بعدما منعتهم السلطات الإسرائيلية منها علناً

خبر الأسرى الفلسطينيون ينتسبون سراً إلى الجامعات

الساعة 06:23 ص|01 فبراير 2014

غزة

كان جمال ابو محسن طالباً في السنة الجامعية الأولى عندما اعتقل وهو في التاسعة عشرة من عمره عام 1991 وحكم عليه بالسجن المؤبد. لكنه خرج من السجن قبل اسابيع وهو يحمل الشهادتيْن الجامعيتيْن الأولى والثانية (البكالوريوس والماجستير)، ويتقن لغتيْن أجنبيتيْن هما العبرية والانكليزية، وأخذ يبحث عن جامعة للعمل فيها، واستكمال دراسته لنيل الدكتوراه.

وقال ابو محسن الذي ما زال يستقبل وفود المهنئين في ديوان العائلة في بلدته طوباس شمال الضفة الغربية: «عندما اعتقلت، وحكم علي بالسجن المؤبد (مؤبد وخمسة عشرة عاماً)، لم أجد غير القراءة وسيلة لمواجهة السجن. في البداية لجأت الى القراءة الذاتية، فدرست تاريخ فلسطين وتاريخ منظمة التحرير، ثم انتقلت الى دراسة الاقتصاد والعلوم والفلسفة ... كان لدي الكثير من الوقت والكثير من حب المعرفة».

وأضاف: «عندما يعتقل الإنسان لفترة طويلة، يجد نفسه امام خيارين: اما ان يستغل وقته في السجن في بناء نفسه ثقافياً والحفاظ على روحه، او يتحول الى عبء على نفسه وعلى أسرته وعلى الأسرى».

لكن القراءة الحرة الذاتية والجماعية التي تشترك فيها غالبية الأسرى البالغ عددهم اليوم خمسة آلاف أسير وأسيرة، لم تكن كافية لهم، فأخذوا يطالبون سلطات السجون بالسماح لهم بالانتساب الى الجامعات. وعندما رفضت طلبهم، لجأوا الى الإضراب المفتوح عن الطعام الى ان تراجعت ووافقت على ذلك.

وأوضح ابو محسن: «خضنا إضراباً مفتوحاً عن الطعام عام 1992 لمدة 14 يوماً متواصلة أذعنت السلطات في نهايته الى مطالبنا، خصوصاً السماح لنا بالدراسة في الجامعة عبر الانتساب، لكنها اشترطت ان يتم ذلك في الجامعة العبرية المفتوحة في تل ابيب».

 

ولم يكن هذا الشرط عائقاً امام الكثيرين الذين سارعوا الى تعلم اللغة العبرية للالتحاق بالجامعة، ومنهم ابو محسن الذي حصل على الشهادة الجامعية الأولى في العلوم السياسية بعد ان أتقن العبرية قراءه وكتابة ومحادثة.

 

وأقامت السلطات الإسرائيلية قاعات خاصة للتدريس في السجون، وأخذت الجامعة العبرية ترسل محاضريها للقاء الطلاب والإشراف على الأبحاث والدراسات.

 

وقال أبو محسن الذي اجرى بحثين للتخرج، واحداً عن حقوق الفرد في اميركا، والثاني عن حرب لبنان عام 1982 وتخرج بدرجة جيد جداً (80 في المئة): «اجريت ابحاثاً عديدة اثناء دراستي الجامعية، منها ابحاث عن الصهيونية، وقدمت نقداً للنظرية الصهيونية من وجهة نظر اكاديمية علمية، وقبلتها الجامعة».

 

وحمل عام 2010 أخباراً سارة أخرى للأسرى في سجن العزل «هداريم» الراغبين في استكمال دراساتهم العليا، اذ حصل الأسير مروان البرغوثي على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة، وعقد اتفاقاً مع جامعة القدس لتدريس برنامج الماجستير في العلوم السياسية لحملة شهادة البكالوريوس. وكان ابو محسن من اوائل الملتحقين بالبرنامج، وأنهى الدرجة الجامعية الثانية في الدراسات الإسرائيلية قبل اطلاق سراحه بأشهر.

 

لكن السلطات الإسرائيلية أغلقت برنامج البكالوريوس في الجامعة العبرية عام 2011، ومنعت الأسرى من الانتساب الى الثانوية العامة التي تنظمها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بهدف معاقبتهم. لكن هذا دفعهم الى البحث عن البديل، فبدأوا بالدراسة في السر.

 

وقال وزير شؤون الأسرى عيسى قراقع: «قام الأسرى من قطاع غزة بتنظيم برنامج دراسي بديل تبنته جامعة الأقصى وإحدى كليات المجتمع في غزة، وأقرت وزارة التربية والتعليم في الضفة الغربية البرنامج هذا العام (2014) وتبنته جامعة القدس المفتوحة». وأضاف: «التعليم حق أساسي للأسير، والسلطات الإسرائيلية تحرم أسرانا منه، لذلك كان لا بد لنا من ايجاد البديل».

 

وأجرت وزارة الأسرى مسحاً لحملة الشهادات الجامعية الأولى والثانية في السجون ليقوموا بتدريس زملائهم في الثانوية العامة وفي البكالوريوس. وتوقع قراقع ان يصل عدد المنتسبين الى الثانوية والعامة والبكالوريوس العام الحالي الى اكثر من 2000 اسير. وأضاف ان وزارة التربية والتعليم ترددت طويلاً في قبول البرنامج لأسباب أكاديمية، لكنها وافقت عليه أخيراً بعد ان تيقنت من وجود كفاءات بين الأسرى للتدريس في السجن. وتبنت جامعة القدس المفتوحة البرنامج الجامعي، فيما ستتولى وزارة التربية والتعليم الإشراف على برنامج انتساب الأسرى الى الثانوية العامة.

 

وترك الأسير مروان البرغوثي تأثيراً كبيراً في طلابه في سجن «هداريم». وقال ابو محسن: «البرغوثي مدرس جاد، لا يتسامح ابداً في الدراسة وفي الأبحاث والدراسات». وأضاف: «مروان صاحب اثر كبير واستثنائي في الأسرى. عندما جاء الى السجن، قال لنا: لا خيار امامكم سوى ان تبنوا انفسكم جيداً لتلعبوا دوراً في المجتمع. اذا تحررتم من الأسر وعدتم الى المجتمع، فإن الناس ستحتفل بكم اسابيع او شهوراً، تم يتركونكم تتدبرون اموركم. وإذا لم تحملوا شهادات عليا ولم تكونوا مبنيين جيداً، فإنكم ستعيشون على هامش المجتمع».

 

والبرغوثي نفسه يشكل نموذجاً في استغلال وتنظيم وقته في السجن، فهو يصحو من نومه عند السابعة صباحاً، ويمارس الرياضة، ثم يقرأ الصحف، وبعدها يبدأ في تقديم المحاضرات للطلاب والأسرى. وبعد العصر، يقوم بقراءة الكتب باللغات الثلاث العربية والعبرية والانكليزية.

 

وأطلقت اسرائيل سراح ابو محسن في الدفعة الثالثة من اسرى ما قبل اتفاق اوسلو، وعددهم 104 اسيراً، وفق اتفاق سياسي رعته الإدارة الأميركية، ووافق بموجبه الرئيس محمود عباس على العودة الى المفاوضات وتجميد الانضمام الى المنظمات الدولية لتسعة اشهر تنتهي في نيسان (ابريل) المقبل. ومن المقرر ان تطلق الدفعة الرابعة والأخيرة من هؤلاء الأسرى نهاية آذار (مارس) المقبل.

 

ويعتزم ابو محسن التقدم للعمل محاضراً في الشؤون الإسرائيلية في الجامعة العربية الأميركية في مدينة جنين المجاورة، وهو التخصص الذي برع فيه في الأسر. لكنه لن يتمكن من القيام بذلك قبل عام لأن السلطات الإسرائيلية فرضت عليه اقامة جبرية داخل محافظته طوباس لمدة عام.

 

وأجرى ابو محسن العديد من الأبحاث والدراسات اثناء دراسته العلوم السياسية والشؤون الإسرائيلية في السجن. ويقول: «وجدت ان النظام السياسي في إسرائيل نظام ديموقراطي، لكن الديموقراطية الإسرائيلية حكراً على اليهود فقط، وغير مطبقة على العرب». وأضاف: «العرب لا يشاركون في الحكومة ولا في اللجان البرلمانية الحساسة مثل الخارجية والأمن وغيرها».

 

ويرى ابو محسن الذي اعتقل على خلفيه قيامه بطعن اسرائيلي حتى الموت رداً على سقوط خمسة شهداء فلسطينيين، أحدهم رفيقه في مجموعة من مجموعات الانتفاضة الأولى، أن امام الفلسطينيين وسائل اخرى غير العنف لمواجهة الاحتلال وتحرير ارضهم، مضيفاً: «اعتقد ان علينا الاستفادة من تجارب عالمية قريبة الينا، مثل تجربة النضال ضد النظام العنصري في جنوب افريقيا، وثورة غاندي في الهند».