خبر التحويلات الطبية ضرورة وهدر للمال العام ..د. صلاح الوادية

الساعة 01:55 م|07 يناير 2014

التحويلات الطبية والحديث عنها قضية متجددة وحيوية ولكنها لم ترقى أبدا إلى مستوى أهميتها على المستوى الرسمي للسلطة الوطنية أو على مستوى مجلس الوزراء، لم نسمع عن حلول خلاقة إبداعية وجذرية، ذات المشكلة تتجدد مع كل ميزانية في نهاية كل عام، يجب التفكير بجدية بقضية تتعلق بحياة وسلامة المواطنين والمال العام.

حيث أكد مدير عام التحويلات الطبية في وزارة الصحة الفلسطينية أسامة النجار لبرنامج ساعة رمل عبر تلفزيون وطن أن مبلغ التحويلات الطبية التي دفعتها السلطة لمشافي الاحتلال قفز عن سبعة مليارات شيقل منذ عام 1994م حتى الآن، متحدثا عن سرقة المستشفيات الإسرائيلية لأموال السلطة عبر فواتير التحويلات الطبية، وربما هناك من هو مدان بالفساد، ورغم كل المبالغ التي تدفع هناك ديون على وزارة الصحة متعلقة بالتحويلات.

الأمر حقا يستحق الوقوف عليه، لماذا كل هذا الهدر للمال العام بحجة عدم وجود كادر بشري طبي كافي، وإذا أطلعنا على الجانب الإنساني للقضية نجد بها تقصير ملموس، فكثيرا من المرضى يستوجب تحويلهم للعلاج بالخارج لا يتم تحويلهم بحجة توفر العلاج وبعد علاجهم تتدهور صحتهم بشكل واضح، وكثيرا من المرضى الذين يتم تحويلهم يمكن علاجهم محليا وهناك العشرات أحق منهم بالتحويل، وبالحديث عن العمل الروتيني للحصول على التحويلة الطبية هي سهلة للحالات الطارئة جدا ولكنها صعبة ومذلة بالنسبة للحاجات الأقل خطرا، بمعنى أن كل تلك المبالغ لم تكفي للوصول إلى إكتفاء في موضوع التحويلات الطبية.

من غير الخافي أن السلطة الوطنية لا تعطي البحث العلمي وتطويره وتطوير كوادرها ومنهم الأطباء إهتماما كافيا، فحالة الطب والأطباء في قطاع غزة كليا والضفة جزئيا لا يسر ولا يطمئن والبراهين كثيرة أهمها مبلغ التحويلات المهول الذي نتحدث عنه، والأطباء ذاتهم غالبيتهم لا يهتم بتطوير إمكاناته والبحث عن كل ما هو جديد في تخصصه أو إكمال دراسته في الخارج، وحتى الكفاءات منهم تجدهم في المستشفيات الحكومية لا يعطي ربع إمكاناته وإهتمامه للمريض أما في عيادته الخاصة فحدث ولا حرج عن مدى الإمكانات والمهارات التي يظهرها، وهذا لعدم وجود رقابة حقيقية وجادة من قبل وزراة الصحة.

لو فندنا المبلغ بالتقريب وقمنا بقسمة مبلغ السبعة مليارات على تسعة عشر عاما (1994-2013) لوجدنا أن السلطة تنفق مبلغ 368 مليون شيقل كل عام على التحويلات الطبية للخارج وغالبا تعود معظم تلك المبالغ لمشافي الإحتلال، وعلى تخصصات طبية محدودة وهي التي تعاني النقص في الضفة وغزة.

الحل بسيط للتخلص من كل تلك النفقات واستبدالها بتكاليف بسيطة ومعلومة ومفيدة أكثر، فلو قامت وزارة الصحة بجلب أطباء أكفاء ومشهود لهم أجانب أو عرب لمجموع التخصصات التي بها إحتياج ويكونوا استشاريين وضليعين في تخصصاتهم ولمدة عام أو عامين على أقصى حد وبدل التحويل للخارج يقوموا هم بعلاج الحالات التي تحتاج للتحويلات الطبية في مشافينا، وخلال علاجهم للمرضى وإجرائهم العمليات يكون معهم طواقم طبية من أطباء أكفاء يقوموا بتعليمهم وتدريبهم ومن ثم يتركوا الأطباء المحليين الذين تم تدريبهم يقوموا بعلاج الحالات الحرجة وإجراء العمليات الحرجة تحت إشراف الإستشاريين ذاتهم، خلال فترة وجيزة لا تتعدى العامين سيكون لدينا كوادر طبية وكفاءات تدربوا على يد إستشاريين كبار تغنينا عن الحاجة للتحويلات كليا، أيضا تحسين أوضاع الأطباء المالية والمشافي الفلسطينية بما يقارب مواصفات الدول التي تمتلك مشافي طبية يليق بالمستوى الآدمي، وفتح أقسام للتخصصات التي غير موجودة والتي يتم التحويل لها للخارج، وإبتعاث مجموعة من الأطباء الأكفاء للخارج على نفقة السلطة لاستكمال دراستهم وزيادة خبراتهم، وتفعيل الرقابة الطبية على كل المشافي الحكومية.

لو جلبت وزارة الصحة عشرون بروفيسورا من عدة تخصصات نحن بحاجة إليها وكان عقدهم سنوي ولمدة عامين، وأعطت كل واحد منهم عشرة آلاف دولار شهريا ستكون نفقتهم جميعا في العام الواحد مليونين ونصف دولار تقريبا (2400000)، على مدار عامين خمسة ملايين دولار، بهذا المبلغ سنكون وفرنا مبالغ طائلة تزيد عن المئة مليون دولار سنويا لصالح التحويلات الطبية.

كم مشفى عالى المستوى وبمواصفات عالمية تستطيع السلطة بناءها بمبلغ السبعة مليارات شيقل، أرجو التفكير جيدا وعدم إلقاء المسؤولية على الغير وعلى وزير الصحة شخصيا تحمل المسؤولية عن كل هذا المال الذي يتم هدره نتيجة لعدم التفكير والإهمال.