خبر على اليسار أن يستيقظ- معاريف

الساعة 09:31 ص|08 يناير 2014

بقلم: نوعام شيزاف

(المضمون: اصوات قليلة فقط في اليسار الاسرائيلي تجرأت في التسعينيات على الاشارة الى الاخفاقات التي في اتفاق اوسلو والى حقيقة أنه سيُسيء شروط حياة الفلسطيني العادي ويُثبت السيطرة الاسرائيلية في المناطق. محظور تكرار هذا الخطأ التاريخي. مسموح لمعسكر السلام أن ينتقد جون كيري - المصدر).

 

بعد نحو شهر سيضع وزير الخارجية الامريكي جون كيري أمام اسرائيل والفلسطينيين اقتراحا لاتفاق اطار لحل الدولتين. تفاصيل المفاوضات سرية، ولكن معقول الافتراض بأن الاقتراح سيكرر مباديء كلينتون، الى جانب موقف من المطالب الجديدة التي طرحتها اسرائيل وعلى رأسها الاعتراف بدولة يهودية والتواجد العسكري على طول الغور. كما يُفهم من التقارير بأن الاقتراح لن ينزل الى أعماق الحلول بل سيشكل اطارا لمواصلة المفاوضات، وأن تطبيق الاتفاق سيتم على مراحل وعلى مدى فترة طويلة.

 

حتى الآن جاء كل الانتقاد على المفاوضات واقتراح كيري المتبلور من اليمين ومن اليمين المتطرف. أما اليسار ومؤيدو الدولتين في الوسط فانهم يشجعون وزير الخارجية في جهوده ويسيرون في خط واحد مع أفكاره، دون صلة بجودتها أو بفرص نجاحها. واسباب ذلك مفهومة: قادة احزاب الوسط يأملون في أن تصفي المفاوضات ائتلاف نتنياهو وتنقل الحكم اليهم، بينما الانتقاد من اليسار لاقتراحات وساطة خارجية

 

يعتبر بشكل تاريخي انتحارا سياسيا (إذ لا يمكن تصور "سخاء" أكبر تجاه الطرف الفلسطيني مما يقترحه الامريكيون أو الاوروبيون). ثمة بالتأكيد ايضا شيء ما لطيف ومُسكر في التشريفات التي يعرف البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية كيف يُغدقها على من يمثل مواقفهم في اسرائيل. غير أن كل هذا لا يعني أن الاقتراح الامريكي مُحق، منصف أو حكيم. العكس هو الصحيح: فالقليل مما تسرب عن المفاوضات يطرح تساؤلات جدية عن التفكير الامريكي وعن فرص اتفاق الاطار في التحقق.

 

أولا، فكرة المفاوضات طويلة المدى والتنفيذ على مراحل سيعطي الوقت والفرص العديدة لمعارضي الاتفاق لافشاله، تماما مثلما في اوسلو. والحكومات التي وقعت على الاتفاق ليست تلك التي سيتعين عليها تنفيذه، والتزامها تجاهه سيهبط بما يتناسب مع ذلك. وحقيقة أن غزة وحماس سيبقيان خارج الاتفاق، وأن اللاجئين لن يحظوا بجواب جدي، وأن عرب اسرائيل سيضطرون الى ابتلاع القرص المرير للاعتراف بدولة يهودية (الذي تؤيده الادارة بسخافتها)، تعد بأن معظم الشعب الفلسطيني سيشعر بالخيانة والهجران وسيواصل الكفاح المزدوج ضد دولة اسرائيل وضد السلطة الفلسطينية التي تركته لمصيره.

 

ثانيا، تواجد قوات اجنبية في نطاق الدولة الفلسطينية الصغيرة والمتقطعة، ولا سيما قوات الجيش الاسرائيلي، من شأنه أن يصبح حجر جذب للمقاومة. بنود مقيدة اخرى تُفرص على "الدولة" الفلسطينية – من حظر الطيران وحتى السيطرة الاسرائيلية على الأمواج الالكترومغناطيسية – ستشكل هي ايضا مبررات لأحاسيس محقة من الاهانة والتمييز، تماما مثلما ثبّت اتفاق باريس غير المنصف التعلق الاقتصادي للسلطة باسرائيل.

 

قسم من المشاكل في صيغة كيري هو مشاكل أساسية في حل الدولتين. واليسار الاسرائيلي يحبذ كبتها منذ سنين. فان أيا من الترتيبات الامنية والالتزامات بانهاء النزاع لن يمنع القوى المتطرفة من أن تستولي في المستقبل على الحكم في رام الله (التي ستتحول

 

الى شرقي القدس). هذه هي النقطة في الدول المستقلة: فهي مستقلة في أن تختار حكامها.

 

السبيل الى ضمان الاستقرار ليس في التزامات فارغة ووثائق بل في المصالح المتبادلة. فللدولة الفلسطينية المخففة والمجردة ستكون مصلحة دائمة لتحدي الاتفاق وسبب ايضا للادعاء بالتمييز. واذا كان هناك احتمال لحل الدولتين في التحقق فانه يكمن فقط في حل سخي جدا، يسير شوطا أبعد من كل ما بُحث في الخطاب الاسرائيلي، فيما أن نهج "لعبة مبلغها الصفر" لليمين الامريكي هي فشل معروف مسبقا.

 

اصوات قليلة فقط في اليسار الاسرائيلي تجرأت في التسعينيات على الاشارة الى الاخفاقات التي في اتفاق اوسلو والى حقيقة أنه سيُسيء شروط حياة الفلسطيني العادي ويُثبت السيطرة الاسرائيلية في المناطق. محظور تكرار هذا الخطأ التاريخي. مسموح لمعسكر السلام أن ينتقد جون كيري.