خبر « خبصـــة وقايمــــة » .. هاني المصري

الساعة 07:06 ص|28 يناير 2014

تعيش النخبة الفلسطينيّة حالة من الفوضى والانتظار لاقتراب مهمّة كيري من لحظة الحقيقة، حيث أنها يمكن أن تبلور "اتفاق إطار" يشكل مرجعيّة جديدة للمفاوضات اللاحقة، وهناك حيرة بين القبول أو الرفض أو بالاستنجاد بجواب "لعم". ويمكن أن يطلب كيري تمديد المفاوضات لأخذ فرصة أكبر علّه ينجح في ما فشل فيه حتى الآن.

"خبصة وقايمة" .. هذه هي الوصفة المناسبة لحالتنا الراهنة، فإذا بدأنا باللجنة التنفيذيّة للمنظمة، ومن المفترض أنها المرجعيّة العليا للشعب الفلسطيني، سنجد أنها اجتمعت مؤخرًا في هذا الوضع الحرج بعد مرور أكثر من شهرين على اجتماعها السابق، في الوقت نفسه الذي جاء فيه كيري مرات عدة، فعلى ما يبدو أنّ لأعضاء اللجنة انشغالات أخرى تشغلهم عن الاجتماعات التي تعالج تطورات مهمّة كيري، أو أنّ عدم الاجتماع جاء عقابًا لهم على رفضهم، أو عدم قبولهم، أو عدم وضوح ما اتفقوا عليه حينما ناقشوا استئناف المفاوضات. فهناك من يقول من أعضاء اللجنة إنها وافقت على استئناف المفاوضات، واعترض ستة أو سبعة أعضاء، وهناك من يقول إنها عارضت استئناف المفاوضات بأغلبيّة كبيرة، وبعض آخر يقول إنها عارضت في البداية، ثم عادت ووافقت في ما بعد. طبعًا، هذه الفوضى ترجع إلى أن اللجنة لا تقوم بعملها كمؤسسة فيها شراكة وعمل جماعي، ولا تصوت - حتى عند الخلاف وتنوع الاجتهادات - إلا فيما نَدَر؛ ما يؤكد الحاجة إلى إعادة النظر في كيفية اتخاذ القرار، بدلاً من احتكاره من قبل شخص واحد.

وفي اجتماعها الأخير، هاج وماج أغلبيّة أعضاء اللجنة، وطالبوا برفض "خطة كيري"، ووقف المفاوضات والتوجّه إلى الأمم المتحدة والانضمام لمؤسساتها وتوقيع اتفاقاتها، وطلب منهم الرئيس الانتظار لحين انتهاء مدة الأشهر التسعة، التي ستنتهي في نهاية نيسان المقبل، وأخبرهم بأن اللجنة المركزيّة لحركة «فتح» ترى في غالبيتها ما يرى أعضاء اللجنة التنفيذيّة، لكنّه أكد أنّ اتخاذ القرار بشأن المفاوضات (استمرارها من عدمه) من اختصاص اللجنة التنفيذيّة. ولإيجاد مخرج طلب الرئيس إحالة الأمر إلى اللجنة السياسيّة لتقوم ببحث الأمر ورفع توصياتها إلى اللجنة التنفيذيّة. وبالفعل، اجتمعت اللجنة السياسيّة ورفعت توصياتها التي تقضي بالتوجه إلى الأمم المتحدة، ولكنها لم تتضمن توقيت ذلك، ولم تربط ما بين التوجه وبين الاستمرار في المفاوضات من عدمه.

وإذا أخذنا "حماس"، نجد أنها حائرة هي الأخرى حول كيفيّة التصرف في ظل المأزق الذي تعيشه بعد تدهور علاقاتها بمصر وإيران وسوريا. هل تنتظر عودة شرعيّة مرسي رغم أنّ عجلة "خريطة الطريق" تدور، والاستفتاء أقرّ الدستور، والانتخابات الرئاسيّة ستسبق البرلمانيّة، وإذا ترشّح عبد الفتاح السيسي - على الأرجح - سيفوز؟

"حماس" حائرة، هل تُصَعِّد مع إسرائيل، وثمن ذلك كبيرٌ جدًا، خصوصًا أن البيئة العربيّة والإقليميّة والدوليّة غير مناسبة تمامًا، فلن تحصل "حماس" على التعاطف الذي حصلت عليه في العدوانَين الأخيرين. وإسرائيل قد ترى بأن الفرصة سانحة لتوجيه ضربة قويّة لـ"حماس" ولجميع فصائل المقاومة؛ لذا نرى "حماس" حريصة على استمرار التهدئة.

أو أن تختار توتير العلاقات أكثر وأكثر مع مصر، خصوصًا بعد إغلاق الأنفاق، وتشديد الحصار، وشنّ حملات إعلاميّة مصريّة ضد "حماس" بوصفها امتدادًا لجماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة، وتهديدها بإسقاط حكومتها في غزة؛ لكنّ هذا الخيار، مكلف جدًا لـ"حماس"، لأنّ الردّ المصري سيكون غير مسبوق.

إذا انتقلنا إلى آخر تصريحات الرئيس، سنجد أنه بعد حديثه عن عدم رغبته بالعودة إلى صفد وأنّ هذا قرار شخصيّ (مع أنه حق فردي ووطني)، وأنه يميز ما بين عدم شرعيّة الاحتلال وشرعيّة إسرائيل بالرغم من أنها تقوم بهذا الاحتلال؛ تحدث مؤخرًا عن حريّة اللاجئ الشخصيّة بالاختيار بالنسبة للعودة تمامًا مثل الزواج.

كما وجّه الرئيس دعوة إلى نتنياهو لإلقاء خطاب في المجلس التشريعي غير المنعقد والمعطّل والمنتهية مدّته القانونيّة منذ زمن طويل، مثلما انتهت مدة الرئيس، وأبدى استعداده لإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي شرط أن يتحدث كما يريد، وليس ضمن الشروط التي وضعها نتنياهو عندما وجه له الدعوة واشترط حينها أن يعترف بإسرائيل كدولة "يهوديّة" وغيرها من الاشتراطات التي رفضها الرئيس.

لا أعرف ما المغزى من توجيه مثل هذه الدعوة؟ وإبداء الاستعداد لتلبية دعوة نتنياهو في وقت يبدي فيه نتنياهو وحكومته تطرفًا غير مسبوق ونشاطًا عدوانيًّا واستيطانيًا بمعدلات هائلة، والوضع الفلسطيني سيئ جدًا، ما يقتضي تركيز الجهود على ترتيب البيت الفلسطيني، وبلورة إستراتيجيّات قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد القضيّة الفلسطينيّة. ويجدر التنويه إلى أننا لا نعرف متى سيرد موسى أبو مرزوق على أسئلة عزّام الأحمد حتى يقوم بزيارة غزة والشروع في تشكيل الحكومة وتحديد موعد الانتخابات.

لم نعد نعرف من سيرأس الحكومة، الرئيس أو رامي الحمد الله أو شخصية مستقلة أخرى، ومتى ستُجرى الانتخابات بعد ستة أشهر أو تفويض فصائلي للرئيس بتحديد موعدها متى شاء.

وإذا انتقلنا إلى ياسر عبد ربه، لا نكاد أن نتعرف عليه ونحن نسمعه يقوم بتوجيه سلسلة من الانتقادات للمفاوضات ولـ"خطة كيري"، التي فنّدها بشكل رائع، ولدرجة المطالبة بالتوجه الفوري إلى الأمم المتحدة، وبعقد "جنيف" الفلسطيني.

أما صائب عريقات، فلم نعد ندري: هل هو كبير المفاوضين، أم كبير المعارضين؟ وعريقات الآن يقول إننا ارتكبنا خطأً إستراتيجيًّا بعدم استكمال التوجه إلى الأمم المتحدة، ويطالب بتصحيح الخطأ فورًا. وهكذا فعل زميله في اللجنة المركزيّة محمد شتيّة، المستقيل معه استقالة نافذة من وفد المفاوضات، حيث أضاف على ما سبق دعوته إلى تحويل السلطة إلى "سلطة مقاومة". أما توفيق الطيراوي، فقد ذهب إلى أبعد منهما، وطالب بالعودة إلى المقاومة بجميع أشكالها. فيما نبيل عمرو ينفرد بالتفاؤل رغم خصومته المستمرة مع الرئيس، ويعتقد بإمكانيّة التوصل إلى تسوية، ويدعو إلى قبولها.

وإذا نظرنا إلى ما يحدث في مخيم اليرموك، وما يتعرض له اللاجئون في سوريا، وكيف تعاملت القيادة والفصائل و«المنظمة»، التي من المفترض أنها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين، نجد أننا تضامنّا متأخرين مع جزء من شعبنا، بالرغم من أنه لا يتعرض لحصار ونكبة جديدة فقط، وإنما يموت جوعًا. فلتسقط كل الاعتبارات السياسيّة التي تمنع عمل كل ما يلزم وكل ما هو ممكن لوقف الموت جوعًا.

ما سبق غيض من فيض، ويجعل الحديث أننا في "خبصة وقايمة" ليس فيه أي مبالغة!