خبر ديغول تقريبا- هآرتس

الساعة 10:47 ص|12 يناير 2014

بقلم: شلومو أفنيري

(المضمون: شارون يشبه ديغول الى حد بعيد وإن يكن ديغول نجح في تصفية الاستيطان الفرنسي في الجزائر ونجح شارون في تصفية الاستيطان اليهودي نجاحا جزئيا فقط - المصدر).

 

إن جملة حياة اريئيل شارون تعبر بقدر غير قليل عن التحولات التي مرت بها دولة اسرائيل. فكما تحول عضو "الهاغاناة" الشاب من قرية ميلل الى قائد مجيد والى جرافة مشروع الاستيطان والى رمز الاعتماد على القوة الاسرائيلي، كما تجلى ذلك بقراره على بدء حرب لبنان الاولى – تحولت اسرائيل ايضا من داود الذي يواجه جوليات الى قوة عسكرية اقليمية. بعد ذلك أدرك شارون – واسرائيل مثله ايضا – حدود القوة والأخطار الكامنة فيها.

 

حينما أدهش شارون رفاقه في الليكود قُبيل الانفصال عن غزة بقوله إن استمرار السيطرة الاسرائيلية على المناطق سيء لا للعرب فقط بل لليهود ايضا – كان واضحا أن الواقعية والرؤية اليقظة للواقع لم تتغلبا فقط على ايديولوجية مشروع الاستيطان بل على الانتشاء بالقوة الذي ميز اسرائيل بعد 1967.

 

وتبين أن الجدلية القاسية للسياسة تُمكّن الرجل المؤيد لليمين خاصة من أن ينفذ ما أراد اليسار فعله لكن لم يستطع ذلك. إن الشبه بشارل ديغول كبير: فقد أراد الاشتراكيون الفرنسيون الخروج من الجزائر لكنهم لم يستطيعوا تجنيد الأكثرية المطلوبة لذلك الاجراء. وكان ديغول الذي تولى السلطة بانقلاب عسكري (ما كان يمكن أن يحدث ذلك في اسرائيل) تحت شعار "الجزائر الفرنسية"، كان هو الشخص الذي وضع نهاية لـ 130 سنة حكم فرنسي للجزائر وأدى الى اقتلاع أكثر من مليون مستوطن. كان الانفصال عن غزة من وجهة نظر شارون فصلا أول فقط في مسيرة أبعد مدى في الضفة في حين كان حزب كديما يمنحه الدعم العام المطلوب. ويكمن الفرق بين الاثنين بالطبع في حقيقة أن ديغول نجح في تنفيذ سياسته أما نشيد حياة شارون فانقطع في منتصفه.

 

ما الذي جعل شارون يغير اتجاهه؟ أولا أنه حتى لو كان هو الذي بادر الى انشاء الليكود فان مصادره لم تكن في الحركة التصحيحية بل في حركة العمل. كان شارون صقرا لكنه كان صقرا أمنيا لا ايديولوجيا وإن احتاج احيانا الى استعمال لغة ارض اسرائيل الكاملة. وحينما اقتنع بأن وجود اسرائيل في غزة ليس كنزا استراتيجيا بل عبئا أصبح مستعدا نفسيا وقيميا لاتخاذ القرار الصعب على الانسحاب واقتلاع المستوطنات اليهودية التي فيها والتي أنشئت نتاج تدبيره بقدر غير قليل. وثمة حاجة الى غير قليل من الاستقامة الفكرية المقرونة بالتصميم – إن لم نقل بالقسوة – لاتخاذ قرار كذاك.

 

لكن اذا نظرنا في المستوى الأعمق وجدنا من وراء استقرار الرأي على الانفصال حكمة أكثر جوهرية. فشارون الذي كادت تتحطم حياته السياسية على إثر حرب لبنان استخلص منها دروسا لم يستطع كثيرون استخلاصها وعبر عنها بكلامه وافعاله. فقد أدرك اولا، ولاول مرة، حدود قوة اسرائيل التي هي في الحقيقة القوة العسكرية الأقوى في المنطقة لكنها غير قادرة على القضاء على الحركة الفلسطينية أو على جعل الفلسطينيين يقبلون الحكم الاسرائيلي في المناطق. وأدرك شارون ثانيا في مواجهة الاستقطاب الذي أحدثته الحرب في البلاد أنه ينبغي في المستقبل حينما تواجه اسرائيل تدابير حرب أو صنع سلام بذل كل الجهد لضم حزب العمل الى الحكومة وهذا ما فعله حقا حينما انتخب لرئاسة الوزراء في 2001 وأعطى شمعون بيرس حقيبة الخارجية وأعطى بنيامين بن اليعيزر حقيبة الدفاع. وقد عبر انشاء حزب كديما عن هذا التصور وهو تصور تشكيل قوة مركزية في الخريطة السياسية تستطيع التوجه الى المعتدلين في اليمين واليسار معا.

 

في هذه الايام سيكثر مؤبنو شارون من البحث في تراثه وهو مركب، فمن المؤكد أن مشروع الاستيطان في الضفة يجعل مسيرة التفاوض صعبة. لكن الانفصال عن

 

غزة يشير الى الاجراء الوحيد الذي يبدو أن فيه أملا وهو خطوات مؤلمة من طرف واحد تستطيع اسرائيل الأخذ بها حتى مع عدم وجود اتفاق مع الفلسطينيين كي تقلل سيطرتها عليهم مع الحفاظ على أمنها ووجودها باعتبارها دولة اليهود.