خبر في ذكرى مولد سيد الأنام.... الإسلام رسالة رحمة وسلام.. بقلم د. علاء مطر

الساعة 01:08 م|13 يناير 2014

بقلم

 

يعتبر يوم مولد نبي الرحمة محمد بن عبد الله عليه وأله أفضل الصلاة والسلام، ذكرى خالدة في أعماق العقل البشري المنصف الواعي للسيرة الحقيقية لهذا النبي الذي حرر الإنسان جسداً وفكراً من أغلال العبودية، فاتحاً صفحة جديدة في تاريخ البشرية ترتكز على المفاضلة بين البشر بما يقدمونه من خير لا ما ينتسبون إليه طبقياً. إن ذكرى ميلاد المصطفى ذات أهمية كبرى لتذكير البشرية جمعاء بسيرته العطرة ورسالته السمحة التي تمثل مصدر إسعاد للبشرية، بما تحويه قولاً وفعلاً من أسمى آيات التسامح والمحبة والسلام. لقد رسخ النبي محمد –صلى الله عليه وآله وسلم- مكانته عالياً كرسول الرحمة والسلام مقدماً نماذج راسخة في الذاكرة للتعامل الرحيم مع البشر والحيوان والجماد، والأعداء أيضاً، مصداقاً لقول الله عز وجل "ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء:107). فلقد كانت رحمته سائدة في كل ثنايا سيرته الدعوية، فرغم كل الأذى الذي ألحقه به أعدائه كان دعائه "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (السلسلة الصحيحة). بل إنه حين دخل مكة فاتحاً ومكنه الله ممن ساموه سوء العذاب، تعامل معهم بخلقه السمح قائلاً "اذهبوا فأنتم الطُلَقاء". إذاً فلقد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- نموذجاً وقدوة في الصفح والعفو من أجل السلم مبدأ وغاية، وبهذا ساد المسلمون آنذاك وعلت رايتهم بما عقلوه وطبقوه من رسالة الإسلام التي جاءت لحمل الناس على التراحم والتسامح فيما بينهم والعمل الجاد وبذل الجهد لإعمار الأرض وإسعاد كل من يعمرها.

أمام هذا التسامح عاصر التاريخ الإسلامي متشددين ومغالين في الدين رغم التحذير النبوي الشديد من ذلك " إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" (رواه النسائي، وابن ماجه واللفظ للنسائي وإسناده صحيح). وخير شاهد على الجماعات التكفيرية في التاريخ الإسلامي هم الخوارج، الذين استباحوا الدماء وقتلوا الأطفال وارتكبوا من المجازر الكثير، حتى وصل بهم الأمر قتل الإمام العظيم علي بن أبي طالب عليه السلام، بل أنهم استحلوا دماء كل من خالف أفكارهم الإجرامية المسمومة، وساهموا بشكل خطير بإنهاك الدولة الإسلامية عبر عصورها المختلفة.

إن هذه الجماعة الإجرامية عُرف عن أتباعها الالتزام الحديدي بالعبادات وحفظ القرآن، لكن وفق تصور خاطئ للإسلام ورسالته ظانين أن غلوهم في الدين هو مدخلهم للفوز بالجنة، متناسين كل التحذيرات النبوية من الوقوع في هذا الشَرك، يقول عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم: "هلك المتنطعون قالها ثلاثاً " (صحيح مسلم)، والمتنطعون هم الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.

ولا تزل الجمعات المتطرفة المغالية في الدين توهم أتباعها بأنهم وحدهم مُلاك حقيقة الإسلام والإيمان بل لا طريق للجنة إلا بالاعتقاد الجازم بكل خرفاتهم الفكرية الظلامية، مستمرون في العبث على الساحة الإسلامية بعيدين كل البعد عن مبادئ الشريعة ورسالتها السامية التي ملؤها الرحمة والسلام. فهم لا يتورعون عن نشر القتل والدمار أينما حلوا وبدافع من معتقداتهم الخاطئة القائمة على تفسير خاطئ للدين، حيث يلتقي الشذوذ الفكري مع النفسي مخلفاً وراءه ثلة من المتلذذين بالقتل والخراب. إن حملة الفكر التكفيري كالسوسة تنخر في جسد الأمة الضعيف، وتزداد خطورتهم جراء استغلالهم من قبل الدول المعادية الساعية لاستمرار الأمة العربية والإسلامية في حالة نزاع وتشرذم مستمر. هذا وما يساهم في استمرار بقاء هذه الجمعات التكفيرية وتوسع انتشارها، حالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني، التخبط الفكري  الشديد الذي يسيطر على الساحة الإسلامية، التعصب المذهبي وثقافة الإقصاء، التمترس وراء مسلمات دينية خاطئة بعيداً عن إعمال العقل، وعلاوة على ذلك الأوضاع المعيشية المتردية التي تعد فئة الشباب أكثر المتضررين منها سيما مع غياب الأمل في مستقبل أفضل.

إن تحصين الأمة من انتشار الجماعات التكفيرية، يتطلب نشر الوعي بالمنهج الفكري الإسلامي السليم القائم على حرية الفكر وقبول الآخر المستند إلى قيم التسامح،  والسعي إلى تحقيق الأمن والاستقرار، والعمل الحثيث على تحسين الأوضاع المعيشية وتنميتها، بما يضمن تجفيف المنابع التي يترعرع فيها الفكر التكفيري الإجرامي. عليه وفي ذكرى مولد سيد الأنام نؤكد أن منهجه ورسالته تحمل الرحمة والسلام للبشرية جمعاء، وما يرتكبه بعض المتطرفين المتعصبين المتخلفين فكرياً من حماقات بحق مخالفيهم لا يمثل إلا ذواتهم الإجرامية، والرسول الأعظم والإسلام السمح منهم براء.