خبر التسوية الفلسطينية: شيء ما يتحرك! ..حلمي موسى

الساعة 10:27 ص|08 يناير 2014

يبدو أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وأكثر من كل أسلافه، أفلح في تحريك التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، مستفيداً من الوضع الإقليمي المتدهور وغياب البدائل لدى الطرفين. وكان يبدو مثيراً للسخرية عندما يتحدث عن سعيه لإبرام اتفاق نهائي خلال مهلة الأشهر التسعة، التي تنتهي في مطلع أيار، والتي أعاد الطرفين إلى طاولة المفاوضات بموجبها. ولكن حركة الأيام الأخيرة وبعد انقضاء أكثر من خمسة أشهر على انطلاقة المفاوضات تشهد بأن شيئاً ما يتحرك. وبرغم الحديث عن مهلة الأشهر التسعة، بات كيري يطالب بردود واضحة قبل آذار المقبل.

ومما يتوفر من معلومات، تراجع كيري عن نيته تقديم ورقة أميركية تحدد معالم التسوية المفترضة، وصار يصر على توصل الطرفين إلى اتفاق إطار. والفارق في نظره بين الأمرين كبير، لأن بوسع الإسرائيليين والفلسطينيين تقديم تحفظات على الورقة الأميركية تسحب البساط من تحتها وتجعلها نسياً بعد حين. ولكن اتفاق الإطار هو تفاهم بين طرفين يتم التوقيع عليه وهو ملزم لهما أمام الأسرة الدولية. وهذا يشكل عاملا ضاغطا على الطرفين يترافق مع كثافة زيارات لا تنقطع وتستغل الزخم.

ظاهرياً، عربة التسوية تقف مكانها، ونظرياً يتحدث كيري عن تقدم. ويستدل من غضب كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس وتوترهما، أثناء الحديث معه، على أنه يحقق غايته. فالغضب والتوتر، في نظره، دليل على أن الرجلين بلغا مرحلة اتخاذ القرارات الصعبة. وهو يعتقد أن القرارات الصعبة تتعلق أساساً بقبول الفلسطينيين بيهودية إسرائيل وأمنها، وقبول الإسرائيليين بحق الفلسطينيين في دولة بحدود العام 1967 مع تعديلات تستند إلى تبادل أراض.

ويمكن القول إنه قبل كيري عملياً، وفي عهد كيري نظرياً، كان الجواب من الطرفين بالسلب. فالمعادلة تنطوي على تحطيم لمبادئ نشأت عليها رواية وخطاب كل منهما. فلا مشكلة للفلسطيني مع توفير ضمانات أمنية لإسرائيل شرط زوال الاحتلال، ولكن لديه مشكلة جوهرية بالاعتراف بيهودية الدولة العبرية. فالأمر يمس التاريخ وحق العودة والأهم يترك أكثر من مليون فلسطيني بقوا في أرضهم في مناطق الـ48 عرضة للطرد لأنهم ليسوا يهوداً. ولا مشكلة للإسرائيلي، معظم الإسرائيليين على الأقل، مع الدولة الفلسطينية ولكن ليس على حدود الـ67. والمسألة ليست فقط الكتل الاستيطانية ولا حتى «عنق الزجاجة» قرب قلقيلية وطولكرم، وإنما «صخرة الوجود» في القدس والخليل ونابلس. وبالنظر لغلبة اليمين وهيمنته على الساحة السياسية الإسرائيلية، فإن التسوية تبدو غير مقبولة، مهما كانت صورتها، لأنها تتطلع إلى تقسيم «أرض إسرائيل». والباقي تفاصيل.

وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان عرض الخطة التي ينادي بها منذ سنوات وأساسها تبادل سكان وأراض. إسرائيل تتخفف من عدد كبير من فلسطينيي الـ48 وتكسب المزيد من أراضي الضفة الغربية، التي تمت السيطرة عليها بالاستيطان. والفكرة، إن كانت مقبولة على اليمين الفاشي فإنها غير مقبولة على اليمين الأيديولوجي والديني. فلدى الآخرين لا مجال للحديث عن تسوية. ورئيس الحكومة الإسرائيلية مشبع بالفكر الأيديولوجي، وإن كان يتقافز بين مواقف تحاول إخفاء ذلك.

وأعلن نتنياهو أمس بوضوح، أمام أعضاء كتلة الليكود المتخوفين من انزلاقه نحو التسوية، أنه في لقاءاته مع كيري أفلح في تقريب الأميركيين أكثر من الموقف الإسرائيلي في عدة جوانب. وأضاف أن «في وثيقة المبادئ التي تتبلور أمورا لا نحبها أنا وأنتم، لكن فيها أمورا لا يحبها الفلسطينيون. في أفضل الحالات سيكون سلاما باردا كما مع الأردن، وفي أسوأ الأحوال، أفغانستان». وقال «لن أسمح بدولة ثنائية القومية. والحديث لا يدور عن تجميد الاستيطان زمن التفاوض، هذا ليس واردا. والمفاوضات ليست على تفكيك المستوطنات ولا أنوي إخلاء أي مستوطنة في يهودا والسامرة». وأضاف «لا أنوي التخلي عن الكتل الاستيطانية ولا عن رموز التراث، مثلاً في الخليل». وقال إن إسرائيل تحاول تمديد فترة المفاوضات لعام آخر.

وحاول تبديد المخاوف عبر التأكيد بأنه «حتى الآن لا وجود لوثيقة والأميركيون لا يفلحون في تحقيق تفاهمات بين الطرفين». ومع ذلك حمل على الأميركيين بشكل تلميحي عندما قال إنهم «عرضوا مواقفهم، وأنا أحاول أن أدخل واقعية إلى الخطة. في كل منطقتنا، من المغرب حتى الباكستان، لا توجد دولة لا تمر بهزة عدا إسرائيل، وهذا يعلمنا أنه محظور بناء السياسة على الأوهام. كل سياسة تستند إلى الأوهام تتحطم في نهاية المطاف أمام الواقع».

ونشرت اسرائيل أمس الأول خططا لبناء 272 منزلاً في مستوطنات الضفة الغربية. وقال مسؤول في وزارة الدفاع ان الخطط لبناء اكثر من 272 منزلا في مستوطنتي «عوفرا» (شرق رام الله) و«كارني شومرون» (شمال نابلس) مبدئية، ويجب ان تجتاز بضع مراحل اخرى من الترخيص قبل بدء البناء.

ولكن اليمين المتطرف في الليكود و«البيت اليهودي» لا يثق حتى بنتنياهو ولذلك فإنه يصعد خطابه وتحركاته. وأمس، فضلاً عن قانون فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن، بدأت التحركات لسن قانون يمنع التفاوض على القدس. ومن المقرر أن تعرض عضو الكنيست من الليكود ميري ريغف يوم الأحد المقبل مشروع قانون آخر لإحباط التسوية السياسية. وبحسب المشروع، فإنه لا يحق لرئيس الحكومة إدارة مفاوضات سياسية حول القدس أو التفاوض حول مسألة اللاجئين من دون الحصول على تفويض مسبق من الكنيست. وكانت أصوات المعارضة وليس الائتلاف من أسقط قبل حوالي شهر مشروع قانون مشابه من كتلة «يهدوت هتوراه» يحظر التفاوض على القدس قبل الحصول على موافقة 80 عضواً في الكنيست.

وقد هدد زعيم «البيت اليهودي» وزير الاقتصاد نفتالي بينت، أمس نتنياهو قائلاً إن حزبه لا يوافق على أي مفاوضات تدور على أساس خطوط الـ67 ويمكن أن يترك الحكومة جراء ذلك. وأضاف أن «الألاعيب انتهت. لن نلعب بعد اليوم مع خطوط 67، التي تعني تقسيم القدس، تسليم جبل الزيتون وحائط المبكى، وجبل الهيكل والبلدة القديمة». وأشار إلى «أننا لن نجلس في حكومة تتخذ القرارات السهلة والخطيرة. وإذا لم يوجد من يمثل الشعب، فنحن سنفعل ذلك. لن نهرب من القرارات الصعبة».