خبر اريئيل شارون الرجل الذي أخضع الارهاب وخط خطوط الانسحاب- هآرتس

الساعة 10:42 ص|12 يناير 2014

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: لم يوجد زعيم اسرائيلي أثر في العلاقات بالفلسطينيين أكثر من شارون. وقد حقق شارون في أواخر ايامه خاصة نجاحات لكن كانت حرب لبنان الاولى تغطي حياته السياسية دائما - المصدر).

 

لم يوجد زعيم اسرائيلي أثر في علاقات اسرائيل بالفلسطينيين في العقدين الاخيرين أكثر من اريئيل شارون. بدأ شارون يصوغ صورة المواجهة (والخريطة) في المناطق قبل ذلك بكثير بصفة راعٍ لمشروع الاستيطان حينما كان يعمل وزيرا للزراعة ووزيرا للدفاع في حكومتي مناحيم بيغن. بعد ذلك حينما كان وزير الخارجية في حكومة نتنياهو الاولى، عاد من مؤتمر واي في 1998 ودعا المستوطنين الى المسارعة الى التمسك بكل تل في أنحاء الضفة الغربية بعد أن وقع بنيامين نتنياهو على اتفاق نقل مناطق اخرى الى الكريه الى نفسه، ياسر عرفات.

 

لكن شارون أثر في الأساس فيما يجري في المناطق بعد توليه رئاسة الحكومة في شتاء 2001. إن السنوات الخمس الحاسمة التي قضاها في منصبه طابقت ايضا ذروة الانتفاضة الثانية وخفوتها. والقرارات الحاسمة التي اتخذها آنذاك في مكافحته للارهاب الفلسطيني تملي الواقع في المناطق الى اليوم. قُتل في فترة ولاية شارون نحو من ألف اسرائيلي وأكثر من 2800 فلسطيني في الصراع القاتل بين الشعبين. لكن أصبح واضحا قُبيل نهايته أن اسرائيل تحت قيادة شارون حسمت المواجهة العسكرية مع الارهاب وإن كان الوضع في الجبهة السياسية أكثر تعقيدا. تم صد هجوم العمليات الانتحارية وبرغم أن الجيش الاسرائيلي و"الشباك" لهما أكبر الفضل في ذلك فما كان ليحدث ذلك من غير زعامة شارون.

 

اتخذ شارون ثلاثة قرارات حاسمة على الأقل في ايام الانتفاضة وهي: الخروج في عملية "السور الواقي" في آذار 2002، وبناء جدار الفصل الذي بدأ بعد ذلك ببضعة اشهر والانفصال عن قطاع غزة وشمال السامرة في صيف 2005. ووجدت ايضا سلسلة قرارات حاسمة مهمة وهي: تبني خريطة طريق ادارة بوش (ومعها أول اعتراف لزعيم من الليكود بحل الدولتين)، والامتناع عن تصفية عرفات برغم بُغضه الشديد للزعيم الفلسطيني، والتشجيع الجارف الذي منحه لانشاء البؤر الاستيطانية غير القانونية على أيدي المستوطنين مخالفا الالتزامات الرسمية التي بذلها للامريكيين.

 

غير شارون بعد أن هزم اهود باراك في انتخابات 2001 كلمة واحدة حاسمة من المواد السبع في التوجيه السياسي للجيش الاسرائيلي. فقد طُلب من الجيش أن يقضي على الارهاب الفلسطيني بدل تقليصه، لكن مرت سنة اخرى بالفعل الى أن حقق شارون سياسته الكاملة. وقد نبع الرد البطيء التدريجي في وقت قُتل فيه مئات المواطنين الاسرائيليين في عمليات الحافلات، كما نبه الى ذلك في حينه ألوف بن من الأهمية

 

الكبيرة التي نسبها شارون الى تقوية عنصرين حيويين وهما دعم قومي واسع لاجراءات عسكرية بعيدة المدى واحراز تفاهمات مع الولايات المتحدة.

 

لكن في الطريق احتاج رئيس الوزراء وهو من جيل 1948 والضباط الى غير قليل من الزمن ليلائم بعضهم بعضا. فلم يُخف شارون خيبة أمله بسبب الوهن وعدم المبادرة اللذين وجدهما كما رأى في صفوف هيئة الضباط العليا. وأدار الجنرالات عيونهم في كل مرة كان يثير رئيس الوزراء فيها في إطالة ذكريات حينما كان قائدا للوحدة 101. "لم أعرف أن أستعمل هذا الصغير (الحاسوب المحمول)، لكنني عرفت كيف أحارب الارهاب"، وبخ أحد قادة المناطق بحضرة ضباطه. وفي مرة اخرى في حديث مع رفاقه من قدماء المظليين، قال يشكو من الجيل الجديد: "ليس هؤلاء هم المظليين الذين أذكرهم". وقد وجد شارون لغة مشتركة مع "الشباك" برئاسة آفي ديختر بسرعة أكبر. فقد لاحظ ديختر سريعا حب رئيس الوزراء لعمليات اغتيال مشحونة باستعمال التكنولوجيا وكان شارون يبقى مستيقظا في الليالي منتظرا تقارير اخرى عن اغتيالات نجحت. وقد اعتاد أن يبشر من يتحدثون معه بعد أن كان اسم آخر يُمحى من قائمة المطلوبين بقوله: "قتلنا كلبا آخر".

 

اضطر شارون في الطريق الى "السور الواقي" الى التغلب على تحفظات الجنرالات ومخاوفهم في حين كان يجند الى جانبه قادة الالوية النظامية (وهم جنرالات اليوم أفيف كوخافي ويئير غولان وتشيكو تمير)، الذين آمنوا بأنه يجب وقف مرسلي المنتحرين الى تل ابيب وحيفا في بيوتهم في القصبات ومخيمات اللاجئين. وقد رجحت مذبحة ليلة عيد الفصح في فندق بارك في نتانيا الكفة واحتل الجيش الاسرائيلي مدن الضفة من جديد. ولم يكن ذلك نصرا فوريا، فقد احتيج الى سنتي عمليات اعتقالات في كل ليلة وتحقيقات "شباك" مرهقة لتقليص الارهاب الى مستوى محتمل ولاعادة الحياة في

 

اسرائيل الى ما كانت عليه. وكانت تلك مسيرة قاسية لا هوادة فيها مشحونة باصابة المدنيين لكنها أفضت في النهاية الى النتيجة التي أراد شارون احرازها.

 

سخرت وسائل الاعلام من الانباء المتوالية عن اعتقال رؤساء الاذرع العسكرية للمنظمات في الضفة وورثتهم وورثة ورثتهم. وفي واقع الامر اعتقل أو قُتل أكثر المخربين الكبار وكان من حلوا محلهم يعوزهم العلم والخبرة لتنفيذ عمليات انتحارية اخرى. وقد أحسن شخص لم يكن شارون يحبه حبا خاصا وهو رئيس هيئة الاركان آنذاك موشيه يعلون، أحسن تعريف ما حدث بأن قال إن حقيقة أن الارهاب يكلف الفلسطينيين أكثر من الثمن الذي يجبيه من المجتمع الاسرائيلي وسمت وعيهم الجماعي وبشرت بانهاء الانتفاضة.

 

والى أن حدث ذلك اضطر شارون الى أن يتبنى مرغما – ومخالفا غرائزه الامنية – فكرة جدار الفصل. لم يتحمس شارون لذلك لأنه فضل التوجه الهجومي في مواجهة الارهاب ولأنه خشي من أن تضع اقامة الجدار حدا للتوسع الاسرائيلي في داخل الضفة. لكن استمرار العمليات والضغط العام وتوصية "الشباك" التي لا لبس فيها فرضت عليه القرار بعد شهرين من انتهاء عملية "السور الواقي". وحاول شارون كعادته آنذاك ايضا أن يمسك بأكثر مما يستطيع هضمه. فأفضى مسار الجدار المجتاح في الضفة الى انتقاد دولي شديد والى سلسلة تدخلات من المحكمة العليا انتهت الى نقل اجزاء منه الى الغرب. وكان للجدار تأثير مضاعف فقد ساعد على صد المنتحرين ورسم الخط الذي اصبح يجري كل نقاش في مستقبل المستوطنات غربيه.

 

بعد سنة ونصف أجاز شارون خطة الانفصال. وقد عمل هنا ايضا كما في قضية الجدار بخلاف كامل لموقفه السياسي الأصلي. فقد أعلن في 2002 ان "حكم

 

نتساريم كحكم تل ابيب". لكن استمرار الانتفاضة جعله يغير رأيه في أواخر 2003. وقد ساد الجمهور الاسرائيلي شعور بالاشمئزاز بازاء أمواج العمليات وكتب رجال احتياط من وحدات فخمة الشأن منهم طيارون وخريجو دورية هيئة القيادة العامة، عرائض رفض. ونشأت صدوع ايضا في مكانة اسرائيل في الخارج. وقوي جدا الانتقاد الاوروبي لسلوك الجيش الاسرائيلي في المناطق وعانى الاقتصاد من هرب مستثمرين. وليس من الممتنع أن تكون التحقيقات الجنائية التي بدأت معه ومع ابنيه في تلك الفترة قد أسهمت هي ايضا في استنتاجه أنه يُحتاج الى خطوة متطرفة لتغيير الجو في البلاد.

 

كان يرمي التخلي عن غوش قطيف ايضا الى انقاذ المشروع الذي كان أعز على قلبه وهو المستوطنات في يهودا والسامرة. إن انسحاب شارون من طرف واحد من القطاع جعله ينال في أواخر ايامه السياسية تقديرا دوليا لم يجرب مثله في الماضي. واصبح الانفصال من وجهة نظر كثير من الاسرائيليين في نظرة الى الوراء يبدو أقل نجاحا، فقد سيطرت حماس على قطاع غزة وأصبحت القذائف الصاروخية التي حصلت عليها منذ ذلك الحين تعرض تل ابيب ايضا للخطر اليوم. لكن الانسحاب علمنا ايضا أن حكومة اسرائيلية قوية قادرة على تنفيذ تنازلات ثقيلة وأن الطرفين ليسا محصورين بالضرورة في صراع أبدي بلا مخرج. بعد اربعة اشهر من إتمام الانفصال أصيب شارون بالجلطة الدماغية الاولى. ورأى حاخامو اليمين المتطرف ذلك بالطبع عقابا من السماء على الانفصال.

 

كان أكبر اخطائه يغطي ولايته دائما، أعني حرب لبنان الاولى في 1982 التي أُبعد بعدها عن منصب وزير الدفاع. وقد استمر شارون في مواجهة لبنان على النهج الحذر الذي بلغ حد الهوادة والذي سنه قبله باراك بعد الانسحاب في أيار 2000. ورُعي في ايامه وهم الصواريخ الصدئة وحذرت اسرائيل جدا ردا كبيرا على تحرشات

 

حزب الله المتوالية. وحينما أمر حسن نصر الله بالهجوم على الدورية العسكرية 105 في تموز 2006 كان شارون قد أصبح في رقدته منذ أكثر من نصف سنة.

 

رد خلفه اهود اولمرت على تحدي حزب الله بتعجل وبعدم تخطيط كاف. وأُديرت حرب لبنان الثانية ادارة سيئة من المستوى السياسي الى الالوية المقاتلة برغم أنها أفضت آخر الامر الى نتيجة استراتيجية مختلطة. وفي ذروة الحرب المسببة للكآبة عاد برنامج التلفاز "ارض رائعة" في نشرة خاصة. وكان الفصل الاول قد أظهر شارون غائبا عن الوعي راقدا في المستشفى وأيقظه تتابع التقارير من لبنان في نشرات الاخبار من نومه فبحث عن رفول كي يعود ويقود الحرب.

 

عبر ذلك الفصل من البرنامج عن الشعور العام الذي كان سائدا في ذلك الوقت ورأى أن شارون لو كان لرد بتسامح أكبر وبحذر على تحدي نصر الله وانتظر ساعة مناسبة كي يرد بضربة ناجعة. كانت حرب لبنان الاولى فشلا فظيعا لشارون لا يُغتفر. لكن حينما عاد الجيش الاسرائيلي وتورط في حرب لبنان الثانية أصبح يبدو للحظة أن اسرائيليين كثيرين مستعدون حتى لأن ينسوا له خطايا الماضي ليعود ليقود المقود بيد أكثر أمنا من يد خلفه الذي خطا نحو الشرك اللبناني في غرور وبعينين شديدتي الانفتاح.