خبر « إطار كيري » ليس فقط تغطية على الفشل بل مكافأة لنتنياهو وحكومته

الساعة 07:35 ص|06 يناير 2014

أطلس للدراسات

آخر الهامات الإدارة الأمريكية في التعويض عن فشلها في تحقيق أي انجاز في ملف المفاوضات بين الفلسطينيين وحكومة الاحتلال نتيجة عدم مقدرتها مثل كل من سبقوها، في تحدي رؤساء حكومات اسرائيل المتعاقبة، وبدلاً من ذلك يلتفون على الطرف الضعيف لتحقيق "الاختراق" على حساب آخر ما تبقى من حقوقه وثوابته.

منذ توليته منصبه خلفاً لهيلاري كلينتون في 1 نوفمبر من العام الماضي، وكيري يحاول أن يدخل التاريخ بما أسماه تحقيق اتفاق ينهي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. والترويج الأخير لصيغة اتفاق "إطار" هو على الأرجح محض اختراع أمريكي جديد يرمى كيري من خلاله الى تجاوز التعهد الذي قطعه على نفسه حين قرر أن يستمر التفاوض 9 أشهر تنتهي باتفاق دائم وحل للنزاع.

كيري منذ فترة يحاول أن يحتاط من الفشل، بمعنى أن يجد وسيلة تمكنه من تجاوز التاريخ المحدد لنهاية المفاوضات وهو نهاية شهر أبريل 2014، دون أن يعلن عن فشل، وأن يدخل الطرفين في مخطط تفاوضي آخر يمكن أن يستمر شهوراً أو سنوات. وهذا بالضبط ما يسعى اليه نتنياهو بما يمكنه وحكومته من المناورة وكسب الوقت وفرض الحقائق على الأرض.

فالحديث لا يدور عن اتفاق بالمعنى الحقيقي يفرض إطار عمل، وإنما مجرد تصريح أمريكي أو رؤيا أمريكية لا تحمل طابعاً قانونياً ولا تتطلب توقيعاً من الطرفين، ويمكن للطرفين أن يقدما تحفظات بشأنها، فقط كما قيل يمنح إحساساً مخادعاً بالدينامية للمسيرة التفاوضية. وأغلب الظن – كما تشير مصادر إسرائيلية – أن يتضمن الإعلان الأمريكي مبدأين مركزيين بصياغة غامضة: أن تكون اسرائيل مستعدة في ظروف معينة للاعتراف بدولة فلسطينية على أساس حدود 67 مع تبادل للأراضي، وأن يعترف الفلسطينيون عند توقيع الاتفاق بإسرائيل كدولة يهودية ويعلنوا عن نهاية النزاع.

صحيفة "يديعوت" في ملحقها الأسبوعي يوم الجمعة رأت أن ما يسمى "اتفاق إطار" هو محاولة لتخليص وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من ورطة فشل فرض حل على نتنياهو، ومد إسرائيل بطوق نجاة يمكِن الإدارة الأمريكية وإسرائيل توزيع عبء "فشل المفاوضات" على الطرفين مناصفة، حتى لا تبقى إسرائيل تتحمل وزر فشل هذه المفاوضات.

وبحسب الصحيفة ذاتها، منذ الثالث عشر من ديسمبر الماضي، هناك إحباط يلازم وزير الخارجية من عناد نتنياهو، دفع به إلى اجتراح فكرة اتفاق "الإطار العام" كمخرج يجنبه اضطرار اتخاذ موقف حاسم في تحميل إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات، خاصة مع إعلان نتنياهو المتكرر عن بناء المزيد من وحدات الإسكان وأعمال البناء في المستوطنات على الأراضي الفلسطينية. فكيري ظل يخشى رفض نتنياهو لمقترح أمريكي ملزم، مما يسبب إحراجاً كبيراً للإدارة الأمريكية وتحدٍ لهيبتها.

وبحسب "يديعوت" فقد تبلورت لدى طاقم كيري فكرة تغيير أهداف المفاوضات في التسعة شهور، من كونها مدة يفترض فيها على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني التوصل إلى اتفاق للحل الدائم، إلى اعتبارها فترة مفاوضات لبلورة المواقف العامة، تمهيداً للمفاوضات حول الحل الدائم.

 

يكافئ نتنياهو

حكومة اسرائيل ظلت على مدى شهور تجدد المفاوضات تضع العصي في الدواليب، وتتعمد إرباك المشهد السياسي، ومع كل جولة مكوكية يصل فيها كيري إلى المنطقة تبادر باعتداء يستهدف ما تبقى من أرض أو ممتلكات فلسطينية، وكان آخر هذه الإجراءات تشريع قانون ضم الأغوار.

رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، كعادته، استبق الجولة الاخيرة لكيري بتوجيه الاتهام للسلطة الفلسطينية، وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع كيري لدى وصوله الى المنطقة في جولته الاحدث؛ راح يوجه الاتهام إلى السلطة الفلسطينية والتشكيك في جديتها وتحميلها المسئولية في عدم الوصول إلى اتفاق، وقال: "في ضوء أعمال وتصريحات القيادة الفلسطينية، يوجد لدينا في إسرائيل شكوك بأنهم ملتزمون بالسلام، وبدلاً من إعداد شعبهم للسلام، تمارس هذه القيادة عملية التحريض ضد إسرائيل".

وشدد نتنياهو على مطلبه الأخطر والأصعب على الفلسطينيين والقاضي بنسف كل الجهود بقوله "السلام يعني الاعتراف بإسرائيل كوطن الشعب اليهودي". وزعم نتنياهو أنهم في إسرائيل "مستعدون لاتخاذ قرارات تاريخية لكننا نحتاج إلى شريك في عملية السلام"، وأكد أنه يأمل في ألا يفوت الجانب الفلسطيني مرة أخرى الفرصة لتحقيق مستقبل أفضل في المنطقة.

والمدهش أن كيري نفسه خلال ذات المؤتمر راح أيضاً يمارس الكذب، ويثني على ما أسماه شجاعة نتنياهو وحرصه على إنجاح المفاوضات!

 

التظاهر بكبح اليمين

نتنياهو يحسن الاستفادة من تركيبة الائتلاف اليميني الحاكم في خلط الأوراق، وإرباك المشهد السياسي للتهرب من الضغوط الخارجية التي تطالبه بتقديم تنازلات على مسار حل الدولتين، ويقدم نفسه على أنه كابح زمام اليمين المتطرف، وأنه يتبنى استراتيجية تسوية مع الفلسطينيين من قبيل تجميده المؤقت لبعض المخططات الاستيطانية اعتراضه الظاهري في التصديق على قرار اللجنة الوزارية بضم منطقة الاغوار بتصريح مخادع "أن هذا القانون قد يُحدث ضرراً بإسرائيل".

ومن المهم التذكير بتصريحاته الأخيرة في بداية اجتماع كتلة "الليكود بيتنا" في الكنيست هذا الأسبوع من أن "التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين سيكون بعد ضمان مصالح إسرائيل، وفق معادلة الأمن لإسرائيل ونزع السلاح من الفلسطينيين، وإذا تحقق ذلك يُطرح الاتفاق في استفتاء شعبي"، وإشارته إلى أن "اتفاقاً كهذا سيجري التوصل إليه فقط إذا اعتُرف بإسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي، وفقط إذا تنازل الفلسطينيون عن حلم العودة وباقي مطالبهم في مناطق الدولة اليهودية".

وأضاف يقول " الأهم من ذلك هو أن هذا سيكون ممكناً فقط إذا تمكنت إسرائيل من الدفاع عن نفسها بقواها الذاتية مقابل أي تهديد، وفي جميع الأحوال فإنه إذا جرى التوصل إلى اتفاق، فسنطرحه في استفتاء شعبي".

وعن حاجة اسرائيل للمفاوضات في كسب الوقت وفرض الامر الواقع مضى يقول: "لدولة إسرائيل مصلحة استراتيجية في إجراء مفاوضات سياسية، وتمثل فيها أمام أعيننا مصالحنا الحيوية ومن ضمنها ضمان الاستيطان في أرض إسرائيل وأمننا".

 

تكامل أدوار

أما وزير المالية ورئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد فيرى أنه قد حان لإسرائيل أن تنفصل عن الفلسطينيين، وفي كلمة أمام مؤتمر مجلة "كلكاليست" الاقتصادية يرى أن إسرائيل غير معنية بالزواج مع الفلسطينيين، بل تريد الانفصال عنهم، لكونها عاجزة عن استيعاب أكثر من 4 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

في حين رأت الوزيرة تسيبي ليفني أن إسرائيل في السياسة التي تتبعها كمن يضع رأسه في الرمل، وتعكس أنها منفصلة عن الواقع الدولي بأسره، محذرة من النتائج التي ستلحق بإسرائيل.

وفيما يتعلق بتداعيات المسار الفلسطيني، قالت ليفني أمام لقاء مع رجال الأعمال الاسرائيليين "أستطيع القول لكم إن الصراع مع الفلسطينيين هو بمثابة السقف الزجاجي للاقتصاد الإسرائيلي، وعليكم أن تشاهدوا هذا الأمر جيداً، فمن دون حل هذا الصراع ستكون النتائج على الاقتصاد الإسرائيلي سلبية جداً، فالمقاطعة اليوم نحو بضائع المستوطنات، وفي الأيام المقبلة قد تكون ضد إسرائيل بأكملها".

وهاجمت ليفني مشاريع الاستيطان الجديدة متسائلة "كيف يمكن توضيح موقفنا أمام العالم في الوقت الذي نقول فيه إننا مع حل الصراع على أساس دولتين لشعبين، وبنفس الوقت نطرح عطاءات للبناء في مستوطنات الضفة الغربية؟ كيف يمكن التعامل مع بعض الوزراء الذين يرون أن البناء في المستوطنات مثل البناء في اللد أو هرتسيليا؟ من الصعب توضيح هذا الموقف وهذا التناقض للعالم". ورأت ليفني أن "المستوطنات ليست جزءاً من أمن إسرائيل، بل تلحق بها الضرر".

 

تخوف اسرائيلي

التخوف الإسرائيلي الذي يرافق محادثات السلام أن فشل المحادثات قد سيدفع الفلسطينيون مباشرة الى الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. الأمريكيون أيضاً لا يريدون الوصول إلى هذا الوضع، ولهذا فإن كيري ونتنياهو على حدٍ سواء سيفعلان كل ما في وسعهما لمنع تفجر المفاوضات.

ومن هنا السعي الحميم لتمرير وثيقة تتضمن استعداد الطرفيين على مواصلة الحوار لسنة أخرى، طالما بقي الفلسطينيون يرفضون مطلب الاعتراف بـ "يهودية الدولة" والذي يعني قبولهم بالانتحار الذاتي؛ فإن نتنياهو يرفض الحديث عن خريطة حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية.

في المجلس الوزاري السياسي والأمني يوجد توافق في الرأي في عدة مواضيع مثل الموضوع الأمني وموضوع اللاجئين، لكن في موضوع يهودية الدولة يوجد خلاف، رئيس "يوجد مستقبل" يعتقد أنه يمكن التنازل عن هذا الشرط.

 

منطقة المثلث

صحيفة "معاريف" ذكرت أن فكرة تبادل أراضٍ تطال مناطق في المثلث مدرجة على جدول أعمال الحكومة، وأن إسرائيل تسعى لتحقيقها من أجل التخلص من عدد كبير من الفلسطينيين والتقليل من نسبتهم العامة في اسرائيل.

وذكرت الصحيفة في موقعها على الانترنت أن اسرائيل تقدمت باقتراح إلى الإدارة الأمريكية حثتها على دراسة فكرة نقل أراضي في منطقة المثلث إلى السلطة الفلسطينية في مقابل احتفاظ اسرائيل بالكتل الاستيطانية الموجودة في الضفة الغربية وبقائها تحت السيادة الاسرائيلية في إطار أية تسوية مع الفلسطينيين.

وأضافت الصحيفة أن جهات قضائية إسرائيلية تدرس الجوانب القانونية للفكرة بما فيها مسألة الجنسية الاسرائيلية التي يتمتع بها المواطنون العرب في منطقة المثلث.

يذكر أن ليبرمان طرح الفكرة منذ عام 2004، وظل يحاول الدفع للفكرة في معظم علاقاته مع الأمريكيين والأوربيين بهدف التخلص من 300 ألف عربي فلسطيني في المنطقة المذكورة.