجنة المركزية وبعض المقربين من الرئيس على إضعاف الهيئة القيادية وعدم احترام القاعدة لها.

سادسا: الانقسام داخل فتح

دون تقليل من الانقسام غير المؤسسي وغير الرسمي الناتج عن فصل محمد دحلان من اللجنة المركزية لحركة فتح، إلا أنه لم يكن أول انشقاق تعرفه حركة فتح،فتاريخيا تعايشت حركة فتح مع حالات شبيهة ولم تتوقف مسيرتها والتاريخ اثبت في النهاية صحة الخط الصحيح في فتح. مع أن انشقاق أبو خالد العملة وأبو موسى وأبو صبري بداية الثمانينيات كان الأخطر في تاريخ فتح،فقد سبقه ولحقه انشقاقات كثيرة: صبري البنا (أبو نضال)،ناجي علوش،منير شفيق، و مع ذلك استمرت حركة فتح. لذلك يجب أن لا تتحول ظاهرة محمد دحلان ذريعة لإعاقة استنهاض حركة فتح سواء في قطاع غزة أو في بقية الأقاليم، فحركة فتح يمكنها الاستمرار وتطوير عملها حتى مع بقاء حالة انشقاق داخلها.

نعتقد بإمكانية معالجة المشكلة بعقلانية ما دام دحلان يقول بأنه ينتمي لحركة فتح وما دام مؤيدوه حاضرين بدرجة أو بأخرى ليس فقط في قطاع غزة بل وفي أقاليم أخرى. وللأسف فإن ضعف مؤسسة القيادة في فتح والخلافات بين أعضاء اللجنة المركزية وقولهم بالسر ما لا يقولونه بالعلن بشان محمد دحلان يساعد على تضخيم وتعقيد مشكلة دحلان واستمرارها بدون حل حتى الآن.

وأخيرا نقول بأنه نظرا لموقع قطاع غزة في المشروع الوطني الفلسطيني ودوره التاريخي وما ينتظره من دور مستقبلي، نخشى من أن هناك قوى تريد إعاقة استنهاض حركة فتح في قطاع غزة تحديدا لأن استنهاض فتح غزة يعني استنهاض حركة فتح بشكل عام وبالتالي استنهاض المشروع الوطني الفلسطيني العدو والنقيض الرئيس للاحتلال وللانقسام.