خبر إطار أسوأ من أوسلو أو مواجهة مسؤولية الإفشال

الساعة 08:52 ص|09 يناير 2014

أطلس للدراسات

المفاوضات التي انطلقت في نهاية تموز/ يوليو من العام الماضي وصلت الى مرحلة المخرجات الأولية أو إعلان الفشل، كيري يصر ويتمسك بنيل موافقة الطرفين على ورقة إطار تصيغ شكل الحل النهائي الذي سيتم التفاوض علية سنة أخرى أو أكثر، ويمكن للطرفين التحفظ على بعض بنودها، وهو أشبه بإعلان أمريكي، أي خارطة طريق رقم "2"، وهو في سبيل ذلك يوظف ويجند كل عناصر القوة والضغط المتاحة أمريكياً وعربياً ودولياً، ومهدداً في نفس الوقت من مخاطر فشل مهمته.

المفاوضات التي بدأت بخطيئة التنازل عن مرجعيات حقيقية وواضحة وبسقف عربي فلسطيني أقل من ثوابتنا، وقبلت أو ابتلعت مضطرة استمرار الاستيطان، وتخلت عن كل ممكنات القوة على ضعفها وهشاشتها، وجاءت في ظل متغيرات اقليمية استراتيجية لصالح إسرائيل، فإن مخرجاتها لن تكون إلا أسوأ من أوسلو بمرات عديدة، لأنها بدأت بسقف وظروف وشروط أدنى وأسوأ مما صاحب أوسلو، ويتم التفاوض على ما هو أدنى من هذا السقف، فالنتيجة ستكون مهما بلغت حنكة المفاوض وصلابة موقفة تقديم المزيد من التنازلات في موضوع القدس والحدود والسيادة واللاجئين والمستوطنات، الأمر الذي نقدر تماماً أن المفاوض الفلسطيني يدركه، ولسبب نجهله يواصل تحت ضغوط أمريكية المقامرة بمستقبل الشعب الفلسطيني بطريقة أقرب إلى العبثية ودون أي إحساس بالمسؤوليات الخطيرة التي ستترتب على مقامراته ومغامراته، من تدمير ذاتي، وعبث بالمشروع الوطني الفلسطيني الذي فقد معالمه وحدوده ومحدداته، وتحميل الشعب الفلسطيني تبعات ذلك دون أن يسأله أو يستشيره أحد.

الخطر الذي يتربص بالقضية الوطنية جراء هذه المفاوضات العبثية خطر داهم وكبير سواء توصلوا لاتفاقية أو اصطدمت مرة أخرى بمطالب اسرائيل واشتراطاتها، ففي الحالة الأولى تقديم تنازلات جديدة ستفضي حتماً إلى تنازلات لاحقة وتآكل في الموقف الوطني، وتعزيز الانقسام ومزيد من تفكك النسيج الاجتماعي، أما في الحالة الثانية حالة الفشل، فإن الفلسطيني سيتحمل القسط الأكبر من مسؤولية الفشل (الذي رفض أن يعترف بإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية)، وستعود السلطة في مواجهة أشكال من الضغط والحصار، الأمر الذي سيضع السلطة أمام تحديات كبيرة، لكن مخاطر تحمل مسؤولية الفشل لا تقارن ولا تشبه مخاطر تقديم التنازلات.

إن كثيرين ممن لا يرفضون المفاوضات مع اسرائيل من حيث المبدأ ويتبنون شعار الدولتين يطالبون بوقف هذه المهزلة المسماة مفاوضات، ويعيبون على المفاوض أداءه، وغياب استراتيجياته، وتغييب خياراته وبدائله، والتخلي عن مقومات القوة والصمود والمقاومة التي يتحلى بها الشعب الفلسطيني، علاوة على استمرار الانقسام.

أما دولة الاحتلال فهي على عكسنا تماماً تدرك أن المفاوضات في هذه الظروف، ما تشهده الساحة الفلسطينية وما يعيشه العالم العربي هي كلها ظروف تجعل من المفاوضات فرصة لإنقاذ الاحتلال الاسرائيلي وتبييض وجهه واستثمار قوته على الأرض من خلال شرعنة الأمر الواقع من ضم واستيطان وفرض حقائق على الأرض، المفاوضات واستمرارها فرصته للتظلل تحتها من موجات الانتقاد الدولي للممارسات الاحتلالية وفرصة مناسبة لفرض شروطه ومطالبه، فرض تسوية بمقاساته، تسوية على أراضي احتلت سنة 67، تضمن له تحقيق الحد الأقصى من مطامعه في ظل ضعف الآخر، وفي ظل الانحياز الأمريكي في تبني المطالب الإسرائيلية.

لكن وبرغم السطوة والقوة الاسرائيلية في المفاوضات إلا أن نتنياهو لا زال يلاعب الأمريكيين بمنتهى الحذر والحنكة، فهو من حين لآخر يسعى لتطويق نفسه بالمزيد من المعارضين لمبدأ المفاوضات من وزراء وأعضاء كنيست عبر غض نظره أو موافقته الصامتة على تقديم مشاريع قوانين لها علاقة بتقييد ايدي المفاوض الإسرائيلي، وهى إشارات قوية للأمريكان ألا تمارسوا مزيداً من الضغط، وليس لكم إلا أن تطلبوا فقط ما استطيع تمريره وما لا يهدد ائتلافي الحكومي، ويبدو أن الأمريكان أكثر حرصاً على سلامة ائتلاف نتنياهو وسلامة موقفه الحزبي من حرصهم على نجاح المفاوضات نفسها، حيث يلتقي كيري مع رئيس المعارضة الإسرائيلية، ويلتقي السفير الامريكي مع رئيس حزب "شاس"، بينما لا يلتقون مع أي من ممثلي المجتمع الفلسطيني، فلا قيمه لرأينا العام ولا لمجتمعنا ولا لنظامنا السياسي في نظر الأمريكيين.

في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه مشروعنا الوطني على مستوى تصفيته بطرق التسوية، وشرعنة الضم والاستيطان، أو تحميل مسؤوليات الفشل وعودة الحصار وإطلاق يد الاستيطان، فليس أمام القوى والفصائل والنخب إلا العمل بقوة والنزول للشارع والضغط على قيادة السلطة للانسحاب من المفاوضات وإعادة صياغة وتعريف المشروع الوطني الفلسطيني على قاعدة الثوابت الوطنية والاجماع الوطني وتحديد استراتيجيات العمل من أجل إنجازه، واعتباره معياراً لتقدمنا او تراجعنا، وانهاء الانقسام وتفعيل واعادة بناء م. ت. ف.